العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ

ثلاثة مواطنين من دون تأمين ضد الخطر يصابون... أين جواب وزارة الكهرباء؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

المواطنون الثلاثة - الذين أصيبوا إثر انفجار محطة الكهرباء في مدينة عيسى قبل ثلاثة ايام - شهدوا بأمور خطيرة لا يمكن السكوت عليها في بلدنا المعروف عنه تاريخيا بالتطور في مجالات فنية كثيرة.

فصلاحية المفاتيح الكهربائية انتهت منذ 15 سنة، لأنها تعمل منذ 30 سنة على رغم أن عمرها الافتراضي هو نصف تلك الفترة.

اضافة إلى ذلك فإن المحطة لم تجر لها عملية صيانة منذ ثلاث سنوات، على رغم أن برامج الصيانة الوقائية تتطلب كشفا صيانيا كل ستة شهور.

أحد المصابين بلغت نسبة الحروق فيه 52 في المئة بينما بلغت في المصابين الآخرين 12 و17 في المئة. ولم تحصل «الوسط» على أي تعليق رسمي عن ملابسات الحادث، ولا يبدو ان هناك من سيصرح بشيء مقبول بعد مضي ثلاثة أيام على الحادث.

وفي بلدان أخرى لديها - ديمقراطية ومحاسبة وشفافية فإن مثل هذا الحادث لا يمكن ان يمر مرور الكرام، من دون فتح الملفات، ومن دون محاسبة المسئولين. فالبحرين - التي شهد لأهلها جميع من عرفها بقدراتهم الفنية، وكان ابناؤها يذهبون إلى الدمام وإلى مناطق الخليج الاخرى في الخمسينات والستينات بخبراتهم الفنية - تعاني اليوم من خلل في مجالات يفترض انها اتقنت مع الزمن. ليس هذا فحسب، بل ان هناك تخوفا من انقطاع الكهرباء، على رغم مرور عقود على فهم المشكلة والسعي إلى حلها، فالامر ليس معجزة لم تتوصل الانسانية إلى حل لها.

الاسوأ من كل ذلك، أن المواطنين الثلاثة الذين هرعوا إلى تأدية واجبهم الوظيفي والوطني لاصلاح خلل في محطة الكهرباء بمدينة عيسى ليس لهم «بدل خطر» وليس لهم تأمين. وهذا ما وصلنا من مصادرنا في الوزارة التي حاولنا الاتصال بها مرارا لمعرفة جلية للأمر، إلا أننا لم نجد أي استجابة منها. وهذا يعني أننا نعيش خلف زمننا فنيا وإنسانيا، بعد ان كنا في المقدمة، وبعد ان كان الفني البحريني العامل في بابكو -مثلا - من أفضل الفنيين في المنطقة، ومن اكثرهم تدريبا ودعما.

ويستغرب المرء كيف ان لدينا في البحرين فائضا وتخمة هائلة جدا من الوزارات والموظفين، ولكن تعجز جميعها عن القيام بأبجديات ما هو مطلوب. فلدينا 24 وزارة في بلد يعيش فيه 700 ألف إنسان، بينما لدى سنغافورة - التي تبلغ مساحتها مساحة بلدنا ولكن سكانها أكثر منا بست مرات - 14 وزارة. ولعل المرء يعتقد (ان زيادة الخير خيرين)، بمعنى ان لدينا عشر وزارات اكثر من سنغافورة، والمفترض ان الصيانة أفضل والخدمات أفضل لاننا نصرف على الموظفين ضعف ما تصرفه دولة أخرى اكثر منا عددا بست مرات. ولكن الواقع يقول لنا إن ما نصرفه يشبه الثقوب السوداء الموجودة في الفضاء الخارجي للكون.

الثقوب السوداء في الفضاء الكوني تبتلع أي شيء يمر أمامها فيختفي هذا الشيء (حتى لو كان بحجم أرضنا وكوكبنا مئات المرات)، يختفي إلى ما لا نهاية ولا يعلم أحد أين تذهب الاجسام التي تختفي في الثقوب السوداء.

واذا كانت الثقوب السوداء قد حيرت علماء الفيزياء فإن الثقوب السوداء في إدارات الخدمات وفي انشطة الوزارات حيرت أهل البحرين؛ فالصرف ليس قليلا بل اننا ننافس دولا اكبر منا بكثير في مقدار الصرف ونسبته من الموازنة، وعدد المسئولين ضعف ما هو موجود لدى غيرنا، ومع ذلك فإننا نرسل ثلاثة من ابناء البحرين لاصلاح عطب في محطة وتنفجر في وجوههم، وبعد ذلك نعلم ان هذه المحطة لم تحصل على خدمة الصيانة الوقائية -التي كان من المفترض اجراؤها كل ستة شهور- خلال ثلاث سنوات ونصف السنة.

هل يعقل مثل هذا الأمر؟ وهل هناك من لديه الجرأة على مساءلة المسئولين واحدا واحدا عن هذا الأمر؟ أم ان المواطنين هم آخر من يوضع لسلامتهم اعتبار؟

ان برامج جميع المنشآت تعتمد اساسا على برامج الصيانة الوقائية، التي تتطلبها جميع الضوابط الهندسية. وعلى هذا الأساس فإن المنشآت والمؤسسات تحصل على شهادة الجودة (أيزو) التي تؤكد للزبون (والمواطن) ان القائمين على المؤسسة أو المنشأة يمررون أعمالهم بصورة منتظمة تضمن الحصول على خدمات أو منتجات بجودة مقبولة ومن دون اضرار بالعاملين في المنشأة أو المستخدمين من الزبائن أو المواطنين.

ولا نعلم اذا كانت وزارة الكهرباء قد اعتمدت برامج الجودة لديها، وفيما اذا كانت لديها فعلا ضوابط وانظمة تضمن لنا سلامة العاملين والموظفين في الوزارة، وتضمن سلامة المواطنين المستخدمين للخدمات الكهربائية.

وكيف تستطيع الوزارة إعداد نفسها لخصخصة قطاع الطاقة ووضعها الحالي ليس مقبولا؟ فالقطاع الذي تتم خصخصته يحتاج إلى ضمان جودة خدماته وربحيته اولا؛ فيتم تحريره. اما اذا تمت خصخصة القطاع قبل استكمال متطلبات الخدمة فإن ذلك يعني ان الخدمة للمواطنين قد لا تكون افضل، واذا أصبحت أفضل فإنها ستكون أغلى.

إن فترة الحر قد بدأت، وتزداد استخدامات مكيفات الهواء في هذه الفترة الحرجة، وبالتالي فإن الضغط على المحطات الكهربائية سيزداد. وبينما يتوجه بعض المواطنين لقضاء فترة الصيف خارج البحرين فإن الاكثرية تبقى داخل البحرين، وهؤلاء يستحقون من يخدمهم بصورة تليق بالمستوى الفني المتطور لدى أهل البحرين، وبصورة تليق بحجم الأموال التي يتم ضخها في وزارات الدولة المتضخمة.

كيف سيكون للمسئول ان يقضي عطلته في مكان هانئ، بينما العاملون الذين ليس لهم تأمين ضد الخطر يصابون بسبب الإهمال؟

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 265 - الأربعاء 28 مايو 2003م الموافق 26 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً