أفصحت وزارة الخارجية الإسرائيلية، بشكل متعمد، عن مشاركة وفد إسرائيلي رسمي في «اجتماعات اللجنة الإدارية للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) التي بدأت مؤخرا في العاصمة الإماراتية (أبوظبي)». وكما جاء على موقع وزارة الخارجية «الإسرائيلية»، فإن المشاركة كانت «بعضوين هما مديرة حقوق الإنسان والمنظمات الدولية بوزارة الخارجية سيمونا هلفرين، المسئول في وزارة البنى التحتية، وإبراهام أربيف». وبوسع المتابع لتطورات الصراع العربي - الإسرائيلي فهم الدوافع الكامنة وراء مسارعة أجهزة الإعلام الإسرائيلية، إلى الترويج لهذه المشاركة، واعتبارها مكسبا جديدا تحققه الدبلوماسية الإسرائيلية، وعلى قدم المساواة استيعاب الأسباب التي تقف وراء محاولات الدبلوماسية الإماراتية تبرير هذا الاستقبال، كما ورد على لسان مساعد وكيل وزير الخارجية الإماراتي عبدالرحيم العوضي حين قال: «إن مشاركة الدول الأعضاء في الاجتماعات هي جزء من التزامات دولية لا ترتب على الدولة المضيفة أية تبعات فيما يتصل بعلاقاتها الدبلوماسية أو غيرها».
في البدء لابد من التأكيد على أن هذه ليست المرة الأولى يثار فيها موضوع مشاركة «إسرائيل» في فعالية دولية تقام في دولة الإمارت، فقبل اجتماع «إيرينا»، كانت هناك بطولة «باركليز» المفتوحة لتنس الرجال، عندما وافقت السلطات الإماراتية على منح لاعب التنس الإسرائيلي آندي رام، إذنا للدخول للمشاركة في تلك البطولة، وحينها صرح مسئول بوزارة الخارجية الإماراتية، مبررا تلك الخطوة بأنها جاءت في نطاق «التزام الإمارات بتنظيم الأحداث والفعاليات الرياضية والثقافية والاقتصادية الدولية، دون وضع حواجز أمام مشاركة أفراد من سائر الأقطار الممثلة في الأمم المتحدة».
في حقيقة الأمر ومن المنظور التاريخي، لم يكن موضوع الاعتراف بدولة «إسرائيل» من قبل الطرف العربي، وعلى قدم المساواة اعتراف «إسرائيل» بدولة فلسطينية مطروحا على بساط البحث، حتى تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و «اسرائيل» في سبتمبر/ أيلول 1978، وما تلاها من معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في مارس/ آذار 1979. ثم تتالت الأمور وبرزت مسألة الاعترافات المتبادلة عندما بدأت أعمال مفاوضات معاهدة وادي عربة بين الأردن و «إسرائيل» في أكتوبر/ تشرين الأول 1993.
لذلك فمن الطبيعي أن يكون موضوع الاعتراف الرسمي بالدولة العبرية نقطة مفصلية في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي، ولذلك وجدناه يأخذ حيزا واسعا من برنامج القوى العربية، وعلى وجه الخصوص الفلسطينية منها، بمن فيها تلك التي دخلت في مفاوضات مباشرة مع «إسرائيل»، في كامب ديفيد، أو في أوسلو أو حتى في مدريد. وبالمقابل تحظى هذه المسألة باهتمام كبير في صفوف القوى الصهيونية سواء تلك التي في سدة السلطة أو على مقاعد المعارضة. وحول مواقف هذه الأخيرة - أي القوى الصهيونية - يمكننا العودة إلى خطة التسوية ذات النقاط الخمس التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي على مجلس وزرائه في إحدى جلساته الاعتيادية في مطلع شهر أغسطس/ آب 2009، حين أكد أن «إسرائيل» «تنتظر من الفلسطينيين الاعتراف بدولة «إسرائيل» كدولة قومية للشعب اليهودي في إطار اتفاق السلام، وأن مشكلة اللاجئين لا يتم حلها في مجال دولة «إسرائيل» وإنما في دولة فلسطينية منزوعة السلاح برعاية دولية». هذا يعني أن قضية الاعتراف هي ملف ساخن في المشروع الصهيوني، بقدر ما هو ملف حساس لدى الطرف العربي.
هذا الأمر يقودنا إلى المشروعات المختلفة بشأن حل ما أصبح يعرف بمشروع «حلّ الدولتين»، والذي كان أول من أطلقه لقاء بوش - شارون، ثم وجدنا الثنائي أوباما - ميتشل يتبناه بشكل شبه مطلق. ومن وجهة النظر العربية، فإن حل الدولتين، وكما يقول المفكر الفلسطيني منير شفيق، يعني فيما يعني «الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني متضمنا الاعتراف بأنها دولة اليهود أو للشعب اليهودي، بما يعنيه ذلك من توجيه ضربة قاضية لكل عدالة القضيَة الفلسطينية وللتاريخ الفلسطيني والحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في فلسطين. وذلك إلى جانب ما يتضمّنه من تجريد عرب الـ48 من حقوقهم فوق أرضهم ليحوّلهم إلى مقيمين على أرض الشعب اليهودي تمهيدا لتهجيرهم».
ثلاث مسائل يغفلها الكثير من الأطراف العربية ذات العلاقة بمشروعات التسوية: الأولى أن طبيعة هذا الصراع تفرض حلولا طويلة المدى، ينبغي أن تقرأها ذهنية المفاوض العربي، التي لا تزال حتى الآن ذات أفق قصير المدى، ويصعب عليه رسم الخطط وبناء التحالفات ذات الأفق البعيد. أما المسألة الثانية وهي أن موازين القوى على ساحة الصراع متحركة بشكل ديناميكي سريع، الأمر الذي يتطلب من الطرف العربي ردود فعل سريعة، ليست آنية ولا عفوية، وإنما متأنية ومدروسة. أما الثالثة، فهي ذلك المزج المبدع الخلاق بين النضال السياسي والمعارك المسلحة من أجل تحقيق الأهداف السياسية الاستراتيجية.
وإلى أن يدرك المفاوض العربي خلفيات نسيج هذه المسائل الثلاث، تبقى المشاريع العربية، بما فيها تلك التي تدعو للاعتراف بالعدو الصهيوني، عسكرية كانت أم سياسية، مجرد ردود فعل عفوية نتائجها محكومة بردود فعل العدو، أكثر من قدرتها هي على خلق حقائق على الأرض تساهم في تغير موازين القوى لصالح هذا المفاوض أو لترجيح كفته. وهذا الأمر هو الذي يفسر كون المشروعات العربية موجهة أساسا للاستهلاك الداخلي العربي، بدلا من انطلاقها نحو ساحة الصراع الحقيقية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2598 - الجمعة 16 أكتوبر 2009م الموافق 27 شوال 1430هـ