العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ

من ذلّ الحصار إلى ذلّ الاحتلال

علي محمد جبر المسلم comments [at] alwasatnews.com

عشية انهيار الحكومة العراقية اختلطت المشاعر لدى الشعب العراقي حزن بيّن وفرح، ولم يصدق آخرون من أبناء الأمة العربية وهم يراقبون عبر شاشات أجهزة التلفزة مظاهر الاحتفاء والترحيب بالجنود الغزاة يتجولون وسط شوارع مدينة بغداد عاصمة الرشيد من دون أدنى مقاومة أو حتى ظهور للجيش، أو الحرس الوطني، أو فدائيي صدام.

هرول غالبية الشعب العراقي فرحا وراء الدجل الأميركي الانجليزي الواعد بالحرية والديمقراطية والغد الأفضل، إلا أن تلك الفرحة، لم تدم طويلا، فقد تلاشت لحظة صدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي أضفى شرعية على الغزو بدل ان يجرم قوى التحالف، ويطالبها بالانسحاب، ويحملها تبعات خروجها على الإرادة الدولية، كما فعل سابقا بشأن غزو العراق للكويت. وبما أن المسألة كلها تتعلق بمصالح الدول الكبرى، فقد اعتبر القرار الغزاة في هذه المرة قوة احتلال فقط، من دون التلويح بأية عقوبة أو حصار، أو أية إجراءات أخرى. وعلى عكس ذلك منح القرار الغزاة حق التحكم في مقدرات العراق من دون تحديد مدة زمنية، أو وجوب انسحابها من الأراضي العراقية. بمعنى انه لا يمكن من الآن لأي قوة أخرى رفع يد قوى تحالف الشر عن نفط العراق وثرواته، وذلك لوجود حق النقض «الفيتو» لديها.

القرار صمم ليصدم بشده تطلعات عراقيي الداخل والخارج، وليبعث برسالة إلى جميع رؤساء الدول العربية، الذين عوّلوا الكثير على تلك الدول التي اتخذت من الكذب حبلا للوصول إلى غايتها وخالفت، مع سبق الإصرار والترصد لتبرير السطو المسلح، كل القرارات والقوانين، وعرضت المدنيين للقتل والتشرد والإصابة بشتى أنواع الإعاقة والامراض، لأنها سيدة الموقف وعلى الآخرين السمع والطاعة. لذلك لم يكن من المستغرب ان تتراجع الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا عن بعض أو كل وعودهما بشأن تشكيل مجلس وطني أو حكومة انتقالية عراقية.

الرغبات الشريرة لا تعترف بالصدق أو الأمانة، وخصوصا عندما تمتلك القوة التي تمكّنها من الوصول إلى أهدافها، وإضفاء الشرعية عليها عن طريق ممارسة الضغوط الاقتصادية أو التهديد، واختلاق الأكاذيب ووضع السيناريوهات الهوليوودية لتحويلها في نظر الآخرين إلى حقائق تكتسب بالتالي الشرعية اللازمة.

قوى التحالف الآن في ورطة، بعد ان عجز مفتشو الأمم المتحدة سابقا وقوى التحالف لاحقا، وأيقنوا بصحة خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل كما أعلن أكثر من عالم عراقي أوطرف عسكري من الغزاة، ويريدون بأية طريقة كانت بعد ان شنوا حربهم غير المبررة وإثبات أن العراق يمتلك أو يخزن مثل هذه الاسلحة، وان الاجتياح كان له ما يبرره.

لذلك ارتأى الغزاة اللجوء إلى بعض السيناريوهات الهوليوودية، فاختلقوا فيلم رصد مكافأة مالية لمن يرشدهم إلى مكان تلك الأسلحة، وبما أن كل مسرحية لابد أن تنتهي بانتصار البطل، وبما انه ليس من الواقع الآن بعد كل هذه المدة أن تكتشف قوى التحالف الغازية للعراق بنفسها أسلحة الدمار الشامل، وحتى لا تتهم تلك القوى بما تقوم به حاليا لاثبات وجودها بأية طريقة من طرقها الملتوية. لذلك لابد للمخرج من إسناد دور بطولة اكتشاف اسلحة الدمار الشامل إلى أحد الاطراف العراقية.

وهنا تنتهي هذه القصة بانتصار أبطالها أميركا وبريطانيا وإسبانيا ويسدل ستار الجريمة إلى أن يرفع في بداية جريمة أخرى مازالت نصوصها تحت الإعداد

إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"

العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً