فيما ينشغل المسئولون العرب بصراعاتهم «الكروية»، ويستمرون في إطلاق تهديداتهم «العنترية» تارة ضد «إسرائيل» وتارة أخرى ضد إيران، ويصرون على أن تطفو على السطح خلافاتهم «الدولارية»، تواصل طهران بناء قوتها النووية، وتوسيع دائرة تحالفاتها الدولية، ربما بشيء من التروي الذي يبطئ العملية، لكن دون إيقاف حركة تقدمها نحو الأمام.
وفي هذا السياق لا تألو إيران جهدا كي يأتي توسيع نطاق تحالفاتها، خارج نطاق الدوائر التقليدية المحصورة أساسا، بالمعايير الدولية السائدة، في دول الكتلة الغربية. في هذا النطاق ينبغي فهم تطورات تنامي العلاقات الإيرانية - الشرق آسيوية، وعلى وجه التحديد مع بكين، فمؤخرا أعلنت بكين عن عزمها على «الحفاظ على معدلات وارداتها الحالية من النفط الإيراني». وجاء على لسان رئيس «سينوبك كورب» Sinopec Corp الصينية، وانغ تيبانو باستمرار «معدل الاستيراد الراهن من النفط الإيراني عند قرابة 400 ألف برميل نفط يوميا».
أول ما يفهم من هذا التصريح، هو أنه يأتي بمثابة الرد المبطن غير الصريح من العاصمتين، بكين وطهران، على تقرير نشر قبل فترة جاء فيه «أن الإدارة الأميركية تشجع دول الخليج على رفع صادراتها النفطية إلى الصين في سياق مسعى لتقليل اعتماد التنين الآسيوي على النفط الإيراني وبالتالي تليين موقف حكومة بكين تجاه فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الصارمة ضد الجمهورية الإسلامية».
وكما يبدو، لاقت تلك الدعوة الأميركية تجاوبا من بعض الدول الخليجية، إذ أبدت دولة الإمارات، كما نقلت «وول ستريت جورنال» عن استعدادها لزيادة «حجم صادراتها من النفط إلى الصين، على مدى الأشهر الستة المقبلة، إلى ما بين 150 ألف و200 ألف برميل يوميا، عن المعدل الراهن، ويبلغ 50 ألف برميل يوميا».
كما نقل موقع «سي إن إن» العربي عن تقرير واشنطن، استعداد السعودية «لتعويض الصين عن أي تراجع في احتياجاتها من الطاقة في سياق جهود دولية لمعاقبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واستخدامها كسلاح ضغط لإجبار بكين على النأي بنفسها عن طهران».
بعيدا عن هذه الخطوة الخليجية، وبالإضافة إلى تمسك بكين بعدم خفض وارداتها من النفط الإيراني تتولى الأولى تزويد الثانية بالوقود الذي يسد حاجتها من مصادر الطاقة التقليدية، وسد متطلباتها المباشرة اليومية منه.
كما أوردت صحيفة «الفايننشال تايم» البريطانية «تحركات دولية لوقف بيع البنزين لإيران، شملت وقف شركات كبرى مثل (بريتيش بيتروليوم) البريطانية و(رليانس) الهندية بيع البنزين لإيران، كي تغطي الشركات الصينية الفجوة التي خلفها توقف الشركات الكبرى عن بيع البنزين لإيران».
وإذا وضعنا الأهداف الإيرانية جانبا، وحاولنا فهم هذا التودد الصيني من إيران، فلابد لنا من فهم محاور السياسة الخارجية الصينية، التي ترتكز أساسا، على تحاشي التورط في النزاعات الدولية، كي لا تغرق في أوحالها، من جانب، والإلتفات نحو الدول النامية، دون التفريط بالعلاقات مع الدول المتقدمة التي تحتاجها الصين كثيرا لمساعدتها على تطوير إمكاناتها التكنولوجية، من أجل تأمين مصادر الطاقة والموارد الأولية، مع الحرص على اختراق أسواق هذه البلدان لتصريف المنتجات الصينية.
في هذا الإطار تحاول كل من بكين وطهران أن تحافظا على علاقاتهما من خلال مجموعة من الأنشطة الاقتصادية من نمط استمرار حصول الصين، كما تقول صحيفة «الواشنطن بوست» في عددها الصادر بتاريخ 18 نوفمبر/ تشرين الثاني على 14 في المئة من وارداتها من إيران، إلى جانب حرص بكين أيضا على عدم إيقاف عمليات تطوير حقول نفطية في إيران مثل حقل أزاديجان، وحقل بارس الجنوبي بعقد بلغت قيمته 7.5 مليارات دولار أميركي. يضاف إلى ذلك تحول إيران إلى إحدى الأسواق الرئيسية «للسلع المصنعة والآلات الإلكترونية والسيارات والمعدات المنزلية»، لكسر طوق الحصار الغربي عليها.
ويذهب بعض الباحثين من كُتاب صحيفة «الواشنطن بوست»، من خلال قراءتهم لتطور العلاقات الصينية - الإيرانية، منذ أن حاولت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران لإرغامها على التراجع عن مشروعها النووي، سلميا كان أم عسكريا، إلى تنامي العلاقات الاستراتيجية بين إيران والصين بحيث تحولت إلى ما يشبه الحليف المحتمل «للضغط على أميركا في الشرق الأوسط، لكبح جماح التطرف الإسلامي الذي يلعب المسلمون السنّة في شينغيانغ أو تركستان الشرقية وغيرها - من وجهة نظر إيران على حدّ قولهم - دورا رئيسيا فيه».
ولمن يريد فهم العلاقة من أبوابها الواسعة العودة لكتاب «الصين وإيران: شريكان قديمان في عالم ما بعد الإمبريالية»، الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الذي يعتبره البعض «بمثابة مسح شامل للعلاقات الصينية - الإيرانية إضافة إلى ثنائية العلاقات الصينية - الأميركية».
وللتأكيد على أهمية انعكاسات الثقل الذي يشكله التحالف الإيراني - الصيني يمكننا استعارة ما نسبه البعض إلى نابليون بونابرت، حين قال «دع الصين نائمة فإذا استيقظ التنين اهتز العالم». وليس هناك من يشكك اليوم في استيقاط هذا التنين الذي أصبح ماردا اقتصاديا، ناهيك عن ثقله البشري والسياسي، فكيف حين يترافق هذا النهوض القوي، مع عناق شديد بينه وبين الطاووس الإيراني الذي يشهد هو الآخر، نهوضا، ورغبة في أخذ موقعه الذي يعتقد أنه يستحقه في خريطة العلاقات الدولية أولا، والإقليمية ثانيا وليس أخيرا.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2635 - الأحد 22 نوفمبر 2009م الموافق 05 ذي الحجة 1430هـ
العصاعص قامت والروس نامت
ولا نقول إلا كما قيل من قبل العصاعص قامت والروس نامت ( مع تحيات أم عبدالعزيز باكر الشرجي)
شكراً
بسم الله الرحمن الرحيم
ذاك يُفسّر بوضوح سبب "هلع" الإدارة الأميركية من تنامي علاقات البلاد المناوئة لها,
شكراً لك يا أستاذي العزيز على هذه المعلومات القيمة. مع خالص المودة