تعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في الدول الديمقراطية في رسم وتخطيط سياستهم واتخاذ قراراتهم، حيث إن دراسة القضايا والمعضلات السياسية هي المحور الأول في رسم وبناء الاستراتيجيات في جميع المجالات. وهذا لما تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات في العصر الحديث الذي تشكل مناهج البحث العلمي فيه مصدرا أساسيا للتعامل مع القضايا والشئون الحياتية.
ولابد من الإشارة إلى أن مراكز الأبحاث في «إسرائيل» في ثلاثة مستويات رئيسية وهي:
المستوى الأول: الأكاديمي البحثي فإن الباحثين في هذه المراكز هم باحثون ذوو كفاءات عالية جدا، ويتمتعون بشهرة عالمية، وذلك بسبب دراساتهم في الخارج، وكذلك بسبب استخدامهم لطرق البحث العلمية التي تخضع للمعايير العلمية العالمية في إجراء وعرض البحوث في المؤتمرات والمجلات العلمية المتخصصة، ومن هنا نلاحظ كثافة إصداراتهم وتمثيلهم في جميع المحافل والمناسبات العلمية العالمية والمحلية.
المستوى الثاني: الإسرائيلي العام، حيث تشارك جميع المراكز في إصدار وبناء برامج تثقيفية للمواطنين كل بحسب اختصاصه، مثل مؤتمرات وندوات، وتنظيم أيام دراسية، والمساهمة في توسيع دائرة الثقافة من خلال المسرح والغناء والنشاطات الجماهيرية المختلفة.
المستوى الثالث: صناع القرار، وهنا تصقل زبدة هذه الأبحاث لتعرض على شكل توصيات تقدم لمتخذي القرارات وواضعي السياسات الإسرائيلية في مجالات مختلفة.
وهناك أنواع عدة لمراكز الأبحاث الإسرائيلية حيث تتميز بعدة خواص أهمها:
1) تعتمد على صقل وبناء برامجها على متخصصين ذوي كفاءات عالية من بين الباحثين اليهود في معظمها.
2) أهدافها وآليات عملها تحمل وجوها من التفاسير وخصوصا في المواد المنشورة.
3) هنالك تعتيم مقصود حول مصادر التمويل لهذه المراكز المكلفة جدا، ويمكن تقسيم مراكز الأبحاث الإسرائيلية إلى ثلاثة قطاعات مركزية مع ملاحظة التعاون في ما بينها.
1 - القطاع الجامعي:
تعد الجامعات الإسرائيلية الأطر الأكثر اتساعا في العملية البحثية، إذ تتوافر لها وفيها الكفاءات والخبرات العلمية والظروف الأكاديمية، فضلا عن توافر الإمكانات المادية والمعنوية اللازمة لعمليتي التدريس والبحث.
وتولي هذه الجامعات اهتماما كبيرا للعمل في ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانون. ومن أبرز تلك الجامعات: الجامعة العبرية، وجامعة تل أبيب، وجامعة حيفا، وجامعة بار إيلان، وجامعة بن غوريون، تتبع لها مراكز ومؤسسات بحثية.
ويتبع الجامعة العبرية عدد من المعاهد والمراكز ومؤسسات الأبحاث المنوط بها إنجاز الأبحاث المتنوعة في شئون الاستشراق والصراع العربي - الصهيوني، منها: مؤسسة الأبحاث الشرقية (الاستشراقية)، «المعهد الإسرائيلي للأبحاث الاجتماعية التطبيقية»، «معهد بن تسفي للدراسات اليهودية»، معهد الدراسات الاقتصادية - باسم موريس فالك، مركز دراسة أوضاع عرب (أرض «إسرائيل») في معهد ترومان، معهد ليفي اشكول للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، معهد ليونارد ديفيس للعلاقات الدولية»، معهد مارتن بوبر للتقارب اليهودي - العربي، مؤسسة أبحاث الشرق الأوسط، مركز شاشا للدراسات الاستراتيجية، ومعهد هاري ترومان الذي تأسس العام 1967 في إطار الجامعة العبرية، وعقد أول مؤتمر دراسي له العام1970 خصص لدراسة أفكار طروحات الرئيس الأميركي الأسبق هاري س. ترومان، ترومان تقديرا لدوره ومواقفه في خدمة الصهيونية و»إسرائيل» وأخذ المعهد منذ تأسيسه يتعاطى بحثيا مع موضوعات متفرقة ذات مضامين وأبعاد محلية وإقليمية ودولية.
