العدد 2636 - الإثنين 23 نوفمبر 2009م الموافق 06 ذي الحجة 1430هـ

حقٌ لأحمد أن يحفر اسمه على جبين الوطن بحروفٍ من ذهب

حول كتاب فوزية مطر «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» (1)

حسن مدن comments [at] alwasatnews.com

أولا: عدة كتب في كتاب واحد

كتاب الأستاذة الفاضلة الصديقة فوزية مطر «أحمد الشملان: سيرة مناضل وتاريخ وطن» الذي تجاوز عدد صفحاته مع الملاحق والمراجع ألف صفحة، هو في حقيقة الأمر مجموعة من الكتب في كتابٍ واحد، فالمادة التي أفردتها المؤلفة لكل حقبةٍ من الحقب التاريخية التي تناولها جديرةٌ أن تكون كتابا مستقلا، فعلى سبيل المثال فإن التقصي الذي قامت به الكاتبة لانتفاضة مارس 1965 وأحداثها ودور القوى الوطنية المختلفة فيها، يمكن أن يشكل مادة كتابٍ قائمٍ بذاته، والأمر نفسه يصح على فترة السبعينات التي شهدت تحولات سياسية وفكرية، لا لدى أحمد الشملان وحده، وإنما في حركة القوميين العرب عامة التي تلقى أحمد خبراته السياسية والنضالية الأولى فيها، ولكن أحمد ذهب أبعد مما ذهب رفاقه في الجبهة الشعبية والحركة الثورية، حين اختار الانضمام لجبهة التحرير الوطني البحرانية، بعد أن وجد فيها ما يتسق والقناعات الفكرية والسياسية التي بلغها من واقع تجربته الخاصة.

هذه الفترة الخصبة بالتحولات هي الأخرى تشكل مادة كافية لكتاب مستقل، وما قامت به الكاتبة من جهد توثيقي حولها، هو بمثابة هذا الكتاب.

ويمكنني أن أستطرد في الأمثلة فأقول: «إنه يشكل كتابا مستقلا كذلك الجزء المتصل بمرحلة التسعينات منذ بداياتها بالعريضة النخبوية ثم الشعبية، والتطورات اللاحقة حين تحولت الحركة إلى مواجهات دامية في الشارع بين المتظاهرين والشرطة قدم خلالها شعبنا الكثير من الشهداء في النضال من أجل إعادة الحياة البرلمانية وإطلاق الحريات الديمقراطية.

ورغم أن الأستاذ علي ربيعة أصدر كتابا حول هذه المرحلة كونه أحد المشاركين فيها، فإن ما يقدمه كتاب فوزية مطر حول هذه المرحلة يشكل إضافة موضوعية على درجة كبيرة من الأهمية في توثيق تلك المرحلة ودور مختلف القوى فيها، سواء كانت قوى الحركة الوطنية الديمقراطية أو القوى الإسلامية.

وبالتالي فإن هذا الكتاب المهم جدا يغطي فراغا كبيرا في التوثيق التاريخي لمراحل نضالية فاصلة خلال العقود الخمسين الماضية من نضال الحركتين الوطنية والشعبية في البحرين، وسيصبح هذا الكتاب منذ الآن مرجعا يعتد به في الدراسات والاطروحات والأبحاث المتصلة بهذه المرحلة.


ثانيا: أسلوب جديد في التأليف

يمكن القول إن الكتاب المهم الذي نحن بصدده حمل أسلوبا جديدا في التأليف غير معهود بعد عندنا في الكتب التي تناولت تاريخ البحرين الحديث والمعاصر أو سير الشخصيات والأعلام لا في المجال السياسي وحده فحسب، وإنما بصورة عامة.

صحيح أن المؤلفة رجعت إلى عدد كبير جدا من المراجع والمصادر والكتب ذات الصلة، والتي بلغ عددها حسب الثبت المنشور في نهاية الكتاب نحو أربعين مصدرا ومرجعا، هذا فضلا عن عشرات المقالات والأخبار المنشورة في الصحف والمجلات وفي النشرات الحزبية للقوى السياسية البحرينية والخليجية وبيانات وتقارير وبرامج هذه القوى، واستفادت كثيرا من هذه المراجع، إلا أن المادة الأساسية للكتاب استقتها الكاتبة من أشخاص ناضلوا وعملوا مع الشملان في محطات نضاله الطويلة أو كانوا على صلة بالأحداث التي كان فاعلا فيها.

