لربما آن الأوان كي يتقدم من «يعلق الجرس...» فلم يعد الموقف يستحمل أي تأخير. وعلى عناصر التيار الديمقراطي وقواه السياسية أن تدرك الحقائق المرة التالية:
1. أنها، أي القوى الديمقراطية، دون سواها من ألوان الطيف السياسي الأخرى، الوحيدة التي لم تنعم عناصرها بأكثر من دورة برلمانية واحدة، وكانت التجربة حينها ماتزال يافعة، والقوى الديمقراطية ماتزال طرية العود، ورغم أنه من غير المنصف الحكم على أدائها من خلال تقويم تلك الفترة القصيرة، لكن انتخابات 2006 جاءت في غير صالحها.
ولعل أسوأ ما عرفته القوى الديمقراطية خلال تلك الدورة كان هو مغادرة مقاعدها الديموقراطية كي تنتقل سياسيا تحت ضغوط ليس هنا مجال سردها، إلى كراسي قوى أخرى، ووصل الأمر بتلك العناصر إلى أن تردد شعارات، وتتبنى بعض مواقف تلك القوى، التي لم تكن آذانها، بأي حال من الأحوال، كي تصغي له. ومن ثم فيمكننا القول إن فشل القوى الديمقراطية في الوصول إلى قبة البرلمان في انتخابات 2006، كان مؤشرا مهما على حقيقة شعبيتها أولا، وسببا في حرمانها من مكاسب الاستمرارية ثانيا، وعنصر حال دونها وإغناء تجربتها على هذا الصعيد ثالثا.
2. أن بنيتها، أي القوى الديمقراطية، السياسية التحتية في غاية الضعف مقارنة مع تلك التي تملكها القوى السياسية الأخرى، التي ماتزال حتى اليوم نشطة في الساحة، وهي - أي البنى - في الوقت ذاته أكثرها هشاشة من حيث التماسك، مما حد من من قدرات القوى الديمقراطية، وقلص من إمكانات حضورها في صفوف جماهيرها، بمن فيها التي تدافع عن مصالحها.
وإذا ما حاولنا تقويم الإمكانات المالية والقدرات البشرية التي بحوزة كل قوة سياسية على حدة، وأردنا رسم آفاق تطورها، فسوف نكتشف أنه اليوم، وحتى في المستقبل المنظور، يصعب الحديث عن إمكانية نجاح مؤسسات القوى الديمقراطية، وتؤهلها كي تكون قادرة على اللحاق بتلك التي تملكها نظيراتها من القوى الأخرى المنافسة. وبالتالي فهي مطالبة ببذل جهود مضاعفة في حال رغبتها ركوب بحار الانتخابات البرلمانية المقبلة. وإذا سلمنا بهذه المقولة، فهذا يطالب القوى الديمقراطية بأن تسارع إلى حسم أمورها، واتخاذ قراراتها ليس من أجل التخلص من مخاوف المشاركة فحسب، وإنما أيضا للتعويض عن ذلك التباين في الإمكانات من أجل القدرة على تحسين ظروف المنافسة، دون أن يعني ذلك النجاح التلقائي في توصلها إلى قرار مشاركة إيجابي.
3. باستثناء القوى الديمقراطية، راكمت القوى الأخرى تجربة برلمانية لا ينبغي أن يستهان بها خلال دورتي 2002 و2006 البرلمانيتين، واكتسبت عناصرها، وبتفاوت، جراء ذلك زخما جماهيريا، لا ينبغي التقليل من شأنه، مما وضع بين يديها رصيدا جماهيريا قويا، يزودها بالكثير من الطاقة التي هي في أمس الحاجة لها من أجل خوض منافسات انتخابية برلمانية جديدة.
ومن الطبيعي، أن تعزز الدورة الثالثة من تلك الخبرات، وتمدها بالكثير مما تحتاجه من أجل إعانتها على تطوير أساليبها التي تستخدمها، وخاصة في حال غياب القوى الديمقراطية من حلبة العمل السياسي البرلماني، إما من جراء مخاوف المشاركة، أو بفضل الفشل في نيل غالبية الأصوات التي تحتاجها للتغلب على المنافسين الآخرين.
محصلة كل ذلك اكتساب القوى الأخرى الممثلة في البرلمان الكثير من عوامل القوة التي من شأنها ترسيخ حضورها كتنظيمات، وتقوية وجود عناصرها بين صفوف المواطنين كأفراد.
وفوق هذا وذاك، فبقدر ما تفتح المشاركة أبوابا جديدة للتحالفات، بقدر ما تغلق المقاطعة أبوابا، هي اليوم مفتوحة بين القوى الديمقراطية ذاتها، وبينها وبين القوى الأخرى. وفي حال الموافقة على هذا الطرح، فذلك يعني أن المقاطعة تعني تقزيم من يأخذ بها والعكس صحيح أيضا.