وتضم جامعة تل أبيب عدة مؤسسات بحثية مشهورة، تعنى بالشئون العربية والإسرائيلية وبشئون الصراع وغير ذلك، أبرزها:
1. «معهد شيلواح للدراسات الشرق أوسطية والإفريقية».
2. مركز موشي ديان (في معهد شيلواح).
3. مركز جافي (يافيه) للدراسات الاستراتيجية».
4. معهد التخطيط السياسي للعلاقات بين «إسرائيل» والشتات.
5. «معهد دافيد هوروفيتش لأبحاث شئون الدول النامية.
6. «المؤسسة الإسرائيلية للتاريخ العسكري».
7. جمعية السلام.
2. القطاع العام أو الحكومي:
أما مراكز الأبحاث التابعة للقطاع الحكومي، فتعتبر الركيزة الأساس التي تقوم عليها أبحاثه فهي الاعتبارات السياسية والأمنية (العسكرية والاستخبارية).
ذلك أن حصيلة هذه الأبحاث تجد طريقها على دوائر الاستخبارات بأقسامها وفروعها، وهناك يجري تقدير أهمية المادة في ضوء صلاحيات لملء الفراغات في المخططات السابقة بعد إغنائها مقرونة بالاستخلاصات والتوصيات لتعتمدها المؤسسات الحكومية. وهكذا يحدد الصراع والتوجهات السياسية والأمنية الإسرائيلية الأطر للعمل البحثي في هذه المؤسسات.
أ- في وزارة الخارجية: تتعاون الهيئات البحثية في هذه الوزارة مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وترسم خططها على نحو يعزز ارتباطها بالأهداف السياسية والدعائية لـ «إسرائيل» على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. ومن أهم تلك المراكز: مركز البحوث والتخطيط السياسي. ويقع هذا المركز داخل مجمع وزارة الخارجية بالقدس المحتلة، ويعمل فيه نحو 100 باحث محلل ومساعد أرزوا للعمل ضمنه من ملاك وزارة الخارجية ذاتها ومن الجامعات الإسرائيلية بشكل رئيس.
3 - مراكز الفكر الخاصة بالأحزاب:
هنالك من يصنف كمجموعة مستقلة لمراكز الفكر تعمل لجان وهيئات بحثية في غالبية الأحزاب والحركات الإسرائيلية على تزويد قيادات الأحزاب وكوادرها بالتقديرات التحليلية والتقارير حول الأوضاع الداخلية والإقليمية، ومن أبرز مراكز الأبحاث الحزبية: معهد الدراسات العربية» - جعفات حفيفا».
4 - مؤسسات البحث «الخاصة»:
تعبر مراكز الأبحاث الإسرائيلية المستقلة، عن توجهات القائمين والداعمين لها في الأساس، حيث يتصدر هذه المراكز مركز فان لير في القدس والمركز الإسرائيلي للديمقراطية ومركز بيغن - السادات للبحوث الإستراتيجية.
إجمالا، يساهم إنتاج مراكز الأبحاث الإسرائيلية في - تطوير الحياة المعرفية في الوسط العام عن طريق أنشطتها الثقافية ومنابرها الإعلامية المختلفة. وتقوم هذه المراكز برفد الساحة بالمعلومة الجديدة الموثوقة والتحليل العلمي الرصين، وتبلور آفاق المستقبل.
باحث وكاتب سوري، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 2658 - الثلثاء 15 ديسمبر 2009م الموافق 28 ذي الحجة 1430هـ