وهي في هذا بذلت جهدا خارقا، دون أدنى مبالغة، وهي تتقصى وتستنطق الأشخاص لا في البحرين وحدها، وإنما تحملت عناء السفر إلى عمان والكويت وربما بلدان أخرى أيضا من أجل أن تقابل كل من اعتقدت انه يمكن أن يفيدها حتى ولو بمعلومةٍ واحدة حول شخص الشملان وموضوع الكتاب، وخاصة ان الوضع الصحي لزوجها ورفيق عمرها أحمد الشملان لم يعد يسعفه في تقديم ما احتاجته من بيانات ومعلومات تغطي مناطق البحث والتقصي التي تناولتها، واستغرقت المهمة الشاقة في جمع المادة من المؤلفة سنتين، فيما أنفقت سنتين أُخريين وهي تكتب الكتاب.

في النتيجة حصلنا على عددٍ كبير، وربما هائل، من الشهادات التي كان من شأنها أن تكمل بعضها بعضا، فما يغفله أو ينساه أحدهم يغطيه الثاني، وبالتالي نجد أنفسنا أمام صورة أقرب إلى الموضوعية بالقياس لما لو كان المتحدث واحدا فقط، وهذا العدد الكبير من الشهادات انعكس على حجم الكتاب الذي جاء ضخما بالنظر لتعدد من قدموا شهاداتهم للكاتبة، ولعل ذلك اضطر الكاتبة أحيانا إلى تكرار بعض المسائل في فصول الكتاب، ربما بدافع الأمانة في نقل كل ما قاله المشاركون.

ولا يسعنا إلا أن نقدر للكاتبة درجة حرصها ودقتها في التعامل مع هذا العدد الكبير من الشهادات، التي أعطتنا كما قلت صورة أقرب إلى الموضوعية، ولكنها أثارت إشكالية أخرى حين يتصل الأمر بتعارض أو حتى تناقض الشهادات حول مسألة من المسائل؛ لأننا لا نكون بصدد معلومات تتجمع وتكتمل بتعدد الشهادات، وإنما بصدد روايات مختلفة للواقعة الواحدة.

سجلت المؤلفة في خاتمتها للكتاب جانبا من الأمر حين قالت: السيرة استقت «غالب مادتها من شهادات وذكريات الآخرين. سرد معظمهم الحدث كما حدث وحكى التاريخ كما جرى، لمست الصدق والنزاهة في قول غالبيتهم سواء كان في صف احمد الشملان أم ضده مثلما لمست الحيدة عن رواية التاريخ كما جرى لدى بعض قليل تجاهل حدثا أو حوّر موقفا، ربما بنزعة اختلاف أو خلاف، في حينه، مع الشملان وربما بنزعة ذاتية نرجسية لا تجد استواء الحدث التاريخي إلا من خلال تواجدها فيه، وربما للتغطية على غياب نضالي في هذا الحدث أو ذاك، وتلك نوازع إنسانية موجودة، متنوعة ومتعددة كفيلة بالإحاطة بالصدق والحق أحيانا» (الكتاب ص 920)

تقول الكاتبة أيضا: «لا أتبنى شخصيا بعض ما ورد في السيرة من شهادات وأختلف مع بعضها، لكني حرصت على طرحها كما قيلت من باب الأمانة التوثيقية ولإتاحة المجال للقارئ كي يبلور رأيه وتقييمه الخاصين حول السيرة الذاتية - النضالية لأحمد الشملان». (الكتاب ص 921).


ثالثا: جهد استثنائي فردي في كتابة التاريخ الوطني

قامت فوزية مطر، من خلال هذا الكتاب، بعملٍ كبير فشلنا نحن في الجمعيات السياسية الديمقراطية، حتى الآن على الأقل، في انجازه، وهذه مناسبة لنوجه لأنفسنا نقدا ذاتيا في تقصيرنا في هذا المجال، فاستغراقنا في تفاصيل العمل اليومي الكثيرة الذي يستنزف جهود كوادرنا النشطة المثقلة بأعباء كثيرة أدى بنا إلى الغفلة عن التوجه نحو هذه المهمة النضالية الكبيرة، مهمة توثيق تاريخنا الوطني ودور التنظيمات الوطنية في صنع هذا التاريخ، وللأمانة فإن ما قامت به فوزية مطر هو جهد يحتاج إلى فريق متكامل، ولكنها بعزيمتها وإصرارها وحبها لزوجها ورفيق حياتها أحمد الشملان تمكنت من انجاز هذا العمل البانورامي الواسع الذي فرغت نفسها إليه كلية حتى أنجزته.

وأيا كان الأمر، ففوزية، حتى وان لم تكن اليوم عضوة في أي من جمعيات التيار الديمقراطي، فهي ابنة الحركة الوطنية البحرينية وتنظيماتها، وهي قبل أن تكون زوجة للمناضل أحمد الشملان، وبعد أن تزوجته معروفة بإسهامها الوطني وبنشاطها في الحركة النسائية البحرينية ومعروفة ايضا، ككاتبة في الصحافة المحلية، تتحلى بالجرأة والموضوعية والرصانة. ويُحسب لفوزية مطر أنها لم تكتفِ بالتفرج وتوجيه سهام النقد على التقصير، إنما قامت بما أملته عليها المسئولية الوطنية ليس تجاه زوجها ورفيق دربها فحسب، وإنما تجاه شعبها ووطنها وحركتها الوطنية.

لذا فإننا نعد كتابها مكسبا لنا جميعا، لجمعياتنا السياسية الديمقراطية وللتيار الديمقراطي عامة في هذا البلد، وهو كتاب سيحفز الجميع على نفض غبار الكسل عنهم والتوجه جديا نحو كتابة صفحات تاريخنا الوطني المنسية.

مسئولية الأحياء من هم على ذاكرةٍ ما زالت تسعفهم ولديهم من الوقت ما يكفي أن يدونوا مذكراتهم وانطباعاتهم وما هو ما يزال ماثلا في أذهانهم سواء عن أدوارهم الشخصية أو ادوار رفاقهم، وحين أتحدث عن المنبر التقدمي أشير إلى محاولات متفرقة ولكنها مُهمة يقوم بها بعض قدامى رفاقنا وفي مقدمتهم المناضل عبدعلي علي أحمد، وبنسبةٍ أقل عباس عواجي وإسماعيل العلوي، كذلك قامت السيدة نجاة الموسوي بتدوين موجز لسير بعض مناضلينا، ونُشر بعضها في أعداد نشرة المنبر التقدمي، لكن هناك الكثير مما يجب أن يدون في جُعبة رجال مثل عبدالله البنعلي ويوسف العجاجي ومحمد نصرالله ومحسن مرهون ومحمد جابر الصباح وغيرهم، من مناضلي جبهة التحرير الوطني، ومثلهم بالتأكيد رفاق آخرون من قادة الجبهة الشعبية والحركة القومية عامة وكذلك الحال بالنسبة لقادة حزب البعث.

وفي هذا المجال أود أن أتوجه بالتحية والتقدير للفنان والمناضل سلمان زيمان للجهد المشكور الذي يقوم به في التوثيق بالصورة والصوت لذكريات المناضلين الرواد، وكذلك للمناسبات الوطنية، وهو من تلك الجهود المخلصة التي سوف تمكث في الأرض.

إقرأ أيضا لـ "حسن مدن"

العدد 2636 - الإثنين 23 نوفمبر 2009م الموافق 06 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:24 م

      أحمد الشملان رمز للوحده الوطنيه ..

      أحمد الشملان من عشرات المخلصين لهذا الوطن الذي يحق لنا أن نحفر أسمهم من ذهب على هذا الوطن .. النظام يجلب مرتزقه من الخارج ولا ينظر الى المخلصين على ارض وطنه .

    • زائر 1 | 10:39 م

      الشملان احب الجميع فمن حقه ان يحبه الجميع

      اتساءل لماذا البعض لا يحب احمد الشملان ؟ اليست هذه القيم الوطنية التي يحملها هي التي يتشدق بها الجميع ولا يرفضها سوي؟

اقرأ ايضاً