أيام معدودات باتت تفصل أعضاء غرفة تجارة وصناعة البحرين عن مجلس إدارتهم الجديد، الذين سينتخبون أعضاءه الثمانية عشر من بين 38 مترشحا، تأهلوا لخوض الانتخابات التي سيشهدها يوم 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009.
تزداد ساحة الانتخابات سخونة، ويتسابق المرشحون في إبراز عضلاتهم المختلفة كجزء من حملاتهم الانتخابية، وفي تجسير علاقاتهم مع الناخبين لضمان نيل أكبر عدد من الأصوات، يحقق لهم نيل عضوية المجلس.
يصعب رسم خطوط فاصلة توضح الفروقات بين سبل وأدوات التجييش الانتخابي التي سادت سلوك المرشحين، في نطاق علاقاته بالقوى السياسية، حيث مزج البعض بين أكثر من واحدة منها، لكن يمكن لمن يراقب ذلك السلوك عن كثب أن يضعه في فئتين رئيسيتين هما:
1. القوائم المشتركة المستقلة، وهي التي أطلقت على نفسها تسميات حاولت من خلالها تجسيد برامجها الانتخابية، وتحاشت إلى حد بعيد، الاتصال المباشر العلني بالقوى السياسية ككتلة، دون أن تحظر على أي من أفرادها القيام بذلك، طالما أن ذلك، لا يضعها في خانة هذا التنظيم السياسي أو ذاك، ساعية من وراء كل ذلك، حصر نفسها، قدر الإمكان، في محيطها التجاري المحض، دون أن تتخطاه كي تدخل في دائرة العمل السياسي.
2. الأفراد المستقلون، الذين تقدموا للانتخابات بشكل فردي بعيدا عن أي من تلك القوائم. تجنب نسبة من هؤلاء الأفراد أي شكل من أشكال العلاقة مع القوى السياسية، في حين حاولت فئة أخرى منها، وبشكل فردي، جسّ نبض القوى السياسية من بعيد، واقترب بعض منها من المجتمع السياسي، فبادر بالاتصال ببعض القوى السياسية، لجسّ نبض موقفها من الانتخابات، ومعرفة مدى استعدادها للتدخل، وفي حال كان موقفها إيجابيا، فما هو مدى رغبتها، وربما على نحو أدق مدى استعدادها في الانغماس في العملية الانتخابية.
الملفت للنظر هو موقف القوى السياسية من انتخابات الغرفة، التي لم يصدر عنها حتى اليوم موقفا، على مستوى كل تنظيم على حدة، أو على مستوى الكتل السياسية المتحالفة، تكشف فيه عن رؤيتها السياسية لتلك الانتخابات.
وفي غياب مثل ذلك الموقف، فمن الطبيعي أن يطلق المواطن العنان لأفكاره من أجل شحذها، علها تعينه على استقراء الأسباب التي تحول دون انخراط، أو حتى اهتمام القوى السياسية بما يجري من صراعات اليوم حول مقاعد مجلس إدارة الغرفة القادم.
هذا الصمت المحاط بهالة من الغموض، يفتح المجال أمام الاجتهادات الباحثة عن أسباب الموقف اللامبالي للقوى السياسية من انتخابات الغرفة.
في إطار الاجتهادات الاستقرائية المبنية على فهم تاريخ العلاقات بين الغرفة والعمل السياسي يمكن حصر أسباب القطيعة بين القوى السياسية والغرفة في البنود التالية:
1. اقتناع القوى السياسية بهامشية دور غرفة تجارة وصناعة البحرين في الحياة السياسية البحرينية الأمر الذي يجعل في الالتفات نحوها، نوعا من إهدار الوقت وتشتيت الجهود، في قطاع لا يزال دوره السياسي مبهما، ويصعب رسم معالمه، مما يدفع تللك القوى إلى الابتعاد كلية عن نشاطات الغرفة، بما فيها عمليات الانتخابات.
2. خوف القوى السياسية، من ارتداد سهام المشاركة في نحرها، في حال فشل مرشحيها، أو من تدعمه من المرشحين، وهي مسألة تخشى تلك القوى أن تسحب نفسها على الانتخابات النيابية التي لم يعد يفصلنا عنها الكثير، فموعدها صيف العام المقبل.
تخشى القوى السياسية المجازفة الوقوف وراء مرشح أو كتلة معينة، تحسبا لأية انعكاسات سلبية من نتائج الانتخابات على ثقلها السياسي الذي تحاول كل قوة، على حدة تعزيزه استعدادا لمعركة الانتخابات البرلمان المقبلة.
3. غياب أي مرشح، منفردا أو عضوا في إحدى الكتل، ينتمي لأي من التنظيمات السياسية، وبالتالي، فليس بين المرشحين، من أعلن عن انتمائه السياسي، وبالقدر ذاته لم يتبنَّ أيٌّ من تلك القوى أيا من المرشحين. لا يعني ذلك وجود شكل من أشكال التنافر، بقدر ما يشير إلى، ما يشبه القطيعة، أدت إلى غياب الغرفة من برامج القوى السياسية، وغياب القوى السياسية من اهتمامات المرشحين.
مصلحة الغرفة تقضي بضرورة وجود جسور التعاون البنّاء بين الغرفة والقوى السياسية. ليس المقصود من ذلك تسييس الغرفة من خلال إغراقها في بحر التنظيمات السياسية المتلاطم، إذ أن للغرفة دورها السياسي المتميز من خلال تمسكها بحرفيتها القائمة على تاريخ يزيد على النصف قرن من العمل المهني الذي فرضته الحالة السياسية التي كانت تسود البحرين خلال تلك الفترة.
لكن الظروف اليوم تختلف جوهريا عن تلك التي كانت سائدة قبل عقد من الزمان، وما لم يدرك الطرفان هذا التغير، ويعملان سوية من أجل تحقيق أقصى الفوائد من الفرص التي يفتحها أمام الطرفين: القوى السياسية والمجتمع التجاري، فإن النتيجة ستكون وبالا على الطرفين، إذ ستفقد الغرفة محركا سياسيا يعزز من قوة برامجها الهادفة لترسيخ دور التجار في تطوير البلاد، وبالمقابل تحرم التنظيمات السياسية نفسها وبقرار ذاتي غير منطقي من إحدى القوى المؤثرة في صنع القرار السياسي في البلاد.
ربما آن الأوان كي يراجع الطرفان مواقفهما السابقة، ويضعان وبشكل مشترك، وفي إطار صحيح، حدّا لحالة الطلاق غير المعلن بين التجار والقوى السياسية، فقد أثبت التاريخ الإنساني في المجتمعات المعاصرة أن أيّا منهما غير قادر على أن يستغني عن الآخر.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2625 - الخميس 12 نوفمبر 2009م الموافق 25 ذي القعدة 1430هـ