وصل السيل الزبى، ولم يعد بالإمكان التكتم على الأزمة المالية التي بدأت تضرب الشواطئ الخليجية، وكانت دبي أول ضحاياها العلنيين. هذا ما تفصح عنه خطوات إمارة دبي حين تقدمت بطلب رسمي وعلني يناشد دائني اثنتين من الشركات اللتين تتبعان شركة دبي العالمية (Dubai World)، الموافقة على تأجيل سداد تلك الديون. وتتصدر دبي العالمية قائمة الشركات التي تعود ملكيتها إلى إمارة دبي، من حيث الحجم المالي للأصول، أو على مستوى انتشار أنشطتها الخارجية. فهي التي قامت ببناء مدن ضخمة من باكستان إلى إفريقيا، وهي التي تمتلك شركة نخيل، التي أقامت ثلاث جزر صناعية أخذت شكل أرخبيل من شجر النخيل المتكاملة قبالة دبي، وكانت حتى فترة قريبة، من أكثر الشركات الخليجية الناجحة بمقاييس عالمية، فهي التي طورت بعض أكثر المشروعات العقارية الدبوية بذخا، ومن أفضلها خدمات، في العالم. تبلغ قيمة ديون الشركة المطلوب تأجيل سدادها ما يقارب من 59 مليار دولار، وهي الحصة الأكبر في ديون إمارة دبي الإجمالية التي تقدرها المصادر المطلعة بما يربو على 80 مليار دولار.
جاءت هذا الخطوة «الدبوية» بعد مضي ساعتين فقط على إعلان دبي عن نجاحها في «جمع 5 مليارات دولار من مصرفين في أبوظبي». لكن ذلك لم يكن كافيا لبث الاطمئنان في نفوس الشركات الاستثمارية، العالمية منها والمحلية، فوجدنا بنك الخليج الدولي، وفي إجراء مباغت ولافت للنظر، في آن، يقرر «تأجيل إصداره الأول من السندات الذي بدأه أخيرا بحد أعلى يبلغ أربعة مليارات دولار، على الرغم من أنه سجل 60 طلبا للاكتتاب».
هذا ما حدا برئيس اللجنة المالية العليا في الإمارة الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، إلى أن يأخذ زمام المبادرة ويعلن صراحة بأنه «يتفهم مخاوف الأسواق المالية وهواجس الدائنين»، ويطالب باللجوء إلى «عمل حاسم»، من خلال «التدخل المباشر لمعالجة عبء الديون».
بعض المتابعين لتطور الأوضاع في إمارة دبي يتحدثون عن صراعات داخلية على النفوذ من جهة، ومحاولات لتقديم كباش فداء بإلقاء تهمة تردي الأوضاع هناك على بعض المسؤولين دون غيرهم من جهة ثانية، مستشهدين على ذلك بالإقالات المفاجئة التي مسّت بعض القيادات الدبوية الشابة التي قادت «مسيرة الرفاه والنمو الدبوية»، من أمثال مدير عام سلطة مركز دبي المالي العالمي عمر بن سليمان، واستقالة الرئيس التنفيذي لمجموعة دبي القابضة محمد القرقاوي، الذي كان لفترة قريبة الذراع اليمنى لرئيس وزراء الإمارات الشيخ محمد بن راشد.
لكن بعيدا عن تلك الصراعات، وقبل أن تتمكن دبي، من التقاط أنفاسها، كي تتدارك الأمور المتردية في شركة دبي العالمية، اكتشفت انتقال الأضرار، وإن أخذت أشكالا ومسارات مختلفة، إلى شركات دبوية أخرى من أمثال «سلطة موانئ دبي العالمية»، و«هيئة كهرباء ومياه دبي»، إذ قامت مؤسسة «موديز» للتصنيف العالمي بتخفيض المراتب المتقدمة التي كانت تتمتع بها تلك الشركات، التي تعتبر الأقمار الأكثر إضاءة في سماء دبي كمركز استثماري عالمي إبَّان النهضة التي نعمت بها تلك الإمارة، قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، ومنذ العقد الأخير من القرن الماضي. هذا التراجع يمكن أن يتحول إلى كرة ثلج تنمو بسرعة فائقة، قد تؤدي، ما لم يتم إيقافها، إلى إلحاق دمار بنيوي شامل في صلب الاقتصاد الدبوي، إن جاز لنا القول.
ويبدو أن أزمة دبي قد انعكست سلبا، وبشكل مباشر على الأسواق العالمية، وعلى الخصوص الآسيوية منها. فقد نقلت وكالة أنباء رويترز عن مراسليها في المنطقة أخبارا عن «تراجع المستثمرين عن الأصول التي تنطوي على مخاطر وتخلَّوا عن أسهم البنوك وشركات الإنشاءات الآسيوية وسط مخاوف من أن يعيد تخلف دبي عن سداد ديونها إشعال الاضطرابات المالية الناجمة عن أزمة ائتمان»، مما أدى إلى أن تخيم سحب خوف وتردد على «أسواق الأسهم من طوكيو إلى مومبي مصدرها خوف تلك الأسواق من تعرض البنوك لديون لشرارات شركات دبي، المتأثرة بالأزمة». ويخشى المحللون من تفاقم الأزمة في الأسواق الآسيوية نظرا لكونها ماتزال تترنَّح من ما صدرته لها أزمة الأسواق الأميركية. ونقلت رويترز، أيضا، عن محلل البنوك الآسيوية في سي.ال.اس.ايه في بانكوك دانيال تابوش قوله بأن «أزمة دبي قد يكون لها أثر كبير على البنوك في آسيا».
المهم في الأمر أن دبي ليست معزولة عن المنطقة، وكونها الأولى التي تفصح عن إصابتها التي لايمكن إخفاؤها، لايعني سلامة الدول الخليجية الأخرى، التي لاتكفِ أجهزتها الإعلامية عن ترويج ادعاءات تلك الدول بأنها قد احتاطت لدرء آثار الأزمة المالية العالمية، بدءا بما أعلنه بنك الكويت المركزي في أغسطس /آب 2009 عن عزمه على «إصدار سندات خزانة لأجل عام واحد بقيمة 348 مليون دولار»، مرورا بما قامت به مؤسسة النقد السعودي في يونيو/حزيران 2009، حين «خفضت سعر فائدة إعادة الشراء المعاكس الذي تدفعه للبنوك التجارية عن ودائعها لديها إلى النصف، مع إبقاء سعر فائدة إعادة الشراء من دون تغيير»، تعريجا على سلطنة عمان التي أعلنت في يناير/كانون الثاني عن عزمها على إطلاق «صندوق بقيمة 390 مليون دولار يعمل كصانع سوق للمساهمة في دعم البورصة»، وقرار البنك المركزي هناك بخفض «الاحتياطي الإلزامي للبنوك من ثمانية في المئة إلى خمسة في المئة»، انتهاء بقرار مصر البحرين المركزي في سبتمبر /أيلول 2009 « بخفض سعر الفائدة على الودائع لأسبوع واحد بواقع 25 نقطة أساس لتتراجع من 0.75 في المائة الى 0.50 في المائة، لكنه أبقى على سعر الفائدة على ودائع ليلة واحدة عند 0.25 في المئة، وخفض سعر إعادة الشراء والإقراض إلى 2.25 في المئة من 2.75 في المئة».
كل هذه السياسات، تبقى على أهميتها، لاتعدو كونها إجراءات جزئية ترقيعية لايمكن أن تواجه جذريا الأزمة القائمة والتي بحاجة إلى من يعالجها بشكل شمولي ومن منطلق إستراتيجي. فالسكوت على الأزمة لايعني نهايتها، وليست الصرخة الدبوية سوى أول طلائعها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2640 - الجمعة 27 نوفمبر 2009م الموافق 10 ذي الحجة 1430هـ
حتى لا نلّوح في الأفق ...لبوادر الهبوط !
الزعازع والخفقات الأزماتية المالية- دوائها- الاستقلالية ثم الاستقلالية الاقتصادية ،للحدّ من كوكيز و وورمز وفايروسات الاهتزازات"الغيرية"فكلما تنهض الدبوية بأنفة أبيّة تحول دون ذلك الــ"لوووب الإستيتمنتية" للسيطرة على الأوضاع الحاليّة،و بخبث" الريسايكلية "لصفقات المطامع الأجنبية ،فأين التحاليل والحلول الممكنيّة ؟والاستفادة من الدروس الصينية الإيرانية وحتى الفنزويلية،لربما نسمع بأخبار استبشارية تتوجها الشفافية ومتحررة من صنوف الإمعيّة والطأطأيّة الترقيعية!... نهوض
بنوك الامارات والبحرين قائمة على نفس الخطط
البنوك في الامارات والبحرين كانت تتنافس على تمويل اكبر قدر ممكن من القروض العقارية التجارية... في البحرين توجد لدينا مؤسسات مالية ليست بصغيرة العدد تعتمد اعتماد شبة كلي على الاستثمار في العقار وأحدها على الاقل تستثمر بطريقة برنارد مادوف عن طريق غير مباشر (الاعلانات التي بدون اسم في مجلات الاعلانات تثبت ذلك) ولا تعرف النتائج المالية الحقيقية لهذه المؤسسات ، وكمراقب مالي سابق في أحد البنوك ومتخصص في مكافحة الفساد والنصب والاحتيال CFE فانه توجد لدي شكوك كبيرة في صحة النتائج المالية لبعض المؤسسات