العدد 260 - الجمعة 23 مايو 2003م الموافق 21 ربيع الاول 1424هـ

يوم التحرير

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غدا يحتفل لبنان بالذكرى الثالثة للتحرير. ففي يوم 25 مايو/أيار 2000 قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة إيهود باراك (حزب العمل) الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي احتلت على دفعتين: الأولى في مارس/ آذار 1978 وصولا إلى حدود نهر الليطاني. والثانية قي يونيو/ حزيران 1982 وصولا إلى بيروت.

معركة التحرير كانت من الحروب الكبيرة التي خاضها الشعب اللبناني مدعوما من سورية والفلسطينيين وجرت في سياقات مختلفة إلى أن انتهت بقيادة حزب الله وفي عهد الرئيس الحالي إميل لحود.

عناوين التحرير كثيرة، كذلك عناوين الاحتلال. و«إسرائيل» على عادتها لا تعلن أهدافها من الاحتلال بل تعمد إلى تغطيتها تحت شعارات أمنية مثل «سلامة الجليل» أو منع تساقط «صواريخ كاتيوشا» على المستوطنات الشمالية. «إسرائيل» كعادتها لا تقول انها دولة محتلة ولديها المزيد من الأطماع في الأرض والمياه والاستيطان بل انها تطرح دائما شعارات أمنية (دفاعية) لسياستها الهجومية والاحتلالية.

تذرعت «إسرائيل» بالوجود الفلسطيني في لبنان وربطت عدوانها بذلك الوجود الذي ادعت انه يهدد أمنها وسلامتها وقررت بناء على تلك الذريعة الرد بالقصف الجوي على المدنيين في الجنوب وبعض المناطق اللبنانية والمخيمات الفلسطينية للضغط سياسيا ونفسيا على أهالي القرى والمدن وكذلك الدولة بهدف إثارة الحساسيات والفتن الداخلية. ونجحت «إسرائيل» بداية في زرع الشقاق بين «الفلسطيني» و«اللبناني» ثم بين «المسلم» و«المسيحي»، ثم حفرت خنادق من العداوات السياسية بين «الدولة اللبنانية» و«منظمة التحرير».

القصف الإسرائيلي البعيد المدى والغارات الجوية على المخيمات والقرى والمؤسسات وصولا إلى استهداف مطار بيروت الدولي وغيره من محطات ماء وكهرباء... أثمر في النهاية تشكيل قوة ضغط محلية تطالب بمعاقبة الفلسطينيين (الغرباء) أو محاصرتهم في مخيماتهم ومنعهم من القيام بعمليات فدائية ضد القوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية.

وحين وجدت «إسرائيل» نفسها في موقع القوة المسيطرة اتجهت نحو زيادة ضغوطها السياسية والأمنية ورفعت درجة اعتداءاتها المتكررة واليومية على المخيمات والقرى وسكان المدن والأحياء الشعبية لإثارة المشكلات الداخلية ونقل المعركة من الحدود الدولية إلى الداخل اللبناني.

وأدت السياسة التدخلية الإسرائيلية في الشئون اللبنانية إلى إطلاق موجة من المواجهات الدموية في الكثير من المدن والمناطق من صور في الجنوب إلى طرابلس في الشمال وأخيرا في بيروت.

وتطورت المواجهات المحلية إلى أن اتخذت بُعدها الطائفي فاندلعت معارك متفرقة في ابريل/ نيسان 1968 إلى مايو/أيار 1973 وانتهاء باندلاع القتال الكبير في أبريل/ نيسان 1975 وانفجار الحرب الأهلية.

وتحت مظلة الحروب الأهلية - الإقليمية جرت أمور كثيرة اتصفت بالعنف والقصف العشوائي واجتياح المناطق المدنية وقتل الأبرياء والخطف على الهوية ولم تسلم من تلك المعارك الدموية منطقة أو مؤسسة أو عائلة. فالكل دفع الثمن ووقفت «إسرائيل» تراقب من بعيد وأحيانا من قريب نتيجة سياستها التدميرية التي نسجتها بهدوء وباسم «الأمن» وحماية الحدود.

لم تكتفِ «إسرائيل» بهذا القدر من الدمار بل لجأت إلى مزيد من التدخل المباشر مستفيدة من الضعف العربي وزيارة الرئيس المصري السابق أنور السادات وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد وخروج القاهرة من دائرة الصراع الأمر الذي انعكس سلبا على جامعة الدول العربية ورمى بثقله على «الجبهة الشرقية» وتحديدا لبنان الذي كان يشكّل نقطة ضعف في تلك الجبهة.

أرادت «إسرائيل» من خلال ضغطها على لبنان تحويل جبهته الجنوبية إلى ثغرة استراتيجية تنفذ منها لتطويق سورية وجرّ بيروت إلى توقيع معاهدة سلام على غرار ما حصل في مصر. وبسبب تلك السياسة الإسرائيلية تحول الصراع على لبنان إلى مواجهات عامة تداخلت فيها القوى دوليا وإقليميا وتحول الاقتتال الأهلي إلى خنادق ومعسكرات إقليمية ودولية لاختبار القوى وتجربة الأسلحة وغيرها من مدارس لها صلات بالأيديولوجيات والمعلومات والإرادات.

وفي ظل هذا الصراع العام كشفت «إسرائيل» عن أهدافها الحقيقية فانتقلت من موقع الدفاع الأمني إلى الهجوم الاستراتيجي فكان اجتياح لبنان في يونيو/حزيران 1982 وحصار بيروت وإخراج قوات منظمة التحرير وإعادة المخيمات إلى ما كانت عليه قبل 1975.

إلاّ ان نجاح «إسرائيل» في معركتها العسكرية لم يثمر سياسيا. فهي فشلت في إجبار لبنان على توقيع معاهدة سلام مع تل أبيب وكذلك لم تنجح في وقف المقاومة. فخروج قوات منظمة التحرير في سبتمبر/أيلول 1982 أحدث بداية فراغات أمنية وسرعان ما نهضت قوة لبنانية محلية لمواجهة الاحتلال واستمرار العدوان.

ومنذ العام 1982 بدأ العالم يسمع باسم حزب الله. وتحت قيادة الحزب أخذت روافد المقاومة تتجمع تحت راية واحدة، هي كسر إرادة الاحتلال وإخراج القوات الإسرائيلية من لبنان... إلى أن كان يوم 25 مايو/أيار 2000.

استفاد حزب الله كثيرا من تجارب المقاومة التي سبقته وعمد منذ تأسيسه إلى تجنب الأخطاء والحد من السلبيات والتقليل من الخسائر المدنية وعدم التدخل في الصراعات الأهلية وتوحيد المشاعر وربطها بقضية مركزية واحدة: تحرير الجنوب من الاحتلال.

إلى ذلك أسهمت سلسلة عوامل في تثبيت المقاومة وتحسين شروط المواجهة مع الاحتلال تمثلت في صدور قرار دولي يطالب «إسرائيل» بالانسحاب من دون قيد أو شرط (القرار 425) وتماسك الموقف الإقليمي على دعم لبنان في معركة التحرير وظهور موقف رسمي تمثّل في اعتبار عمليات المقاومة، عمليات لبنانية تعكس رأي الدولة وتوجهها العام.

هذه المواقف الدولية والإقليمية والرسمية وحدّت الجبهة الداخلية وعزلت الفتنة الأهلية عن الهدف السياسي الوطني المشترك وقللّت من الأخطاء وحاصرت الفئات التي تريد اللعب بالأوضاع الداخلية.

وعلى رغم ردود فعل «إسرائيل» التدميرية واتباعها مرارا أساليب الأرض المحروقة، كما حصل في العامين 1993 و1996، لم تنجح تل أبيب في كسر إرادة المقاومة وتخويف الدولة وثنيها عن مطالبتها بتطبيق القرار 425 من دون قيد أو شرط.

وبسبب الممانعة اللبنانية تحوّل احتلال الجنوب إلى مشكلة داخلية إسرائيلية بعد أن كان سابقا مشكلة داخلية لبنانية... الأمر الذي دفع حزب العمل إلى رفع شعار الانسحاب جزءا من برنامجه الانتخابي ضد منافسه الليكود. وصوّت الجمهور الإسرائيلي لمصلحة حزب العمل وبرنامج الانسحاب. فكان يوم النصر للبنان ويوم هزيمة الاحتلال لتل أبيب.

غدا يحتفل لبنان بالذكرى الثالثة للتحرير... إلاّ ان الاحتفال يأتي هذه المرة في ظروف صعبة إذ ان «كتلة الشر» في واشنطن تهدد من جديد ليس باجتياح لبنان بل باجتياح المنطقة من الفرات إلى النيل.

انها معركة عسكرية كبيرة وأهم ما فيها أن تنجح المنطقة في تجاوز نتائجها السياسية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 260 - الجمعة 23 مايو 2003م الموافق 21 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً