ربما مايزال الوقت مبكرا للخروج بأي حكم قاطع حول نتائج هذه الحرب الدائرة اليوم في الأراضي اليمنية، بين القوات السعودية والمتمردين على السلطة من القبائل الحوثية، لكن سير المعارك وتطور الأوضاع كلها هناك، يشيران سوية إلى تورط القوات السعودية في أوحال الجبال اليمنية. كما أن أية قراءة موضوعية، حتى وإن كانت سريعة لتلك المعارك، تكشف مواطن الضعف التي يعاني منها الطرف السعودي، مقابل عناصر القوة التي يتمتع بها الطرف اليمني، وتؤكد، بالتالي، ميلان كفة الصراع لصالح هذا الأخير، حتى وإن بدت الصورة بخلاف ذلك من الخارج، أو نجحت القوات السعودية في تحقيق بعض الانتصارات المحدودة والآنية خلال المراحل الأولى من شنها للحرب.
فعلى المستوى السعودي يمكن تلخيص مكامن الضعف في النقاط التالية:
1. على الصعيد السياسي، ستجد السعودية نفسها وحيدة في مواجهة الحوثيين، فبالنسبة لتحالفاتها الدولية، من الصعوبة بمكان في مثل هذه الظروف العالمية أن تجد الرياض لنفسها حليفا استراتيجيا بوسعه تقديم أي شكل من أشكال الدعم الملموس لها. حتى الولايات المتحدة، لم تعد أوضاعها الذاتية تسمح لها القيام بذلك؛ نظرا لانشغالها في حروبها التي تخوضها في أفغانستان والعراق. كل ما تستطيع واشنطن تقديمه، لن يتجاوز حدود الدعم السياسي والدبلوماسي. والأمر لن يختلف على المستوى العربي، حيث تحول أوضاع الدول العربية المتردية دون إقدامها على أبسط أنواع الدعم. حتى الحكومة اليمنية التي وفرت الغطاء الدبلوماسي للهجوم السعودي، هي الأخرى تعاني من عزلة داخلية، غير تلك التي يثيرها الحوثيون، عبرت عنها اضطرابات أخرى، مثل تلك التي عرفتها مناطق الجنوب، ووصل الأمر بها إلى الدعوة إلى الانفصال، مما يجعل السلطات اليمنية مشلولة اليد وعاجزة عن معاضدة القوات السعودية، فيما عدا توفير الغطاء الشرعي لها.
2. على الصعيد العسكري، ورغم أن القوات النظامية السعودية مزودة بأسلحة متقدمة، نسبيا، لكنها في الوقت نفسه تفتقد إلى الخبرة الميدانية بشكل عام، ومواجهة قوات تعمل بقوانين حرب الغوار بوجه خاص. فعلى امتداد ربع القرن الماضي لم تخض القوات السعودية أية مواجهة عسكرية، باستثناء تلك القصيرة أثناء التدخل الأميركي في الكويت لإخراج القوات الصدامية. وقبل ذلك، وتحديدا في السبعينيات كانت مشاركتها في القوات العربية التي دخلت لبنان لوقت الحرب الأهلية هناك.
3. على الصعيد الداخلي، تعاني السعودية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من حالة تمزق داخلي، سارعت من وتيرة انفجارها الأزمة المالية من جهة، وسيول جدة من جهة ثانية، حيث بدأت تطفو على السطح مجموعة من الخلافات الداخلية المبطنة، بما فيها تلك التي تدور في أروقة القصور الملكية. يضاعف من خطورتها، وجود الجالية اليمنية، وبالأعداد الهائلة في مدن السعودية، الأمر الذي يمكن أن يقود إلى انفجار الأوضاع الداخلية، مما يضعف القدرة على الاستمرار في خوض المعارك الخارجية.
مقابل عوامل الضعف هذه، التي ترهق قدرات القوى العسكرية السعودية، تبرز عناصر القوة التي يتمتع بها الحوثيون، والتي تعزز من قدراتهم العسكرية، وتمدهم بما يحتاجونه للاستمرار في تمردهم وتوسيع نطاق عملياتهم الحربية. ويمكن تلخيص مكامن القوة هذه في النقاط التالية:
1. على الصعيد السياسي الداخلي، توفر الأوضاع السياسية القائمة اليوم في اليمن أفضل الظروف وأكثرها مناسبة لبدء أي شكل من أشكال التمرد والعصيان على الدولة، حيث تواجه السلطة في صنعاء حالة متردية من حالات التشظي السياسي، ليس التمرد الحوثي سوى أحد أنواعها الأكثر بروزا على السطح. فهناك الخلافات مع القبائل الأخرى، وعلى وجه الخصوص في حضرموت، يترافق معها المعارضة الشديدة التي يقودها الحزب الاشتراكي اليمني، ويضاف إلى كل ذلك فقدان النظام اليمني لأهم شخصية تاريخية في العمل السياسي اليمني، وهو الشيخ عبدالله بن الأحمر الذي كانت علاقاته العربية، وتحالفاته القبلية الداخلية، تمد النظام بالكثير من عناصر الاستقرار والثبات. وفي السياق ذاته، يحاول الحوثيون الضرب على وتر حالة العداء اليمنية السعودية التي أشرنا لها، والتي يمكن أن تكون المعين الذي لا ينضب في مد الحوثيين بعناصر تصعيد المقاومة على الصعيدين العسكري والسياسي.
2. على الصعيد العسكري، يتحرك المقاتلون الحوثيون على رقعة جغرافية واسعة ووعرة توفر لهم أفضل طوبوغرافية لشن حروب العصابات، تعززها كتلة بشرية متماسكة قبليا، يبلغ تعدادها ما لا يقل عن 750 ألف مواطن، تربط نسبة عالية منهم روابط قبلية متينة مع التمرد الحوثي، ترسخها مجموعة من التحالفات التي نسجها الحوثيون مع شيوخ تلك القبائل. وإذا صحت الاتهامات الموجهة للحوثيين، وكانت لهم علاقات مع طهران، فهذا يعني وصولهم إلى خزان أسلحة ضخم، وإمكانيات تدريس متطورة، تساعدهم على إرهاق الطرف السعودي. ويحاول الحوثيون الاستفادة من يفاعة خبرة القوات السعودية في مواجهة تكتيكات حروب العصابات، لإلحاق الهزائم بهم، ونشر اليأس في صفوفهم.
لهذا كله، وبغض النظر، كما أشرنا، عن بعض الانتصارات الآنية والمحدودة في هذه المرحلة المبكرة من القتال، لكن الزمن لا يسير في صالح الطرف السعودي، الذي يتوقع له أن يعاني من نزيف مستمر، طالما استمرت المواجهات العسكرية، والذي قد يجد نفسه غارقا في الأوحال اليمنية، التي استخدمها قبل ما يربو على نصف قرن في مواجهته للقوات المصرية التي وجدت نفسها مرغمة على الانسحاب، رغم التفوق العسكري الشكلي الذي كانت تنعم به القوات الجمهورية، مقارنة بذلك الذي كان بحوزة القوات الملكية. ولربما ليس الوقت متأخرا كي تهيئ الرياض نفسها لتقديم بعض التنازلات الجزئية، قبل أن ترغم على الاعتراف بالهزيمة، أو تواصل النزف الذي يصعب التكهن بما سيؤول إليه في حال رفض الرياض القبول بالأمر الواقع. فمن غير المستبعد أن يمتد شرار نيران الحرب ضد الحوثيين كي يتجاوز الحدود اليمنية ويشعل مدنا أخرى، لكنها هذه المرة في داخل المملكة وليس على حدودها المتاخمة لليمن.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2654 - الجمعة 11 ديسمبر 2009م الموافق 24 ذي الحجة 1430هـ
تعقيب على زائر "1" ..... و طلب!!
فعلاً يا عزيزي زائر "1" فحضرة الكاتب هو أستاذ فاضل على قدر عال من الإطلاع والثقافة والوعي, ولا يفوتني قراءة عموده الغرّ ما اطّلعتُ على الصحيفة.
إلى جانب ذلك .. لي رجاء عند أستاذي العزيز "عبيدلي", وهو: أن يقوم بكتابة أطروحات يفضح من خلالها جريمة "التجنيس السياسي الفاحشة", وذلك باسلوب جديد ومعتدل بحيث يصل إلى المعنيين بالشأن بصورة فاعلة.
مع خالص التحية والمودة
شكرا
على هذا التحليل الواقعي الذي باين ان الكاتب مطلع على الكثير من ومثقف واعي ، وفي اعتقادي ان الكاتب يوجه رسالة الى السلطات السعودية هذا عنوانها (انسحبو قبل فوات الاوان)