4. بروز ما يمكن أن نطلق عليه تجاوزا «البرلمانتاريا»، على وزن «البروليتاريا»، وهي شريحة اجتماعية جديدة، باتت لها مصالح ذاتية قد لا تبدو بعيدة عن مصالح القوى السياسية التي تنتمي إليها، لكنها في حقيقة الأمر أقرب إلى المصالح الذاتية من أي شيء آخر.
هذا التميز «الاجتماعي - السياسي»، بات يشكل دافعا قويا يغري من تمتعوا به، على الإصرار على الفوز كي يستمر ذلك التميز. هذه الفئة، باتت في حد ذاتها إحدى الصعوبات المباشرة والمعقدة التي ستجد القوى الديمقراطية نفسها مطالبة بخوض منافسات شديدة ضدها، قد تتجاوز في شراستها المعارك التي من الطبيعي أن تدور بين مختلف الكتل البرلمانية المترشحة.
5. تنامي قطيعة فئات معينة من التيار الديمقراطي لمنظمات مجتمعية وهيئات سياسية، قام ذلك التيار، وبقرار ذاتي غير مبرر، بوضعها إما في أسفل درجات سلم تحالفاته، أو ذهب إلى ما هو أسوأ من ذلك عندما أسقطها من قائمة القوى التي يمكن التحالف معها، ولو بشكل مؤقت وعلى المدى القصير.
يعكس ذلك عدم قدرة هذا التيار على الانتقال الديناميكي المطلوب من أساليب عمل مرحلة «قانون أمن الدولة»، إلى مرحلة ما بعد التصويت على الميثاق الوطني. وليس هناك حاجة إلى إرهاق القارئ، أو إضاعة وقته كي نريه الفرق السياسي النوعي بين المرحلتين. بل لربما بات من الخطأ الاستمرار في استخدام النظارة ذاتها لتحديد مهام العمل في المرحلة الراهنة، التي أصبحت اليوم تحول دون مد القوى الديمقراطية بالطاقة التي هي في أمس الحاجة لها كي تنسلخ من قيود المرحلة الأولى وتتحرر من أسرها، وتنتقل إلى المرحلة الثانية وتستفيد من إمكاناتها المتاحة.
وفي نهاية المطاف، يبقى علينا الاعتراف، أمام النفس، كحد أدنى، أنه من الصعوبة بمكان خوض معارك انتخابات دورة 2010، طالما استمرت تتحكم فينا مخاوف المشاركة أو تسكننا وتسيطر على سلوكنا هواجس المقاطعة، فأي منهما أسوأ من الأخرى.
وأول متطلبات الفوز هو أن نزرع في داخلنا متطلبات الاقتناع الاستراتيجية بجدوى المشاركة، وأن ننضي عنا في الوقت ذاته، وبالقناعة ذاتها ثوب هواجس المقاطعة.
وما لم يتم ذلك، فستكون القوى الديمقراطية، قد تركت الساحة، وبمحض إرادتها، للقوى الأخرى، وأضاعت، بوعي أو بدون وعي، من بين يديها فرصة ذهبية، وأفقدت جماهيرها حق استخدام قناة سياسية، لا ينبغي التقليل من جدواها المباشرة، أو الاستهانة بمكاسبها الإيجابية غير المباشرة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2656 - الأحد 13 ديسمبر 2009م الموافق 26 ذي الحجة 1430هـ
لا مشاركة ولا مقاطعة
لم نحصل على فائدة من المشاركة ولا من المقاطعة, نحن بحاجة إلى حل جذري مع الحكومة.
"الحدّاية" لا تحذف كتاكيتاً
إذاً فأنت يا أستاذي الفاضل من دعاة المشاركة في هذا البرلمان الديكوري!! هي وجهة نظر أقدّرها, لكني أشكّ في أنها –أي المشاركة- فعّالة حقاً, فلم أسمع قطّ بأن مخصياً قد تمكّن من الإنجاب. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن القوى السياسية المعارضة لدينا بحاجة إلى إعادة تأهيل وتنمية لكوادرها العاملة على أكثر من صعيد, قبل ولوجها في بحر الحكومة اللجّي.
مع وافر التحية
علام كل هذا التحفّظ؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم
لتأذن لي يا أستاذي العزيز بهذه اللفتة قبل التعليق:
علام كل هذا التحفّظ من ذكر أسماء "القوى الديموقراطية" مباشرة؟ وهل ثمة أحد لا يعلم بها؟ لِمَ لا تقول صراحة هي "الوفاق" و"حق" و"الوفاء" و"أمل" و "وعد", إلى جانب قوى الموالاة؟ فهذا الشيء يجعل القارئ الكريم على بينة أجلى.
مع خالص الإحترام والود