العدد 2628 - الأحد 15 نوفمبر 2009م الموافق 28 ذي القعدة 1430هـ

جنبلاط وقراءة المستقبل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في آخر تحوّلاته، أعلن الزعيم اللبناني النائب وليد جنبلاط انتهاء الوظيفة السياسية لجماعة 14 آذار، والعودة إلى ثوابت الأمة. جنبلاط الذي يعتبر واحدا من السياسيين القلائل الذين يجيدون رصد حركة الريح، وضع لعودته إطارا عاما، بإعلانه أن لا شرعية لأي عمل خارج إطار فلسطين... وأنه «من أجل عروبة لبنان تجاوز ويتجاوز كل شيء لأن الجغرافيا السياسية والتاريخ لا يمكن تجاهلهما»، في إشارةٍ إلى العلاقة مع الجارة الكبرى سورية. قبل خمس سنوات، وفي ذروة الهجمة الأميركية الشرسة على المنطقة في عهد جورج بوش، ذهب إلى الولايات المتحدة يستعجلها القيام بعمل عسكري يطيح بالنظام في سورية. وفي قمة حماسته لمشروع الشرق الأوسط الجديد، اتخذ موقفا متطرفا في تأييده، وهو ما يفسّره اليوم بأن «العاطفة والحماس غلبته»، ويعترف أنه كان قاسيا جدا على الصعيد الشخصي ضد النظام السوري! التقلبات ليست جديدة في سيرة الرجل، فالبلد الذي طالب باحتلاله قبل أعوام، عاد ليتذكر «التضحيات الكبرى» لجيشه العربي ضد «إسرائيل»، وكيف كانت بيروت المدينة موحّدة مع الجيش السوري في مواجهة «اسرائيل». وعودة اللغة العروبية إلى لسان جنبلاط، لن تضمن عودته السريعة والسلسة إلى القلوب. بداية التحوّل الأخير سبقت الانتخابات الأخيرة، إذ بدت مؤشراتها قبل ذلك بشهرين. ومع ذلك فقد دخل الانتخابات إلى جانب الموالاة، بينما بدأ بمدّ جسور جديدة مع الضفة الأخرى من المعارضة. وبعد إعلان النتائج وفوز الموالاة بالأغلبية كان قد اتخذ قراره بإعادة التموضع من جديد. الرجل الذي فجّر قضية «شبكة اتصالات المقاومة»، وبطريقة عدائية شديدة، أثارت المقاومة في ذلك الظرف العصيب، وجرت إلى تداعياتٍ خطرة، عاد اليوم ليؤكد على أهمية «سرية المقاومة وخصوصياتها الأمنية». ويذهب أبعد من ذلك بالقول أن المقاومة واحتضانها خيار ضروري. ويتجاوز المقاومة في أطروحاتها، بدعوته الأنظمة العربية إلى إحياء الجبهة الشرقية، وهو ما لم تقل به المقاومة حتى وهي تحت القصف الإسرائيلي طوال 33 يوما، بل قالت يومها للأنظمة الشامتة: اتركونا وحلوا عنا، لسنا بحاجة إلى دعائكم فاكفونا شرّكم! من أهم الإشارات التي وردت في لقائه الأخير، أن همّه الأساسي تفادي الحرب المذهبية بين المسلمين، فمن مصلحة الجميع -عربا ومسلمين- تصحيح العلاقات العربية الإيرانية، وخصوصا بين السعودية وإيران، «لتفادي الوقوع بالشَرَكِ المذهبي»، وهذا أمرٌ استراتيجي يلتقي فيه مع طرح السيد حسن نصر الله، وما يحلم به ويتمناه جميع الحكماء والعقلاء والمخلصون. لبنانيا... دعا جنبلاط إلى فلسفةٍ ضريبيةٍ جديدة، مع ضرورة تحييد القضايا الحياتية عن الخنادق السياسية، والعمل على إنتاج كتاب تاريخٍ موحّدٍ للمدارس، في بلد الطوائف والقيادات الطائفية التي تورّث زعاماتها للأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد. دوليا... الرجل الذي وضع بيضه كلّه قبل خمس سنوات في سلّة الإدارة الأميركية الجمهورية المتطرفة، عاد ليتحدّى إدارة أوباما الديمقراطية الجديدة بتجميد أرصدةٍ للاستيطان أو للجيش الإسرائيلي. حين سأله المذيع عمّا يمكن أن يوصي به نجله تيمور (الذي سيرث زعامته)، اعترف بأنه أراد أن يدخله السياسة من الباب العريض، فعرّفه على نصر الله والحريري، وأرسله إلى مصر وإلى الجنوب ليعرف المقاومة، فهو من السياسيين القلائل الذين يجيدون قراءة المستقبل والتنبؤ بالتحوّلات الكبرى، ويرصدون مبكرا اتجاهات الرياح.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2628 - الأحد 15 نوفمبر 2009م الموافق 28 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:49 ص

      شجاعه

      هذا شجاع الذي اعترف بخطئه لاكن الشرهه علي الذين يعرفون انهم يخطئون في حق بلدهم ويصرون علي الخطا وفي بلدنا البحرين كثيرون

    • Iran | 5:02 ص

      أكبــــر خائن لموطنه..

      جنبلاط ليس بالرجل الشريف, وماضيه حتى هذه الآونة ترصد بالخيانه وسوء النية لديه.
      مشكووور على المقال كاتب

    • زائر 2 | 12:44 ص

      يجوز إن جنبلاط عاد لرشده !

      آنه بصراحة أتمنى إن جنبلاط يكون بصف المقاومة لأن اهو له ثقل كبير في لبنان .. ومن صالح لبنان كذلك إن يكون فيه توافق بين المقاومة وجنبلاط

    • زائر 1 | 11:23 م

      شخص متقلب

      لولا جنبلاط لما حدث 7 آيار،فهو مهندس كل التجييش الذي حدث في لبنان ضد المقاومة وضد سوريا وايران.الان يتعطف جنبلاط بعد ان خرب البلد وجره الى حافة الهاوية لولا ستر الله.يذكرني جنبلاط وتقلباته بأحد الكتاب البحرينيين حين كان ضد التجنيس،وفي برهة تحول مع التجنيس ليزيد في مصبه الرئيس،وإذا بهذا الكاتب يكتب الاسبوع الماضي 3 مقالات ضد التجنيس بعد ان احس بالألم.هذا الكاتب هو من طبل على وتر مصطلح الصفويين،ياللعجب فقد كان مع حزب الله قلبا وقالبا،لكننا نراه هذه الايام يكتب ضد حزب الله.شبه كبير بينه وجنبلاط

اقرأ ايضاً