العدد 2645 - الأربعاء 02 ديسمبر 2009م الموافق 15 ذي الحجة 1430هـ

ضرورات التحرك العربي قبل أن يحنث أوباما بعهوده

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وفق الخطة الإستراتيجية الأميركية الجديدة «لإنهاء الحرب ضد طالبان وتحقيق الاستقرار في أفغانستان»، أعلن الرئيس الأميركي عن عزمه على تنفيذ ما أسماه بأسرع «عملية نشر قوات لثلاثين ألف جندي إضافي يتم إرسالهم على مدى ستة أشهر في أوائل العام 2010، كي يصل عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في أفغانستان إلى نحو مئة ألف جندي. وتقدر تكلفة هذه التعزيزات العسكرية نحو 30 مليار دولار، (مضيفا) بأنه يخطط لبدء سحب قوات بلاده من أفغانستان في العام 2011».

وبينما استبعدت فرنسا نشر مقاتلين، رغم أنشطتها التدريبية هناك، فضلت ألمانيا التريث حتى انعقاد مؤتمر لندن حول أفغانستان في 28 يناير/ كانون الثاني 2010 ، كي تتخذ القرار المناسب بشأن إرسال قوات إضافية. شذت عن ذلك بريطانيا التي أعلنت، حتى قبل أن يعلن أوباما عن إستراتيجيته الجديدة، أنها سترسل 500 جندي إضافي، مما سيرفع عدد قواتها هناك إلى 10 آلاف. أما إيطاليا، فرغم أنها أبدت إستعدادها لتعزيز قواتها العاملة هناك، لكنت فضلت عدم الإفصاح عن الرقم الإضافي.

تضع هذه الإستراتيجية الأميركية الجديدة مصداقية أوباما على محك عملي جديد في غاية التعقيد، لكونه بنى برنامجه الانتخابي على إستراتيجية الانسحاب من العراق وأفغانستان، والتي يبدو من سلوك الإدارة الأميركية منذ مجيء أوباما إلى السلطة، أنها غير قادرة على أن تخطو خطوات إيجابية جادة على هذا الطريق. ويمكننا من خلال قراءة لتطور سلوك الإدارة الأميركية الجديدة أن نرجع ذلك إلى الأسباب الأساسية التالية:

1.ضغوط مؤسسات الصناعة الحربية الأميركية، بما فيها تلك الضالعة في الخدمات الأمنية، التي لم يعد لها متنفس ربحي جدي بعيدا عن ساحتي العراق وأفغانستان. وفي حال انسحاب القوات الأميركية من هناك تفقد تلك المؤسسات سوقا ضخمة مدتها بالقدرة على الحياة والانتعاش حتى أبَّان الأزمة المالية الأخيرة.

ولا يمكن أن نفصل ما يجري في أفغانستان عن الأحداث الدائرة في باكستان، حيث تشكل هي الأخرى سوقا كبيرة للسلاح الأميركية، تنعشها مقولات انطلاق عمليات القاعدة من باكستان، لا تريد تلك المؤسسات التفريط بها.

ولعلّ ذلك هو الذي يدعو بعض مؤسسات الدراسات الإستراتيجية، إلى الربط بين تلك الضغوط، والتدخل السعودي في الحرب ضد الحوثيين في جبال اليمن، حيث يمكن أن تفتح تلك الجبهة مصدرا جديدا لتسويق السلاح الأميركي، خاصة إذا ما نجحت قصص الترويج التي تربط بشكل مباشر بين تحرك الحوثيين والسياسة الإيرانية في المنطقة.

2.ضغوط الكارتيلات النفطية التي تخشى من أن يؤدي أي تراجع من أفغانستان، إلى المسّ بأمن وسلامة، أو حتى تقليص فترة، العقود التي وقعتها أو على أبواب توقيعها تلك الكارتلات مع دول آسيا الوسطى، والتي تصل أقيامها إلى عشرات المليارت من الدولارات، خاصة عندما تضاف إلى تلك العقود كل ما يتعلق بتدفق الغاز عبر خطوط الأنابيب الممتدة من أواسط آسيا، حتى القارة الأوروبية. ينضم إلى تلك المعادلة النفط الخليجي المرتبط بشكل وثيق مع التحولات الجيو- ستراتيجية التي يمكن أن تطرأ على أوضاع المنطقة.

3.عودة التنافس الأميركي الروسي، حيث بدأت آلة الحرب الروسية تستعيد بعض من عافيتها التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأخذت تغزو بعض أسواق دول العالم النامية، بما فيها أسواق الشرق الأوسط، شاملة «إسرائيل» أيضا. ولا يمكن أن تتجاوز الإدارة الأميركية ذلك الإرث القوي من العلاقات المتينة الذي تملكه موسكو، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي يربطها مع الكثير من عواصم الدول النامية بعقود طويلة الأمر، تفكر موسكو اليوم جديا في إعادة الحياة لها.

4.تطورات وقائع الملف النووي الإيراني، والذي قد تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع لا تستطيع فيه الاستغناء عن اللجوء إلى الحل العسكري، الذي قد لا تشاطرها إياه أي من الدول الأوروبية الحليفة لها من جهة، ولا تستطيع الاستفادة من القوة العسكرية الإسرائيلية الضاربة من جهة ثانية. حينها لن تجد واشنطن ما هو أفضل من استخدام قواتها، وقوات حلفائها، العاملة في أفغانستان، ولا أكثر قربا منها إلى طهران.

مثل هذه العوامل، وأخرى غيرها تشكل اليوم عبئا كبيرا على أوباما يفسر هذه الاستدارة التي تقرب من 180 درجة فيما يتعلق بالموقف من أفغانستان/ ومن قبلها العراق. فعندما نقارن ما جاء في خطاباته التي سبقت وصوله إلى سدة الحكم، من تعهدات بتقليص الوجود العسكري الأميركي في كابول، وبين ممارساته اليوم من التزام بزيادتها وتعزيز ذلك التواجد، يبدو واضحا حنث أوباما بما تعهد به.

ولعلّ في ذلك التحول ما يدعو الطرف العربي، وعلى وجه التحديد الفلسطيني منه، الضالع مباشرة في عملية الصراع مع «إسرائيل» تحت رعاية المظلة الأميركية، أن يقرأ جيدا وبتمعن هذا «الإنحراف» في السياسية الأميركية، قبل أن يباغت هو بتحول مماثل على جبهة ذلك الصراع، يفقد فيها المفاوض العربي، بعض الزخم الذي نعم به في المراحل المبكرة من تسلم أوباما سدة الحكم في البيت الأبيض.

هذه القراءة وهذا التمعن، من الخطأ الكبير أن يقودان إلى البدء بسياسات معادية غير مدروسة، أو حملات إعلامية عشوائية منتقدة لأوباما وإدارته، بقدر ما هي مطالبة بوضع خطة مدروسة تقوم على رسم السيناريوهات المحتملة، بما فيها أكثرها سوءا، ووضع الخطط الصريحة القادرة على التفاعل معها وتقليص الخسائر الممكنة في حال حدوثها.

ينبغي أن يتم ذلك في وقت مبكر يسبق ذلك التحول، لا في أثناء حصوله، لأنه حينها سيكون الوقت في غاية التأخر، ويكون الاصطفاف قد تبلورت مكوناته.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2645 - الأربعاء 02 ديسمبر 2009م الموافق 15 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 11:40 م

      انسى!!

      بسم الله الرحمن الرحيم
      قطار الإدارة الأميركية لن يحيد عن مساره, سواء أكان سائقه "بوش" أم "اوباما" أم سواهم, أما فيما يتعلّق ب"التحرّك العربي" ... فانسى!! ولا ترتجي لبناً من ال(..........)".
      مع خالص المودة لك أستاذي الكريم

اقرأ ايضاً