إننا لا نستطيع الاعتماد على قوتنا العسكرية فقط لتأمين بلادنا. بل يجب علينا الاستثمار في أمننا الوطني لأننا لا يمكننا أن نضمن إلقاء القبض على أو قتل كل متطرف يمارس العنف في الخارج. وعلينا أن نحسّن وننسق بشكل أفضل معلوماتنا الاستخبارية، كي نبقى متقدمين خطوة على الشبكات المشبوهة.
إن علينا أن نبعد أدوات التدمير الشامل عن المتناول. ولهذا السبب جعلت تأمين المواد النووية المعرضة للخطر بعيدا عن متناول الإرهابيين، ومنع انتشار الأسلحة النووية، والسعي في سبيل إيجاد عالم بدونها ركيزة أساسية في سياستي الخارجية. لأن على كل دولة أن تدرك أن الأمن الحقيقي لا يتأتى أبدا عن سباق لا ينتهي على أسلحة أكثر تدميرا - فالأمن الفعلي يتحقق لأولئك الذين يرفضونها.
ينبغي علينا أن نستخدم دبلوماسيتنا؛ فما من دولة واحدة تستطيع مواجهة تحديات عالم مترابط بالعمل منفردة. لقد أمضيت هذا العام في تجديد تحالفاتنا وإقامة شراكات خارجية جديدة. وأقمنا بداية جديدة بين أميركا والعالم الإسلامي- بداية تدرك أن مصلحتنا المشتركة تكمن في كسر حلقة الصراع وتشكيل مستقبل يتم فيه عزل أولئك الذين يقتلون الأبرياء من قِبل أولئك الذين يقفون دفاعا عن السلام والرخاء والكرامة الإنسانية.
وأخيرا، يجب علينا أن نعتمد على قوة قيمنا - لأن التحديات التي نواجهها ربما تكون قد تغيرت، لكن الأمور التي نؤمن بها يجب ألا تتغير. ولهذا السبب منعتُ التعذيب وسأغلق السجن في خليج غوانتنامو. ويجب علينا أن نوضح لكل رجل وامرأة وطفل يعيش في ظل غمامة قاتمة من الطغيان في العالم أن أميركا ترعى نور الحرية والعدل والاحترام لكرامة كل الشعوب. فهكذا نحن. وذلك هو معين السلطة الأخلاقية لأميركا.
لقد تحملت بلادنا منذ أيام فرانكلين روزفلت وتضحيات وخدمات أجدادنا الأوائل عبئا خاصا من أعباء الشئون الدولية. فقد سفكت دماء أميركية في كثير من البلدان وعلى قارات عدة. وأنفقنا عائداتنا لمساعدة الآخرين في بناء بلدانهم وتنمية اقتصاداتهم. وانضممنا إلى الآخرين في تطوير بنية المؤسسات - الأمم المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي والبنك الدولي - التي تخدم الأمن والرخاء المشترك للبشرية.
إننا لم نتلقَّ الشكر دائما على هذه الجهود، وقد ارتكبنا أخطاء في بعض الأحيان. لكن الولايات المتحدة الأميركية ظلت تدعم أكثر من أي دولة أخرى الأمن العالمي على مدى ستة عقود - وهو زمن، مع كل مشاكله، شهد انهيار الجدران وانفتاح الأسواق وانتشال البلايين من الفقر وإنجازات علمية لا مثيل لها وتوسيع حدود الحرية الإنسانية.
وخلافا لما كانت عليه القوى العظمى في الماضي، نحن لم نسعَ إلى الهيمنة العالمية. فاتحادنا تأسس على مقاومة الظلم والاستبداد. نحن لا نسعى لاحتلال دول أخرى. ونحن لن ندّعي ملكية موارد بلد آخر أو نستهدف شعوبا أخرى لأن أديانها أو أعراقها مختلفة عما لنا. إن ما ناضلنا من أجله وما نواصل الكفاح من أجله هو مستقبل أفضل لأبنائنا وأحفادنا. ونعتقد أن حياتهم ستكون أفضل إذا استطاع أبناء وأحفاد الشعوب الأخرى أن يعيشوا في حرية وكرامة.
ونحن كبلد لم نعد حديثي عهد - ولعلنا لسنا بالبراءة - كما كنا عندما كان روزفلت رئيسا. ومع ذلك فما زلنا ورثة فجر كفاح من أجل الحرية، وعلينا أن نستحضر الآن كل ما أوتينا من قوة وإقناع معنوي لمواجهة تحديات العصر الجديد.
وفي النهاية، فإن أمننا وقيادتنا لا يتحققان بقوة أسلحتنا وحدها. فهما يستمدان من الشعب - من العمال وأصحاب الشركات الذين سيعيدون بناء اقتصادنا، ومن رجال الأعمال والباحثين الذين سيوجدون صناعات طليعية جديدة، ومن والمعلمين والأستاذة الذين سيتولون تعليم أبنائنا، ومن خدمات أولئك الذين يعملون في مجتمعاتنا في المنازل، ومن الدبلوماسيين ومتطوعي فيلق السلام الذين يبعثون الأمل في الخارج، ومن منتسبي القوات المسلحة من الرجال والنساء الذين يشكلون سلسلة لا تنقطع من التضحيات التي جعلت حكومة الشعب من الشعب وللشعب حقيقة على هذه الأرض.
إن هذا العدد الكبير من المواطنين وتنوعهم لن يكون على اتفاق دائما على كل قضية - ولا ينبغي لنا نحن أن نكون. لكنني أعلم أيضا أننا، كبلد، لا نستطيع المحافظة دوما على قيادتنا أو نجتاز تحديات زماننا الجسام إذا سمحنا لأنفسنا بأن تفرقنا وتمزقنا الضغينة والتشاؤم الساخر والحزبية ذاتها التي سممت حوارنا الوطني في الآونة الأخيرة.
إن من السهل نسيان أننا كنا متحدين عندما بدأت هذه الحرب - يشدنا معا رباط ذكرى حديثة لهجوم رهيب على أميركيين أبرياء، وتصميم على الدفاع عن وطننا والقيم التي نعتز بها. أنا أرفض الفكرة القائلة إننا لا نستطيع استرجاع تلك الوحدة من جديد. لأنني أؤمن في كل خلجة من كياني بأننا - كأميركيين - لا نزال قادرين على الاتحاد خلف الغرض المشترك. فقيمنا ليست مجرد كلام خط بحبر على ورق - فهي عقيدة تدعونا إلى الاتحاد معا واجتازت بنا أحلك العواصف كأمة واحدة وشعب واحد.
نحن - يا أميركا - نجتاز فترة تجربة كبرى. والرسالة التي نبعث بها في غمرة هذه العواصف يجب أن تكون واضحة، وهدفنا عادلا، وعزمنا لا يتزعزع. سنمضي قدما بثقة تجعل من الحق قوة، وبالتزام يجعل أميركا أكثر سلامة، وعالما أكثر أمنا ومستقبلا لا يعبر عن أشد مخاوفنا وإنما عن أسمى آمالنا.
إقرأ أيضا لـ "باراك أوباما"العدد 2647 - الجمعة 04 ديسمبر 2009م الموافق 17 ذي الحجة 1430هـ