بدأت بلدية المنامة أخيرا في تدشين حملة للنظافة استغلت فيها أعمدة الإنارة وأطراف الشوارع لبث رسائل إيجابية تحث على الالتزام بإخراج أكياس القمامة في وقتها المحدد، وعدم رمي الأوساخ من نوافذ السيارات، والحفاظ على نظافة الطرقات، واستخدام الحاويات القريبة من المنازل بدلا من تركها للقطط تنثر محتوياتها فتخلق مشكلة جديدة بتلويثها الأحياء السكنية.
ولا شك أن هذه الحملة تستحق كل ما ينفق لأجلها من أموال، فهي منبثقة من صميم توجيهات الدين الإسلامي الحنيف، وتعبر عن حس عالٍ بالمسئولية الوطنية ورغبة صادقة لدى مسئولي البلدية للحفاظ على الواجهة الجمالية للعاصمة نظيفة بعيدة عن التشويه، ولكن يبقى أن نجاح مثل هذه المساعي مرهون بمستوى الوعي لدى الجماهير وقدرتهم على التقاط النصوص والدلالات التي تتضمنها الإعلانات التوعوية، وترجمتها إلى أفعال حقيقية تنعكس على الواقع بصورة صحيحة.
فلدينا تجربة سابقة لبلدية المنامة دشنت فيها حملة بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور، فرضت من خلالها غرامة 10 دنانير على كل من يرمي بالأوساخ أو أعقاب السجائر من نافذة سيارته في نطاق محافظة العاصمة، وجندت من أجل ذلك فريقا من أمناء النظافة في جميع المناطق، ولكن لا يزال الكثيرون يصرون على التجاوز غير آبهين بما قد يتسبب به تصرفهم من حوادث مرورية ربما تودي بحياة الآخرين من مستخدمي الطريق.
مشكلتنا لا تتعلق بالإمكانات، فلدى البلديات الخمس (المنامة، المحرق، الشمالية، الوسطى والجنوبية) العزم المطلوب لمواصلة مثل هذه الحملات حتى تحقق أهدافها، ولكن المعضلة تكمن في الموروثات الاجتماعية والاعتقاد السائد أن هناك طرفا آخر من ضمن مسئولياته الحفاظ على النظافة والتقاط الأوساخ الملقاة في كل مكان، وهي أعراف تأصلت منذ عقود كانت خلالها الحكومة معنية بتسيير الكابسات لإزالة أكياس القمامة وتوجيه العمال لكنس الشوارع، بينما نحن الآن أمام واقع مغاير يتحدث عن خصخصة هذا القطاع مما يتطلب شراكة مجتمعية قائمة التعاون.
والشركة الخاصة تختلف كليا عن القطاع الحكومي، فإذا كانت مهمات البلدية في سنوات سابقة لا تقتصر على إزالة الأوساخ في أوقات محددة صباحا بل تتعاون إلى أقصى حد مع من يخرجون الأكياس طوال اليوم، فإن الشركة الخاصة ملزمة ببنود واضحة في العقد، فلا يمكنها أن تستمر في تشغيل عمالها على مدى 24 ساعة دون توقف، كما لا يمكنها المضي قدما في شراء حاويات جديدة، وهناك حاويات يتم حرقها في اليوم التالي من وضعها في المناطق المتوترة أمنيا.
وتخصيص 50 ألف دينار سنويا من قبل شركة النظافة لكل بلدية من أجل تدشين حملة توعوية سنويا، لن يكون مجديا إذا لم تتوافر الأرض الخصبة لإنجاح هذا المشروع.
ومن هذا الموضع يأتي دور قادة الرأي والمثقفين والأدباء، ومؤسسات المجتمع المدني على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية، وفي مقدمتها الجمعيات الشبابية التي لها تأثير على منتسبيها وبإمكانها أن تعقد الندوات والمحاضرات الإرشادية لتبيان المخاطر المترتبة على إهمال النظافة العامة بدءا من المنزل ووصولا إلى الأماكن العامة.
وللمسرح أيضا سحره على عامة الناس، فعمل مسرحي كوميدي قادر على إيصال الرسالة بأسلوب سلس ومبسط من دون أن يواجه أي عقبات أو حوائط صد، فكم من الأعمال المحلية المماثلة لا تزال عالقة في الأذهان حتى هذه اللحظة، على رغم مرور عقدين أو ثلاثة منذ عرضها على خشبة المسرح.
لا يفصلنا عن شهر محرم سوى بضعة أسابيع، والكل يدرك أن هذا الموسم يتسم بإعداد الوجبات المختلفة مما يترتب عليه زيادة في حجم المخلفات التي يتم التخلص منها، والواجب يحتم على الجميع التكاتف والتعاضد لإنجاح هذا الحدث المهم بعيدا عن ما يسيء إليه من خلال التعاون مع المعنيين بالحملة التي يعتزم بلدية ومجلس بلدي المنامة إطلاقها هذا العام.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2643 - الإثنين 30 نوفمبر 2009م الموافق 13 ذي الحجة 1430هـ