العدد 2615 - الإثنين 02 نوفمبر 2009م الموافق 15 ذي القعدة 1430هـ

أفغانستان المستعمرة: إلى أين؟!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يقال إن فكرة استعمار أفغانستان سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001م ولم تكن هذه الأحداث سببا لاحتلالها.

ويقال أيضا: إن أحداث سبتمبر كانت مفبركة وإنه لا علاقة لـ «القاعدة» بكل ما حدث وإنما هي تمثيلية أميركية من بدايتها وحتى نهايتها، واتخذت من «القاعدة» كبش فداء لها بغرض تسويغ احتلال أفغانستان والعراق وكذلك التضييق على كل الأنشطة الإسلامية بحجة أنها نوع من أعمال الإرهاب المخالفة للقانون الدولي، هذا القانون الذي تنفرد أميركا بالقدرة على تفسيره وحدها دون سائر الأمم الأخرى!

وجاءت الأحداث بعد ذلك لتعطي تلك الأقاويل مصداقية كبيرة، فأميركا لا تريد أن تأخذ بثأرها ولكنها تريد تفتيت دول عربية وإسلامية، كما تريد تقييد حرية المسلمين في العالم كله، وإظهار الإسلام بمظهر الدين المتخلف هو وأتباعه.

أميركا بدأت باحتلال أفغانستان، وقتلت عشرات الآلاف من أبنائه، ودمرت مدنه وقراه، ومازالت جيوشها حتى اليوم تقصف القرى والتجمعات السكانية، وتقتل المئات مدعية أن هؤلاء القتلى من «طالبان» ثم يثبت أنهم لا تجمعهم بـ «طالبان» أي صلة ومع هذا يستمر القتل وبنفس الطريقة وكأن هؤلاء القوم ليسوا بشرا، بل وكأنهم لا يستحقون الحياة.

وبحسب كل مستعمر فقد عيّن الغزاة حكومة لا تقول لهم: لا مهما فعلوا، والوقائع على الأرض تثبت أن اختيارهم كان موفقا!

وفي العراق فعلوا الشيء نفسه؛ قتلى بمئات الآلاف، وجرحى أضعاف ذلك العدد، ومثلهم الذين غادروا بلدهم بحثا عن الأمن ولو على حساب كرامتهم.

وأصبح العراق فقيرا، وانقسم شيعا وأحزابا، وها هو اليوم يكاد أن يكون ثلاث دويلات، والمستعمر فرح بكل ما يجري فيه، ومع ذلك يدعي أنه حقق نصرا فريدا من نوعه، ولولاه لما أصبح العراق ديمقراطيا تملؤه النزاهة، ولا تكاد تجد فيه فسادا!

الرئيس «أوباما» قرر أن يكرس معظم جهوده في أفغانستان لكي يقضي على منابع الإرهاب فيها، وحث أنصاره على زيادة عدد جنودهم هناك، ووعد بفعل الشيء نفسه لكي تتضافر الجهود كلها للقضاء على الإرهاب وعلى «القاعدة» أيضا!

الواقع التاريخي يؤكد أن أفكار «أوباما» لن تتحقق، والواقع على الأرض يؤكد تلك الحقيقة أيضا!

الاستعمار لا يكتب له الاستمرار مهما طال أمده... وأبناء الدول المستعمرة لن يسكتوا طويلا ولاسيما إذا كان المستعمر متغطرسا يوسعهم قتلا وتدميرا كما يفعل الأميركان غالبا وبعض دول حلف الناتو المشاركة أحيانا.

والذي يتابع ما يقوله بعض قادة الجيوش المنتمية للحلف الأطلسي العاملة في أفغانستان يلمس بوضوح مدى التشاؤم الذي يخالط لهجتهم، فقد أكد أكثر من واحد منهم أن الانتصار في أفغانستان بعيد المنال.

بل إن أحد كبار مستشاري الرئيس الأميركي «رام إيمانويل» أكد في مقابلة تلفزيونية أنه يشكك في قدرة المسئولين الأفغان في تحقيق الأمن والخدمات التي يحتاجها الشعب الأفغاني.

وقال: «من الواضح أن الحرب التي بدأت منذ ثماني سنوات كانت تسير دون طريق واضح وها نحن نبدأ الآن من الصفر، فلا توجد قوات أمن في أفغانستان، ولا جيش، ولا أي نوع من الخدمات المهمة التي يمكن أن تخلق شريكا حقيقيا هناك».

قتلى الحلف يتزايدون شهرا بعد آخر... والمعارضون للغزو أيضا يتزايدون، وبعض قادة الجيش البريطاني يؤكدون أن الحرب قد تستمر إلى أربعين عاما قادمة وآخرون توقفوا عن زيادة قواتهم والبعض قال: إنه سينسحب.

بعد هذا كله هل سيحقق الأميركان ومن معهم أي تقدم في أفغانستان لتحقيق أهدافهم المعلنة؟! شخصيا أشك في ذلك كثيرا وأعتقد أن خسائرهم ستتزايد يوما بعد آخر...

الأميركان قالوا إنهم سيحاربون طالبان فإذا هم وبسبب سوء أعمالهم أصبحوا أمام أكثر من طالبان؛ واحدة في أفغانستان والأخرى في باكستان وقد تكون هناك ثالثة في إقليم البنجاب.

وإذا استمر الأميركان في قتل الأبرياء في أفغانستان وباكستان فقد يكون أمامهم أعداء كثر من كل لون ولن يستطيعوا الوقوف أمام كل هؤلاء.

للأميركان مصالح في حروبهم، فلا أظن أن أحدا يصدق أنهم ينفقون كل تلك الأموال ويبذلون أرواحهم في سبيل تحقيق الديمقراطية والأمن للمسلمين في أفغانستان.

ربما يبحثون عن موطئ قدم في أفغانستان ليكون منطلقا لهم لكل الدول المجاورة والقريبة من روسيا.

ربما يريدون وضع يدهم على السلاح النووي الباكستاني لأنه سلاح بيد مسلمين وقد يكون ضرره في المستقبل على الصهاينة وهذا لا يسرّهم ولا يسرّ أصدقاءهم اليهود...

وربما تكون لهم مصالح أخرى، ولكن - وهكذا أعتقد - أن الاستعمار مهما طال أمده لن يستمر إلى الأبد ولن يحقق شيئا في نهاية المطاف.

من مصلحة الأميركان أن يفيقوا سريعا وقبل أن تسيل دماء كثيرة ليس من مصلحة أحد أن تسيل.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2615 - الإثنين 02 نوفمبر 2009م الموافق 15 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً