العدد 264 - الثلثاء 27 مايو 2003م الموافق 25 ربيع الاول 1424هـ

ماذا عساه أن يفعل لكسب ود التونسيين ؟

السفير الأميركي الجديد:

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

عينت الإدارة الأميركية سفيرا جديدا للولايات المتحدة بتونس هو «رونالد شليشر». جاء هذا التعيين قبل أن يكمل السفير الحالي (راست ديمينغ ) فترة دورته التي تستمر عادة ثلاث سنوات، وهو ما جعل البعض يتساءل عن خلفيات هذا التغيير، وخصوصا انه تردد قبل أشهر أن السفير الحالي رفع تقارير إلى المسئولين في واشنطن يشعرهم بالصعوبات التي يواجهها في عملية تسويق سياسة الرئيس بوش. بل نقل عنه بعضهم في جلسات خاصة اعتقاده بأن الإدارة الأميركية الحالية غير مدركة لخصوصيات المنطقة العربية.

وبقطع النظر عن صحة ذلك فالمؤكد أن جميع طاقم السفارة الأميركية بتونس شعروا أكثر من أي وقت مضى بعزلة عميقة، وأن علاقتهم بالرأي العام والنخبة تمر بأسوأ فتراتها. فهل أن السفير الجديد، الذي يدير حاليا مجموعة عمل بشأن العراق شكلتها الإدارة الأميركية، سيكون قادرا على إذابة الجليد وإقناع التونسيين بصواب السياسة الأميركية في المنطقة؟.

الحركة الوطنية تراهن

على الدعم الأميركي

في الماضي، عندما وجدت الحركة الوطنية نفسها في مواجهة شاملة مع الإدارة الاستعمارية الفرنسية، عملت من خلال الزعيمين الحبيب بورقيبة وفرحات حشاد وعدد من الوطنيين على كسب تعاطف الجهات الأميركية الفاعلة. وهو ما مهد لإقامة علاقات جيدة بين دولة الاستقلال والولايات المتحدة، على رغم بقاء تونس ضمن «الفضاء الحيوي» الاستراتيجي الفرنكفوني. وقد بقيت علاقة التونسيين بأميركا إيجابية في الغالب، لكنها مرت بعدة انتكاسات. كان أولها في حرب 67 حين «اكتشف» التونسيون العلاقة الاستراتيجية بين أميركا وإسرائيل. ثم تعمقت الهوة بين الولايات المتحدة والشباب الطالبي بمناسبة حرب فيتنام وصعود اليسار الجديد. ومع الثورة الإيرانية اتسع العداء للسياسات الأميركية ليشمل أيضا أوساط الإسلاميين الذين تبنوا مصطلح «الشيطان الأكبر». وبسبب استمرار الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، شعرت قطاعات عريضة من التونسيين بنوع من الارتياح لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر. وتعمق الرفض مع الحرب الأميركية على أفغانستان، ومساندة واشنطن لسياسة شارون الإجرامية. وها هو الرفض يبلغ أقصى درجاته ويكاد يتحول إلى شبه كراهية متأصلة بعد احتلال العراق. فكيف سيتصرف السفير الجديد مع نخبة معادية ورأي عام أصبح يعتقد بأن أميركا قوة استعمارية؟.

واشنطن تراهن على الزمن والتأقلم

تزعم الجهات الأميركية أنها «تتفهم» ردود فعل الشارع التونسي والعربي تجاه ما حدث ويحدث في العراق. بل كانت هذه الجهات تتوقع ردودا عربية أكثر حدة وعمقا. وهي تراهن اليوم على عاملي الزمن وتكيف شعوب المنطقة مع الأوضاع الجديدة. كما لا تزال تعتبر تونس «بلدا صديقا ومستقرا»، وتعتقد بأن عموم الأوساط التونسية «ملقحة ضد التطرف بجميع أشكاله» وتملك قدرة واسعة على الاندماج والتأقلم. وترى هذه الجهات أن النخبة المحلية - بسياسييها ومثقفيها ونشطائها - ميالة في الغالب إلى البراغماتية ومهيأة لكي تستوعب (بضم التاء) في المرحلة المقبلة.

على الصعيد الرسمي لا يمكن القول إن العلاقات الثنائية قد تضررت بمناسبة الحرب على العراق. فعلى رغم من أن السلطة طالبت منذ اندلاع الأزمة بحلها عن طريق الوسائل السلمية، وكان وزير الخارجية الحبيب بن يحيى هو آخر دبلوماسي يلتقي بصدام حسين من دون أن تكشف المصادر التونسية عن فحوى ذلك اللقاء. ثم عبرت الخارجية عن أسفها عندما بدأت الحرب واعتبرتها مخالفة للشرعية الدولية، إلا أنها تجنبت بوعي وحرص كل ما من شأنه أن يؤثر سلبيا على علاقات تونس مع الإدارة الأميركية الحالية. وبذلك تكون قد وضعت المصلحة القطرية فوق كل اعتبار، خلافا لما حصل في حرب الخليج السابقة. ومن هذه الزاوية فإن السفير الأميركي الجديد لن يجد أي صعوبة في مواصلة دعم هذه العلاقات ضمن توجهات واشنطن السابقة نفسها، والهادفة إلى تعزيز الحضور السياسي والاقتصادي والثقافي للولايات المتحدة في منطقة المغرب العربي وفق مشروع الشراكة الذي كان يعرف بمشروع «إيزنشتات». وبالتالي لا يتوقع - في المدى المنظور - أن تحدث تغييرات استراتيجية في علاقة تونس أو بقية الدول المغاربية بأميركا على رغم احتلال العراق وتداعيات الحرب. فالجميع متشبثون بتحكيم المصالح والمحافظة على الاستقرار والأمن الإقليميين.

خسرت أميركا

النخبة والمجتمع المدني

الصعوبات التي قد تواجه السفير الأميركي الجديد تخص الرأي العام وفعاليات المجتمع المدني. بالتأكيد لن يجد، حتى في صفوف المحسوبين تقليديا من أصدقاء الولايات المتحدة، من يؤيد احتلال العراق أو يضفي على ما حصل أي شكل من أشكال الشرعية، إذ يوجد اجماع وطني على المطالبة برحيل القوات الأميركية والبريطانية عن كامل التراب العراقي. بل إن معظم الأحزاب والفعاليات تعتقد بأن من حق الشعب العراقي أن يقاوم غزاته بكل الأشكال بما في ذلك العمل المسلح. وبالتالي فإنه من هذه الزاوية سيجد السفير الجديد الصعوبة نفسها التي لقيها زميله لتبرير ما حصل وما يجري في العراق.

بناء عليه يتوقع أن يحاول سفراء الولايات المتحدة الأميركية ومن بيهم «رونالد شليشر» اختراق الطبقات السياسية والمجتمعات المدنية العربية المحلية من خلال ملفين حيويين. يتعلق الأول بفلسطين، وذلك بالتأكيد على أن واشنطن جادة هذه المرة في إيجاد حل نهائي من خلال مشروع «خريطة الطريق». فالأميركيون سيحاولون امتصاص التداعيات النفسية للزلزال العراقي بخلق ديناميكية ديبلوماسية توهم العرب بأن حلا أميركيا للقضية الفلسطينية أصبح وشيكا. وهو أمر ستتلقاه الحكومات العربية بكثير من الارتياح، نظرا إلى القلق الذي أصبح يسكنها بسبب الكابوس العراقي. كما أن جزءا من النخب العربية والنخبة التونسية قد تدعم هذا التوجه، خصوصا بعدما تنخرط فيه السلطة الفلسطينية - بعد ترتيب أوضاعها - بكل ثقلها. لكن حتى هذه الشرائح تشك في جدية الإدارة الأميركية، وتستبعد أن تقوم بممارسة ضغوط حقيقية على حكومة شارون التي ستحاول بكل وسائل الدهاء والمناورة والتعسف إفراغ جميع الحلول المنقوصة والشكلية من أي مكاسب فعلية قد تتحقق للفلسطينيين.

ورقة حقوق الإنسان

لكسب ثقة النخب

أما المدخل الثاني الذي تراهن عليه الآن الديبلوماسية الأميركية، ويتولاه سفراؤها في المنطقة هو التلويح بدعم الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي. وهي «أطروحة» لا تزال غامضة وغير واضحة المعالم والأهداف والآليات. إضافة إلى كونها تبدو غير منسجمة مع سياسة دعم التعاون مع السلطات القائمة. فمثلا بالنسبة إلى تونس: كيف ستقع ترجمة هذا التوجه على أرض الواقع؟. هل تنوي الجهات الأميركية القيام بمحادثات مع الحكومة بشأن أوضاع الحريات وحقوق الإنسان؟. هل ستضغط في اتجاه إطلاق سراح المساجين السياسيين؟ وإطلاق الحريات الصحافية؟ واحترام الحق في التنظيم والتعبير والتظاهر؟. وجميعها مطالب تجمع عليها مختلف المجموعات الديمقراطية والحقوقية. فإن فعلت ذلك فستعتبره السلطة تدخلا سافرا في الشئون الداخلية للبلاد، وهو ما من شأنه أن يأزم العلاقة بين الطرفين.

من جهة أخرى، يسود منذ الخراب الذي لحق بالعراق اقتناع في أوساط المجتمع المدني بأن الديمقراطية لا تصدر بالقوة. كما أن هناك شكوكا قوية في النوايا الحقيقية للإدارة الأميركية من خلال حديثها عن تصدير الديمقراطية للعالم العربي والإسلامي. بل إن الجمعيات المستقلة ومعظم أحزاب المعارضة تشقها حاليا وجهتا نظر. ينادي تيار غالب بمقاطعة كل الجهات الأميركية، بما في ذلك السفارة ودعواتها واللقاء بمسئوليها وضيوفها، وذلك تعبيرا عن الرفض والاحتجاج. أما وجهة النظر الأخرى فيعتقد أصحابها بأن سياسة الكرسي الشاغر غير مفيدة، وأن المصلحة تقتضي محاورة الخصوم من أجل مصارحتهم والاحتجاج على سياستهم. لكن هناك شبه اجماع بشأن رفض أي شكل من أشكال التعاون مع الجهات الرسمية الأميركية أو قبول مساعداتها المالية وغيرها. لهذا رفضت رابطة حقوق الإنسان وجمعيات أخرى الالتقاء بمستشارة حقوق الإنسان للشرق الأوسط وإفريقيا بالخارجية الأميركية أثناء مرورها حديثا بتونس، في جولة عربية.

والمعلوم أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت يوم 14 أبريل/ نيسان الماضي أنها ستقدم أربعة ملايين دولار لمنظمات غير حكومية بهدف إطلاق مشروعات بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية في عشر دول بالشرق الأوسط هي الجزائر وتونس والمغرب ومصر والأردن والبحرين وعمان وقطر والسعودية وإيران، وأن كل مساعدة ستتراوح ما بين 250 ألفا ومليون دولار.

وأوضحت الوزارة أن هذه المشروعات ستتمحور بشأن مجالات «مهمة في إطار جهود الولايات المتحدة للرد على أعمال الإرهاب الدولي وردعها أو منعها».

ولا شك في أن اعتذار عدد من المنظمات الحقوقية التونسية المستقلة عن مقابلة مبعوثة الخارجية الأميركية قد أشر على حدوث قطيعة شعورية يعيشها التونسيون بعنف هذه الأيام، ويصعب تجاوزها بسرعة خلال الأشهر المقبلة

العدد 264 - الثلثاء 27 مايو 2003م الموافق 25 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً