من جديد يطفو اختلاف مسئولين رسميين خليجيين حول الموقف من استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي على السطح. فلم يكد وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد السالم الصباح يبلغ مجلس الأمة الكويتي بأنه «ليس من الضروري ربط عملة مجلس التعاون الخليجي بعملة معينة، وأن الربط قد يكون بعملة واحدة أو سلة عملات وأن الدول الخليجية ستبحث هذا الأمر»، حتى بادر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي محمد الجاسر، أثناء مشاركته في منتدى «يورو فاينانس ويك» الأخير، كي يؤكد أن «ربط العملة الخليجية المتوقع إصدارها بسلة عملات خيار مطروح على الطاولة، رغم أنه لا يوجد حل مثالي، وأن هذا هو أحد الاحتمالات لكن يوجد العديد من الاحتمالات بما في ذلك الابقاء على الربط أو عمل شيء آخر، وأن ما لدينا الآن يخدمنا على أفضل نحو، ولا أرى سببا لتغييره الآن، إذا تغيرت الأحوال فسنقوم بمراجعته». يشارك هذا المدخل السعودي، في الإبقاء على الارتباط بالدولار، محافظ البنك المركزي الإماراتي، سلطان ناصر السويدي، بعد أن أكد أن «استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار (باستثناء الكويت)، هو قرار نهائي».
بينما تبدو دعوات فك الارتباط واضحة في الموقف الكويتي، وهي الدولة التي تخلت عن ربط عملتها بالدولار في العام 2007 لصالح سلة عملات، نجد نبرة الإصرار على الإبقاء على العلاقة غير قابلة للتأويل في تصريحات المسئولين السعودي والإماراتي. وليس الخيار مسألة سهلة كما قد يتوقع البعض. على المستوى الأميركي، يكفي أن نعرف أن قيمة الإحتياطيات والودائع الرسمية الخليجية في السوق الأميركية تقدر بنحو 1.2 تريليون دولار، وأن السعودية وحدها تملك ما نسبته 6 في لالمئة من الاقتصاد الأميركي، في هيئة أسهم وسندات، ناهيك عما يمكن أن ينجم من فك الإرتباط من إرباك في أسعار الدولار عندما تنقطع علاقة الإرتباط هذه بينه وبين أكبر دول مصدرة للبترول المسعر بالدولار ذاته. هذا الوزن الغاية في الأهمية الذي تحظى به العملات الخليجية في علاقتها بالدولار، يفسره ورود إشارة واضحة، لأول مرة في تاريخ العلاقات الاقتصادية العربية - الأميركية، عند الحديث عن مواطن الضعف والقوة التي يعاني منها، أو يتمتع بها الدولار الأميركي على التوالي، في تقرير صادر عن واحدة من أكبر شركات الاستشارات المالية، «ميريل لانش»، تحذر فيه الإدارة الأميركية من أن «رياح التغيير السياسي تهب»، داعية تلك الإدارة إلى أن «تعطي الضوء الأخضر للبلدان الخليجيّة من أجل فكّ ربط عملاتها بالدولار»، منوها - ذلك التقرير - إلى أن الدولار اليوم «يمر بمرحلة من الضعف إذ تراجع إلى أدنى مستوى له في 15 شهرا مقابل عملات رئيسة أخرى». هذا التقرير هو بمثابة جرس الإنذار الذي يريد أن يحذر الإدارة الأميركية مما قد يتنظرها.
هذا من الجانب الأميركي، أما على المستوى الخليجي، فيبدو أن الأمور لم تحسم بعد، كما يشير إلى ذلك تضارب تصريحات المسئولين، وينعكس أيضا على مواقف الخبراء الاقتصاديين، فبينما نجد البعض منهم من أمثال رئيس صندوق النقد العربي جاسم المناعي، الذي لم يكف منذ العام 2006 عن تشجيع دول مجلس التعاون، كي تحذو حذو الكويت، وتقوم بربط عملاتهم بسلة من العملات الأخرى غير العملة الخضراء، فيدعوهم صراحة إلى «التفكير في فك ارتباط عملاتها المحلية والعملة الموحدة المزمعة بالدولار الأميركي الذي يعاني من تهديدات»، محذرا، في الوقت ذاته من زيادة المخاطر التي تحف بالدولار من جراء تنامي حجم الدين الأميركي من جهة، والخطوات التي باتت تتخذها دول مثل «روسيا والصين للبحث عن عملة احتياط أخرى يمكن أن تؤثر على قيمة الدولار ومكانته». وقال المناعي بوضوح «إنه بعد اقتراح الصين وروسيا يجب على الدول الخليجية إعادة التفكير في عملة احتياط دولية غير الدولار»، من جهة ثانية، نجد أيضا دعوات مناقضة لفك الارتباط مثل تلك التي يصر عليها الخبير الاقتصادي لصحيفة «الرياض» السعودية، أنس فيصل الحجي الذي لا يكف عن القول بأنه «لا حل أمام دول الخليج سوى ربط العملة الموحدة بالدولار لمنع تذبذب العملة في حالة تذبذب أسعار النفط؛ لأن أسعار النفط لن تبقى عند مستوى سعري معين، والدولار منح السياسات النقدية سواء على الصعيد الخليجي أو خلافه مصداقية أكبر وسهولة في العمليات المالية والتجارية».
من جانب آخر، يلفت الصحافي الاقتصادي عبدالعزيز العويشق التأثير المزدوج جراء ارتباط العملات الخليجية بالدولار، وترافق ذلك مع انخفاض أسعاره بالقول «ويؤثر انخفاض الدولار على دول المجلس تأثيرا مزدوجا: الأول هو انخفاض القيمة الحقيقية للدخل النفطي بنسب تعادل انخفاض الدولار، والثاني هو ارتفاع قيمة الواردات الواردة من دول خارج منطقة الدولار؛ ما يؤدي إلى زيادة معدل التضخم نسبيا».
وبعيدا عن مواقف الأطراف المحلية، يمكننا الاستشهاد بما كتبته صحيفة «الايكونوميست» اللندنية حول هذا الموضوع حيث جاء في أحد أعدادها الأخيرة ما معناه أنه سيكون «هناك خيار مطروح أمام قمة مجلس التعاون الخليجي الشهر المقبل بأن يشكل اليورو والدولار نسبة 50 في المئة من سلة العملات المقترحة، لكون التحدي المباشر الذي يؤرق الدول الخليجية يتمثل في تفاقم آثار التضخم من ارتفاع أسعار النفط والذي يزداد سوءا مع الإصرار على الارتباط بالدولار».
بعد كل هذه التحذيرات يبقى السؤال لماذا يصر البعض على الإبقاء على ربط عملاتنا بالدولار الأميركي التي تدل كل الشواهد على انهيار الاقتصاد الذي يقف وراءه، دع عنك قيمته السوقية كعملة في وجه عملات عالمية تدعمها اقتصادات مزدهرة، ليس الصين سوى واحدة منها؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2633 - الجمعة 20 نوفمبر 2009م الموافق 03 ذي الحجة 1430هـ
لا داعي للتساؤل
لن يفك الارتباط بالدولار ابدا طالما النفط يشكل مصدر الطاقة الرئيسي في العالم و طالما منطقة الخليج هي المنتج الرئيسي لهذه الطاقة على المدى المتوسط والبعيد. لن تتخلى ابدا اميركا عن مكاسب سيطرتها على منابع النفط و تسلمها للاّخرين دون مقاومة، و اذا اعتقد احد غير ذلك فهو واهم، واهم ، واهم.
الدولار الملاذ اللأمن
ان كل المعطيات السابقة تدل على ان ارتباط الدينار بالدولار هو حماية لقيمة العملة الوطنية البحرينية من كل التأثيرات الماضية والجاضرة كما انه دعامة اساسية لمواجهة جميع الظروف الاقتصادية السيئة وخصوصا ان الارتباط يكون ارتباطا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بل ان في حدوث مشاكل اقتصادية يكون الدولار هو الاقرب لحل هذة المشاكل بكل حرفنة وبعيدا عن الافكار الاقتصادية المحلية التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الفكر الدولاري..
القمندة
بسم الله الرحمن الرحيم
طابت أوقاتك يا أستاذي الموقرّ
اقتباس:
«تعطي الضوء الأخضر للبلدان الخليجيّة من أجل فكّ ربط عملاتها بالدولار»
هنا تكمن "القمندة" يا عزيزي