العدد 2606 - السبت 24 أكتوبر 2009م الموافق 06 ذي القعدة 1430هـ

سمير أمين يستحق جائزة ابن رشد (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يجمع سمير أمين بين العمق في التحليل، والغزارة في الإنتاج واستمراريته، فقبل أيام، رغم بلوغه 77 عاما، صدر عن دار «الثقافة الجديدة» كتابه الجديد «اشتراكية القرن».

ويطرح سمير أمين في هذا الكتاب، وكما جاء في مراجعات له نشرت على أكثر من موقع على الإنترنت، تساؤلا استراتيجيا صريحا يصل إلى مستوى التحدي، يقول فيه «هل الاشتراكية مجرد حلم طوباوي يستحيل تحقيقه»؟

ولا يترك أمين القارئ ضائعا بل يرد على ذلك بالقول «إن الاشتراكية لم تفشل، ليس فقط لأن الاتحاد السوفياتي لم يكن اشتراكيا، وإنما أيضا لأن الرأسمالية مرحلة عابرة في التاريخ وفى القرن العشرين، وهو قرن الموجة الأولى وليست الوحيدة لمحاولة بناء الاشتراكية. ونحن في مرحلة الشيخوخة الرأسمالية وتنفيذ مشروع السيطرة الأميركية على الكوكب».

تسلط سارة علام في مراجعتها للكتاب ذاته المزيد من الأضواء على محتوياته فنجدها تقول، إنه حسب أمين فقد تحولت «الرأسمالية إلى البربرية وإنها تندفع مباشرة إلى الإبادة الجماعية، وأصبح من الضرورى أن يحل محلها منطق آخر، طالما ترغب فى بناء عالم مؤسس على التضامن بين البشر لا المنافسة».

هذا يؤكد تمسك أمين الإيدلوجي بالفكر الماركسي، رغم كل الانتقادات التي تعرضت لها هذه النظرية، ورغم فشل الاتحاد السوفياتي في بناء دولة اشتراكية، دع عنك إقامة المجتمع الشيوعي الذي بشر به كارل ماركس، وحاول تجسيده فلاديمير لينين.

لكن أمين، ورغم حرصه الشديد على الغوص عميقا في القضايا النظرية الاقتصادية، كما قرأنا ذلك في مراحل مبكرة من حياته الإنتاجية، في كتب مثل «التراكم على الصعيد العالمي»، و»التبادل غير المتكافئ» و»قانون القيمة»، والتطور اللا متكافئ، نجده يولي أهمية خاصة للأوضاع السياسية العربية. فواحد من أهم كتبه التي تعالج الوضع العربي هو المعنون «في نقد الخطاب العربي الراهن»، عن دار العين الذي يضع فيه أمين البلاد العربية تحت منظار مفكر جمع بين الخلفية الاقتصادية المتينة التي تزوده بها مؤهلاته الأكاديمية، فهو خريج جامعة السوربون الفرنسية، المعززة بخبرته السياسية الغنية التي استقاها من تجاربه في الحزب الشيوعي الفرنسي، وقبل ذلك في المنظمات السياسية المصرية.

في هذا الكتاب، والذي هو يرتكز أساسا على أربع دراسات سبق للمؤلف أن أصدرها كأوراق عمل في فعاليات شارك فيها، يرد أمين على الخطاب العربي في سياقه السياسي، دينيا كان أم رأسماليا أم ماركسيا.

وفي إطار تناوله للخطاب العربي يحاول أمين أن يعيد للماركسية شيئا من بريقها، فنجده يعود إلى «الأصول»، ويبحث في «المفاهيم»، الأمر الذي يدفعه، قبل الولوج إلى الخطاب العربي، إلى التمهيد بمقدمة تبحث، ومن منظار ماركسي نظري التحولات التي شهدها العالم على امتداد نصف القرن الماضي، وعلى وجه الخصوص منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ودخول العالم ما يطلق عليه أمين «نفق القطب الواحد المظلم».

وبعد أن يساوي أمين بين «العولمة» والإمبريالية، لا ينسى، وكعادته، أن تثير استنتاجاته قضايا حية قابلة للجدل، حيث يختلف أمين بشكل واضح يصل إلى مستوى السخرية من كل الأطروحات التي ترى في ثورة الاتصالات والمعلومات قد وفرت «للفرد هامشا أوسع للحركة والتفاعل». لكنه بعد أن يقدم نقده اللاذع لتلك الأطروحات، نجده، وتعد هذه سابقة في منهج أمين، يترك القارئ دون حل ملموس يعين هذا القارئ على تحديد ماهية القوى التي ستمارس الدور الطلائعي، كي يضع البديل التاريخي، للوضع السيء الذي أوصلته إليه الرأسمالية، أو العولمة، حسب توصيف أمين.

ومن الإطار العالمي ينتقل أمين إلى الإطار العربي كي يضع القارئ أمام مأزق تاريخي آخر، فبينما يتفق أمين، وبشيء دقيق من التميز، مع القوى السياسية القومية في إطروحاتها القائمة على «حتمية الوحدة العربية وضرورتها»، نجده يقف موقفا مناقضا لها، في طرق الوصل لتلك الوحدة، إذ يكرر في أكثر من مكان في ذلك الكتاب، أن ذلك لايمكن أن يتم دون الخروج من ربقة النظام الرأسمالي. لكن القارئ يجد أمين، مرة أخرى، قد تركه دون ان يزوده بما تحتاجه تلك القوى كي تحقق ذلك الهدف، والذي هو الوحدة العربية.

وفي ندوة استضافتها «دارالعين»، (الناشر)، لمناقشة ذلك الكتاب، وضمت المؤلف، ولفيف من المثقفين العرب من أمثال السيد يس، ونبيل علي، وجلال أمين، ومحمود عبدالفضيل، استهل أمين اللقاء كما تنقل سارة علام قائلا، لقد «حاولت فى هذا الكتاب أن أقدم نقدا للخطاب الرأسمالى السائد وقراءتى لهذا الخطاب الأيديولوجى البحت الذى يسعى للهروب من التحديات الثقافية وإحلال محله خطاب عام مجرد حول الرأسمالية الخيالية المرادفة لنظرية الأسواق المعممة، وأضاف: وظيفة هذا الخطاب هو الهروب من هذه التحديات، والخطابات العربية مثل الإسلام السياسى والقومية العربية تهرب أيضا لذلك يتماشون معا فى خط متوازٍ».

ومن أهم المداخلات في ذلك اللقاء، كانت مداخلة محمود عبد الفضيل، الذي أشار بوضوح من «أن الكتاب، على الرغم من حجمه الصغير يلخص فكر سمير أمين، ولكن هناك بعض القضايا تحتاج إلى تمحيص مثل الخطاب الدينى ودوره فى الثورة الجزائرية، إضافة إلى أن أمين يعطي بعض التعميمات المتسرعة».

باختصار استحق سمير أمين الجائزة، ولم تحجبها عنه أية «مؤامرات» كما حاول غيره من الخاسرين العرب في مؤسسات عالمية أخرى، أن يبرروا فشلهم وعدم استحقاقهم لما حاولوا الوصول له

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2606 - السبت 24 أكتوبر 2009م الموافق 06 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً