الزميل سامي النصف الكاتب في صحيفة «الأنباء» الكويتية ينقل وبأمانة في عموده اليومي عبارة المفكر والكاتب العراقي حسن العلوي عندما كان يتجول معه في أسواق الكويت القديمة وسأله أحد المواطنين عن رأيه بقضية «الشيك» للنائب فيصل المسلم الذي أشهره في مجلس النواب والعائد لرئيس مجلس الوزراء الذي دفع بموجبه مبلغ 200 ألف دينار كويتي لشخصية لم يعلن عنها... فتطوع قائلا وبلهجته المحببة «يابه إذا الشيخ ما ينطي فلوس... شنو فايدته... لازم تلوموه إذا خشْ حلاله... مو إذا فتح كيسه»... ويبدو أن الكيس الذي فتحه الأستاذ العلوي في جمعية الصحفيين بالندوة التي نقلتها الصحف يوم السبت 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 حول التأثيرات الإقليمية بالانتخابات العراقية باعتباره أحد مرشحيها لم يحسن إغلاقه...
ابن الكرادة الذي يعشق المخاطرة وعبور النهر بعكس الريح من النوع الذي يهوى السباحة فوق نهر عريض «بحثا في بستان الأفاعي عن مفقود بين البساتين والماء».
في جعبة الكاتب والمفكر العراقي الكثير من المفاجآت، تستوقف القارئ والمتابع، الأولى نفيه وبشدة للأقاويل التي تقول إن الكويت دفعت 30 مليون «دولار» إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر وإنه لا يمتلك حسابا بنكيا خاصا، وإنه مات فقيرا ولم يرث شيئا سوى بيته فقط...
سيكون الأمر مبالغا فيه إذا كان النقاش حول من قبض المبلغ، الدولة أم الحزب، هذا، افترضنا أن هناك فرقا بينهما أم هو شخصيا ومدى انتفاعه به وليس بالمقدور التدقيق بكيفية صرف المبلغ وأين أودع فعنده ربما الخبر اليقين بحكم خبرته ومعاصرته لتلك المرحلة وبقربه من صدام فيما بعد لكن نظرة سريعة إلى الروايات التي نشرت والمذكرات التي صدرت والكتب التي أرِّخت تكفي للوقوف على حقيقة قرض الـ 30 مليون دينار الذي اعتبره المراقبون وكأنه الثمن الذي قبضه العراق مقابل الاعتراف بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث قدم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية 10 ملايين دينار ودفعت الحكومة 20 مليون دينار...
وقبل يومين من زيارة الرئيس أحمد حسن البكر للكويت أي في الأيام العشرة الأولى من شهر أكتوبر/ تشرين الأول العام 1963 جرى توقيع اتفاقية قرض بمبلغ 30 مليون دينار ومن دون فائدة وجرى تحويل المبلغ ليؤخذ من الاحتياطي الموجود في المصارف البريطانية، والتوقيع تم بين المرحوم الشيخ جابر الأحمد الصباح بصفته وزير المالية والصناعة ووزير التجارة بالوكالة وبين وزير المالية العراقي د. محمود محمد الحمصي. والقرض ذكره الأستاذ حسن العلوي في كتابه «أسوار الطين» وأشار إليه في الصفحة رقم (100) تحت فصل بعنوان «زعيم الضم - عبدالكريم قاسم»... وأفاض بشرحه والمفاوضات التي سبقته كتاب طالب شبيب بوصفه أحد المشاركين بالتفاوض وغيره الكثيرون ممن أرَّخوا لذلك العهد.
ويبدو أن لعبة القروض حصلت في أكثر من مناسبة وعرف النظام العراقي كيف يبتز الكويت من وراء التلويح باستئجار «بوبيان» أو فرض أمر واقع بعبور قوات عسكرية داخل الكويت كما في أحداث الصامتة العام 1973.
المسألة الثانية تتعلق بتفسيره أن الكويت ليست عراقية ولو كانت كذلك لأصبحت شيعية على حد زعمه والسبب كما يشرح، ذلك في ندوته يعود إلى «تواجد أعداد كبيرة من الشيعة في مدينة البصرة وهي الأقرب للكويت وبهذا فإنها كانت سوف تسعى إلى الانتقال للكويت، إلا أن هذا لم يحدث، مما يؤكد أن الكويت ليست عراقية وأنها دولة سنية، كما أن المناخ السائد للسنة هو البر، وهجرة القبائل البدوية لا يمكنها أن تتحول إلى المذهب الشيعي، ببساطة لأن الشيعة يميلون إلى العيش في المناطق الطينية من الأرض».
يذهب الأستاذ العلوي بنظريته على أساس أن الانتماء الديني يحدد نوع الأرض التي يعيشون فيها، وفيما إذا كانت طينية أم رملية، فالشيعة من سكان المناطق الطينية والسنة من سكان المناطق الرملية والبر!
العارفون بتاريخ البصرة والعراق والكويت يشيرون إلى أن الشيعة كانوا أقلية في البصرة وما بين الكويت والبصرة توجد الزبير كحاجز يفصل بينهما والبصرة في تلك المرحلة كانت تدار من قبل السنة ومشروع الانفصال الذي طرح العام 1921 كان من قبل تجار السنة والعلاقات بين السنة والشيعة تميزت بالتعايش والانصهار المجتمعي وحتى الديني، ولم تكن الطائفية تشكل هاجسا سياسيا في ذلك الوقت، بل إن العائلات تحكمها علاقات طبيعية وربما كانت المجالس الحسينية أكثر تمثيلا لها، عندما تشارك عائلات السنة البصراوية مع عائلات وتجار الشيعة في تقديم العزاء والمساعدة بإعداد «الهريس» الذي يقدم في المناسبة.
إذا كان هذا التفسير الذي يعتقد به الأستاذ العلوي فماذا عن شيعة الأحساء والبحرين مثلا وشيعة كربلاء والنجف وإيران أيضا، وهل هناك صلة بين المكان والدين الذي يعتنقه ساكن الأرض، أي بمعنى هل يمكن تعميم نظرية الفصل بين الرمل والطين على أساس المذهب وفيما إذا كان السنة والشيعة في أماكن تواجدهم وانتشارهم وماذا عن الأديان الأخرى التي سكنت ولا زالت في العراق كالمسيحيين واليهود والأكراد والأرمن.
الاقتراب من لغة الجغرافيا تبقى إعلان الآمن من الشعارات ففي جنوب البصرة، توجد منطقة أبوالخصيب وكلها من السنة والزبير التي تبعد نحو 20 كلم عن البصرة بنيت بيوتها من الطين منذ الفتوحات الإسلامية وكان مقررا لتكون هي البصرة وهذه المدينة أهلها من السنة، وهي المنطقة الجغرافية التي اختارها الأستاذ العلوي لتكون مثالا لما أراد التشبيه به.
يربط الكاتب تحديد عراقية المنطقة بشيعيتها وهو ادّعاء كسيح لأن بغداد وغربها مثلا من السنة إذن هي غير عراقية بالمقياس الذي تفضل به، من هنا نقول بعدمية الفرضية التي «ابتكرها» والقائمة على ربط المذهب بالمواطنة، فالبدو والقبائل فيهم من الشيعة وبين سورية وفلسطين، أقصد سكان منطقة حوران أيضا من الشيعة وهو ما يسقط نظرية العلوي... لا سيما إذا ما ذكرنا بأن الكيانات السياسية وبحدودها الجغرافية التي أقيمت بعد الحرب العالمية الأولى والثانية نشأت على يد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي في المنطقة ولا علاقة لها بنوع المذهب ولا بنوع التربة والبيوت هل هي طينية أم رملية خاصة وأن عمارة الطين سادت المنطقة العربية ومدنها لعقود من الزمن، فمدينة حلب وبعض المدن المغربية وقرية المعماري المصري حسن فتحي وغيرها من مدن البحر والداخل بنيت من الطين بسبب تجانس العمارة مع البيئة التي تنتمي إليها، وكان حسن فتحي «مهندس الطين» من الذين برعوا برفض الحداثة كتقليد للغرب بل اعتبر البيئة الجغرافية وجذورها الوصفة المناسبة لتحديث الريف العربي.
ما أشار إليه المفكر حسن العلوي يستحث أصحاب الفكر والمعرفة بالموضوع، إما معايشة أو اطلاعا، للتصدي لهذا النوع من الطروحات التي شبهها أحد الباحثين بأنها أشبه بكلام الدواوين، وهي مهمة ليست صعبة بقدر ما هي ضرورة حتى لا تبقى هناك شوائب يحاول البعض اللعب عليها ليبني موقفا أو رأيا يعمل على تسويقه وإسقاط أحداث وظروف العشرينيات وما قبل على ما يجري الآن ومنذ سقوط صدام حسين العام 2003 والتغيير الذي حدث في النظام والتركيبة السكانية التي طالت البصرة مثلما طالت غيرها من المدن العراقية.
فالعلاقة التاريخية بين الكويت والعراق فيها الكثير من الحوادث الإيجابية والسلبية، وعسى أن يكون الإنسان عادلا ولا يتقوقع في مرحلة واحدة، كما نظر إلى ذلك نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لشئون الإسكان والتنمية الشيخ أحمد فهد الأحمد الصباح الذي قتل الجيش العراقي المحتل والده واستشهد أول أيام الغزو العسكري العام 1990 أمام بوابة قصر دسمان وهو نفس المكان الذي استضاف الرئيس أحمد حسن البكر العام 1963 بعد توقيع اتفاقية قرض الـ 30 مليون دينار
إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "العدد 2648 - السبت 05 ديسمبر 2009م الموافق 18 ذي الحجة 1430هـ