العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ

دور الأطفال العرب في التنمية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما يجري الحديث عن خطط التنمية ومشروعتها تسود عبارات من نوع «تعزيز دور المرأة...» و «توسيع نطاق مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم...» و «التركيز على دور الأرياف بدلا من المدن»،... إلخ. تعكس تلك العبارات مداخل صحيحة عند معالجة قضايا التنمية، لكن نادرا ما ترد في تلك الأدبيات إشارات واضحة وصريحة إلى دور الأطفال في التنمية. ربما من الصعوبة بمكان الوصول إلى ربط مباشر بين «دور الطفل» و «برامج التنمية»، ومن ثم فمن غير السهل الحديث هنا عن دور إيجابي ملموس للأطفال بالمعنى الاقتصادي لتعبير التنمية، لكننا يمكن تناول الموضوع من زاوية أخرى، والتي هي، ما هي أحجام الخسائر التنموية التي تتكبدها دولة معينة في حال إهمالها العناية بأطفالها جراء تردي الخدمات الصحية التي توفرها لهم، أو عجز قنوات الرعاية الصحية عن توصيل ما يحلمون أن ينعموا به من الحدود الدنيا من تلك الرعاية؟ منطلقين في سياق محاولتنا لتشخيص دور الأطفال التنموي من قناعة بأنهم أطفال اليوم لكنهم أيضا رجال المستقبل، وبأن ما يتلقونه اليوم من رعاية هي بمثابة الاستثمار البعيد المدى، الهادف إلى توفير قوى إنتاج قادرة على العمل للإسهام في التقدم الاقتصادي للمجتمع المعني في المستقبل.

ما أثار مسألة الربط هذه، تلك الدعوة التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية، قبل يومين، من أجل «توفير مبلغ 39 مليار دولار، للحد من خطورة مرض الالتهاب الرئوي الذي يفتك بالأطفال الصغار أكثر من أي مرض آخر»، والذي أصبح اليوم أحد أهم أسباب وفاة الأطفال في جميع أنحاء العالم، والذي وصل عدد ضحاياه، بحسب إحصاءات المنظمة، إلى «1.8 مليون طفل دون سن الخامسة كل عام (2 مليون طفل كل عام)، علما بأنّ أكثر من 98 في المئة من تلك الوفيات تحدث في 68 بلدا ناميا». أو كما جاء على لسان المديرة التنفيذية لليونيسيف آن فينيمان، يودي «الالتهاب الرئوي بحياة أكثر من 4000 طفل كل يوم». ولابد من الإشارة هنا إلى أن تقديرات الأمم المتحدة تتوقع موازنة أكبر من المعلن عنها تتزايد من «3.8 مليارات دولار في العام 2010 إلى 8 مليارات دولار بحلول العام 2015».

والالتهاب الرئوي، كما تشخصه الأدبيات الطبية عبارة عن «التهاب في أنسجة الرئة بسبب وصول ميكروب معين، وعادة يكون نوعا من أنواع البكتيريا، ولكن في أحيان أخرى يكون السبب فيروس أو فطريات، وعندما يستقر الميكروب في الحويصلات الهوائية فإنه يبدأ بالتكاثر وتمتلئ الرئة بالسوائل وكرات الدم البيضاء لمحاربة هذه البكتيريا، ومن الممكن أن يصيب هذا الالتهاب فصا أو أكثر من فصوص الرئة».

ربما يرى القارئ أن هناك شيئا من الافتعال في الربط بين التنمية وصحة الأطفال، لكن أدبيات منظمة الصحة العالمية تقول إن «ليس من قبيل المصادفة أن هذه البلدان (أي التي يعاني أطفالها من الأمراض الوبائية) هي ذاتها التي تواجه تحديات أكبر في تحقيق الهدف 4 من الأهداف الإنمائية للألفية المتعلق بتخفيض معدلات وفيات الأطفال. إن الحد من شدة الإصابة بالالتهاب الرئوي قد يحسّن كثيرا من احتمال تلبية الهدف 4 من أهداف التنمية للألفية».

ويرى «البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة» تلك العلاقة بوضوح، حيث نجده في دراسة أعدها بالتعاون مع «صندوق رعاية الطفولة» التابع للأمم المتحدة حول أوضاع الأطفال المتردية في بوليفيا يدعو تلك الدولة إلى «الإقرار بالدور الذي يلعبه الأطفال في التنمية في البلاد، وإلى تطبيق برامج صحية وتعليمية وغيرها لمواجهة مشكلة افتقار الأطفال إلى الحماية وللدفاع عن حقوقهم». من هنا ينبغي النظر إلى الأطفال على أنهم بمثابة الكنز الدي ينبغي على المجتمع، بمختلف فئاته، المحافظة على مكوناته اليوم كي يستخدمها ذلك المجتمع على النحو الأفضل، بالمعيار التنموي، عندما تبلغ تلك المكونات السن القادرة فيه على العطاء.

لكن أرقام المنطقة العربية تشير إلى إهدار هذه الثروة القومية من جراء الإهمال الذي يحيط بسبل المحافظة عليها. تشهد على ذلك دراسة أعدتها مبادرة حماية الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENACPI)، جاء فيها: أن هناك ما يربو «على 41 في المئة من الأطفال العاملين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعملون لأكثر من71 ساعة في الأسبوع نظير أجور متدنية». وأن «12 - 16 في المئة من الأطفال في سن 6 - 14 في اليمن و 3 - 5 في المئة في مصر يمارسون نشاطات اقتصادية ذات عائد مادّي متدنٍّ ولم يلتحقوا بالمدارس». وتضيف الدراسة أن «ساعات العمل لدى الأطفال العاملين في المنازل في الدار البيضاء تصل الى 67 ساعة في الأسبوع، وتتجاوز الـ 70 في عمان». أسوأ من ذلك هو أن «30 في المئة من الأطفال في اليمن يتعاطون القات ويبدأ التعاطي في سن السادسة، و90 في المئة من الأطفال العاملين في بيروت لا تتوافر لهم خدمة التأمين الصحي».

وتكتظ الدراسة بالأرقام التي تسلط الضوء على إهدار طاقات الأطفال العرب من خلال سوء البرامج الموجهة إليهم، أو جراء تواجدهم في مناطق تعاني من حروب محلية مثل الجزائر وغزة. الأمر الذي يربط بشكل عميق بين سيادة علاقات السلام بين فئات المجتمع المختلفة وبين زرع ذلك في نفوس الأطفال، وهو أمر التفت إليه الزعيم الهندي مهاتما غاندي حين قال: «إذا أردنا أن ننشئ سلاما دائما علينا أن نبدأ بالأطفال».

لعلَّ ذلك يرشدنا إلى أن أحد أسباب تردي خطط التنمية العربية، يكمن في سوء الأوضاع التي يعيش فيها أطفالنا، وأنه قد أتى اليوم الذي نولي فيه هذه الثروة القومية الرعاية التي تستحقها، ليس من خلال تحسين الخدمات الصحية الموجهة نحوها فحسب، وإنما أيضا بتهيئة البيئة الاجتماعية والحضارية الملائمة التي تجعل من أطفال اليوم الأصحاء، نفسيا وجسديا، جيش التنمية القوي في المستقبل.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً