بين الحين والآخر تطفو على السطح هموم ذات علاقة بمشكلات التعليم في البحرين، وغالبا ما تنتهي إلى الحديث عن سبل معالجة تلك الحلول، وطرق وضع حد لتلك المشكلات.
يغلب على مثل تلك الأحاديث والوعود طابع المعالجة السطحية التي تتوقف كثيرا وطويلا أمام «الأعراض»، عوضا عن الغوص عميقا، من أجل تلمس الأسباب وجذورها.
الخلاصة الوحيدة التي يتفق عليها العرب اليوم، وتعترف بها المنظمات العربية المتخصصة مثل «الأليكسو»، هي أن هناك تراجعا ملموسا غير مبرر في مستويات التعليم في البلاد العربية وترديا في مخرجات مؤسساته التي تنتجها. وما يبثه المواطن البحريني من هموم، وما يشير إليه العديد من المسئولين قريب، إلى درجة كبيرة، مما يتردد في البلاد العربية الأخرى التي يمكن تشخيص المشكلات التعليمية التي تعاني منها في الأسباب التالية:
1. شحة الموارد المالية، سواء كان ذلك بالمطلق أو بشكل نسبي، إذ إن هناك بعض الدول العربية، ومن بينها البحرين التي من الصعب عليها تخصيص الرساميل المالية الضخمة التي تحتاجها الموازنات التعليمية الآخذة بالمناهج الحديثة.
تبرز ضخامة تلك الأرقام عند تحديد أكلاف البرامج، وطرق تطبيقها، والبنى التحتية الكفؤة التي تحتاجها لتسيير أعمالها، وأداء وظائفها على النحو المطلوب.
لا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام سوق التبريرات لتبرئة ذمة السلطات، بقدر ما نحاول تشخيص حقيقة قائمة تقول إن التعليم، كي يرقى إلى ما ينبغي أن يصل إليه، بحاجة إلى موازنات تفوق كثيرا ما تخصصه له اليوم أي من الحكومات العربية، بما فيها تلك الغنية والمتخمة بالدخول النفطية.
2. تردي أوضاع البنى التحتية التقليدية التي تستخدمها المؤسسات التعليمية، من أبنية، وطرق مواصلات، وغياب تلك الحديثة التي تتمثل في قنوات الاتصالات، إذ إن الكثير من تلك البنى التقليدية تجاوزت عمرها الوظيفي فلم يعد في وسعها الاستمرار في مساعدة أي من أعمدة التعليم الثلاثة ذات العلاقة: مدرس، طالب، إدارة من أداء وظائفها.
والأمر يصبح أشد سوءا عند الحديث عن تلك الحديثة، حيث يتعذر الحديث عن توفرها في الكثير من تلك المؤسسات التعليمية، وفي حال توفرها، إما أن تكون طاقتها الإنتاجية دون المستوى المطلوب، أو غير قادرة على تلبية احتياجات البرامج التعليمية الحديثة، وخاصة تلك التي تقوم على المحتوى الإلكتروني الديناميكي/ التفاعلي.
3. بلى المناهج التعليمية، التي لا يزال الكثير منها، وخاصة العلمية وذات العلاقة بتقنية المعلومات، يدور في فلك مواد تعليمية يعود تاريخها إلى القرن الماضي، إن لم تكن أكثر قدما من ذلك.
الأمر لا يقل سوءا عند الحديث عن مواد العلوم الاجتماعية والإنسانية، حيث يشوبها الكثير من التزوير، أو تشوّهها العديد من المحرمات.
4. تشظي المناهج التعليمية، المفتقدة لنظرة متكاملة، تجسدها استراتيجية تعليمية ديناميكية قادرة على رؤية وتلمس تلك الروابط القوية، التي لا تلتقطها النظرة السطحية للأمور، بين مواد العلوم النظرية والتطبيقية من جهة، والدراسات الاجتماعية والإنسانية من جهة ثانية.
أخطر مساوئ النظر التجزيئية السطحية هي تشطيرها لأداء المؤسسة التعليمية، ومن ثم تشظية مخرجاتها.
تبرز الحاجة هنا إلى خطة تعليمية متكاملة تضع حدا لذلك التشظي وتعالجه من زاوية استراتيجية طويلة المدى وليست ترقيعية قصيرة المدى.
5. عشوائية المخرجات التعليمية، التي لا تدرس احتياجات السوق، وفي بعض الأحيان تأتي متناقضة معها.
إن أحد معايير جودة التعليم، هي تناغم مخرجاته مع احتياجات سوق العمل المحلية، وفي الحالات الراقية مع تلك الإقليمية، وقدرتها على تشبيع تلك السوق بالكادر المحلي، الذي لا يحافظ على الموارد المالية للبلد المعني فحسب، بل يحول دون استنزافها من قبل الخارج على يد قوى العمل الأجنبية.
ما يدفعنا إلى إبراز موضوع التعليم والمشكلات التي تواجهه والثغرات التي يعاني منها هو إدراكنا للأهمية التي يحتلها التعليم في حياة الأمم وتطورها، ولكونه القاعدة الصلبة التي ترتكز عليها أية عملية تنموية تطمح إلى الارتقاء بالمجتمع وتعزيز حضور تلك الأمة في المحافل الدولية.
وللتأكيد على ما قامت به الولايات المتحدة، عندما أدركت في مطلع الثمانينيات بتخلفها الصناعي والتنموي، فأوعزت إلى فريق من العلماء الأميركان ممن كانت لهم علاقة مباشرة بالعملية التعليمية والتربوية، وصدر عن ذلك الفريق التقرير المُعنون «أمة في خطر»، « “A Nation At Risk” في العام 1983.
هذا يقودنا إلى نتيجة مهمة أن معالجة المسألة التعليمية أعقد بكثير من طموحات فردية، ومعالجتها لا تأتي، كما ذكرنا، بالاكتفاء بالوقوف عند السطح بل الغوص إلى قلب المشكلة والوصول إلى لبها. حينها فقط بوسعنا وضع الحلة المناسبة البعيدة عن التمنيات الفردية، والمنطلقة من صلب الواقع المر الذي تعيشه اليوم العملية التعليمية العربية، وليست البحرين، وللأسف الشديد بعيدة عنها، بل لربما كانت في القلب منها، وتعاني من أسوأ أعراضها.
ولعل تلك الأعراض بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وخاصة بالنسبة لنا في البحرين، من أجل التوصل إلى حلول بشأنها، لأن الزمن يسير بشكل مضاد لتلك الحلول إن لم تأت في وقتها المناسب، وعلى النحو المؤسساتي المناسب.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2601 - الإثنين 19 أكتوبر 2009م الموافق 01 ذي القعدة 1430هـ