بعض المواطنين ممن ارتاعوا عند سماعهم خبر اندلاع النيران في مبنى مجلس الشورى، ذهبت بهم الظنون إلى أبعد من التماس الكهربائي. لكن الأمور عادت إلى نصابها الحقيقي بعد أن تأكد للجميع أن الأمر مصدره ذلك التماس، فحسب. وفي جلسة ضمت مجموعة من السياسيين المخضرمين، انبرى أحدهم ليقول «تصوروا لو كانت هناك جهة وراء هذا العمل، ولو أدى الأمر إلى تعطل جلسات الشورى».
أثارت هذه الخاطرة تساؤلا أكثر خطورة: ماذا لو قادت تطورات الأوضاع السياسية في البلاد إلى حالة متأزمة، وأقدمت الجهات صاحبة الأمر على إغلاق المجلس بغرفتيه: الشورى والنواب؟ أطلق ذلك التساؤل العنان لمخيلة بعض من شارك في الجلسة فهبَّ منفعلا وصارخا ما الفرق بين الإغلاق والمقاطعة، كلاهما يقود إلى نتيجة واحدة هي فقدان المعارضة البحرينية إلى قناة سياسية مؤثرة، وقادرة، في آن، على بناء علاقات متينة بينها وبين المواطن؟
إذا ما ابتعد المراقب السياسي بعض الشيء عن صورة الواقع السياسي، وتحاشى الدخول، أو بالأحرى التوه، في تفاصيلها، فسيجد نفسه مطالبا، قبل الخوض في مثل تلك النقاشات الحادة، أن يعود إلى الأساسيات منطلقا من صلب تطور الحالة السياسية البحرينية على امتداد نصف القرن الماضي، التي يمكن تلخيص أهم سماتها على النحو الآتي:
1. ناضلت الجماهير البحرينية، ومنذ الثلاثينيات من القرن الماضي، وقدمت الكثير من التضحيات من أجل انتزاع المزيد من حقوقها السياسية، بما في ذلك حقها في مجلس تشريعي يقوم على الانتخاب الحر المباشر. تشهد على ذلك حركة الثلاثينيات، وما تلاها من تأسيس هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات، كي يصل بنا الأمر إلى العمل السري في ظل ظروف قمعية قاسية، كاد المجلس الوطني في السبعينيات أن يضع حدّا لها، لكنها أطلت بوجهها البشع بعد حل المجلس الوطني وبدء العمل بقانون أمن الدولة. وشكلت المرحلة الممتدة بين حل المجلس وإطلاق المشروع الإصلاحي أسوأ الحقب في تاريخ البحرين السياسي المعاصر، بلغت قمتها في حملة الاعتقالات التي تلت حل المجلس وانتهت مرحلتها مؤقتا، باستشهاد محمد غلوم وسعيد العويناتي، كي تعود مرة أخرى في منتصف التسعينيات.
2. شاركت في هذا التاريخ النضالي المضيء كل القوى السياسية بكل تلاوينها، من شيوعية وقومية وإسلامية، ولا يحق لأي من يريد أن يؤرخ للحركة السياسية البحرينية أن يستثني أحدا من تلك القوى. شريط متواصل من التضحيات قدم فيه كل فصيل كل ما كان في وسعه أن يقدمه. والأهم من هذا كله، أن المعين الذي كانت تنهل منه تلك التنظيمات كان شعب البحرين، بكل فئاته الاجتماعية وطوائفه الدينية. ولعلَّ هذا التنوع السياسي والطائفي، بالمعنى الإيجابي لمفهوم الطائفية، هو الذي أمدَّ هذا الشعب بقدرته على العطاء وبشكل متواصل لما يزيد على قرن من الزمان.
3. جاء المشروع الإصلاحي، بما شمل من مجلس تشريعي من حجرتين محصلة مجموعة من القوى المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء. لكن أهم عناصره المؤثرة بشكل إيجابي ومباشر، كانت نضالات شعب البحرين، واستجابة صاحب الجلالة الملك، الذي وجد في المشروع الإصلاحي منفذا يخرج البحرين من نفق قانون أمن الدولة المظلم، والذي كان يمكن أن يكون نفقا ليست له نهاية.
4. خلال حقبة قانون أمن الدولة، وأثناء العمل تحت قوانين المشروع الإصلاحي، لم تكف الحركة السياسية البحرينية، بمختلف تلاوينها على بناء وتنمية قدرات منظمات المجتمع المدني، التي شكلت في مراحل معينة من ذلك التاريخ، رديفا قويا للحركة السياسية، وفي مراحل أخرى بديلا مساندا لها. ويمكن الإشارة هنا إلى الحركة الطلابية البحرينية، ممثلة في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، وبعض المنظمات النسائية من أمثال جمعية أوال النسائية، كأمثلة ساطعة تدلل على ذلك.
5. بروز النظرة التجزيئية التي تمزق عضلات تلك النضالات وتحولها إلى ما يشبه الجزر المتناثرة، جغرافيا وزمنيا، والانطلاق من ذلك للوصول إلى نتيجة تستخف، سياسيا، بما تم إنجازه حتى اليوم. والمقصود به هنا المجلس التشريعي. فمازالت هناك بعض الأصوات التي تحاول أن تقلل من أهمية تلك المكاسب بالإشارة إلى محدودية صلاحيات المجلس من جهة، أو عدم كفاءة بعض أعضائه من جهة ثانية، وفوق هذا وذاك، لا تكف عن إبراز تصرفات نسبة طفيفة من الأعضاء، ممن طغت على مسلكياتهم السلبية الكثير من الأنانية المشوبة بالإنحرافات عما هو متوقع ممن يكونون في تلك المناصب، لوأد التجربة برمتها.
6. استمرار الذهنية الشديدة التبؤر التي تضع المواطن البحريني أمام خيارين سياسيين لا ثالث لهما: المشاركة المطلقة غير الحذرة، أو المقاطعة المطلقة غير المبالية، وكأنما الأمر تحوّل إلى الاختيار بين ما هو أبيض أو أسود. منطق العمل السياسي يحتم على المنخرطين فيه أن يروا، أن هناك، بين الدائرتين، السوداء والبيضاء، مساحة شاسعة ذات لون رمادي تبحث عن قوة حقيقية مؤثرة قادرة على ملئها من خلال البرامج السياسية الناضجة ذات الآفاق الاستراتيجية البعيدة المدى.
7. يفاعة تجربة العمل السياسي العلني الشرعي بفضل القوانين والأنظمة القمعية التي سادت البحرين لما يزيد على نصف قرن، وليس لأي شيء آخر. وقلة عدد الكوادر السياسية المعارضة المتمرسة في النضالات العلنية، ذلك أن معظم قيادات العمل السياسي الحالية تربت في أحضان حلقات العمل السري الذي فرضته عليهم مستتبعات قانون أمن الدولة. ومن ثم فهناك حاجة ماسة إلى إعطاء فترة زمنية ليست قصيرة تكفي لبروز قادة سياسيين متمرسين في فن إدارة العمل السياسي المعارض، ذي الأهداف الوطنية الديمقراطية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2608 - الإثنين 26 أكتوبر 2009م الموافق 08 ذي القعدة 1430هـ
من نصدق
السؤال هل هناك ثقة في القيادات الوطنية فى الوقت الحاضر \بعد ان كانت في قمة الثورية و التطرف و الطفولية اليسارية وضاع مستقبل اناس كثيرين اتبعوهم ولا يسالون عنهم الان \هؤلاء الان عدا نفر قليل منهم \و يجبرنا على الابتسام من اصبح يفتي في شئون المساجد وغيرة يتفاخر بمشاريعة ومنجزاتة البرجوازية وكأنة سيجعلها وقفا على العمال و الطبقة الكادحة ورئيس احد الجمعيات الثورية البارز في كشف الفساد يتشارك مع احد الثوريين الفاسدين عن طريق ابنة للتغطية في شركة بالملايين \
مواطن
المقاطعه اصبحت ورقه محروقه والمشاركة في ظل برلمان مكون من كتل طائفية لا تخدم المواطن ولا تلبي طموحه اصبح برلمان شكلي فقط .....