أمام مؤتمر وزاري هو الأول من نوعه يعقد في بروكسل، كشف وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي أنور محمد قرقاش عن توقعاته بأن يصل إنفاق دول مجلس التعاون الخليجي على الطاقة المتجددة خلال العام 2009 «سبعين مليار دولار نصفها مخصص لمجالات الماء والكهرباء».
ودعا الوزير الإماراتي إلى تضافر الجهود الدولية للتحكم في التغيرات المناخية التي لم تعد قضية محلية، محذرا من أن الإخلال بالتعاون الدولي في هذا المجال من شأنه أن يقود إلى كارثة تفشل أمامها المساعي العالمية الهادفة إلى تقليل «انبعاث ثاني أكسيد الكربون».
ويبدو أن قرقاش يروج لبرنامج دولي تحاول حكومة أبوظبي أن تنفذه مع مجموعة من دول الشرق الأوسط وأخرى عالمية، ومن خلال التنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ففي مطلع العام 2008 أعلنت حكومة أبوظبي عن «توسيع برنامج دولي أنشئ لمساعدة 13 بلدا ناميا على فهم مدى وأبعاد مصادر الطاقة القابلة للتجديد من مثل طاقة الريح والشمس، وذلك عن طريق إضافة معطيات وبيانات أخرى عن الطاقة القابلة للتجديد إلى قاعدة معلوماتها العامة المتسّعة والمجانية الخاصة بالطاقة».
تأتي هذه المبادرة الإماراتية في سياق توجه عالمي يهدف إلى البحث عن بدائل لمصادر الطاقة التقليدية من جهة، وإلى إيجاد مصادر مختلفة قابلة للتجدد من جهة ثانية. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 أعلن وزير المياه والاتصالات الماليزي شازيمان أبو منصور أن بلاده «بصدد اعتماد خطة تفعيل وسياسة الطاقة القابلة للتجديد كي تساهم بشكل أكبر في زيادة أنواع الوقود الوطنية، (مضيفا) بإن العائق الرئيسي لاستخدام المزيد من الطاقة المتجددة هو تكلفة تطويرها».
لكن لابد من الإشارة هنا إلى أن التقدم الذي عرفته التقنيات المستخدمة في توليد الطاقة من مصادر جديدة قابلة للتجدد، ستحول النفط وكذلك الغاز الطبيعي، إلى مصدر مؤقت من مصادر الطاقة، نظرا لكونهما من مصادرها القابلة للنضوب، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالجوانب الصناعية، البعيدة عن الاحتياجات الفردية.
يحذر من هذه المسألة المتخصص في شئون الطاقة البديلة المهندس يوسف الإبراهيم، حيث يورد أرقاما، في هذا المجال- تثير الخوف وتدعو لأخذ الحيطة- إذ إنها تكشف، وفقا لإحصائيات عامي 2003 و2004 العالمية، بأن «مجمل ما يملكه العالم من مخزون نفطي يقدر بنحو 1200 مليار برميل.
ومن المعلوم بأن المخزون القابل للإنتاج حاليا من الحقول النفطية يتراوح مابين 14 و 35 في المئة من مجمل المخزون المؤكد وفقا لعوامل كثيرة أهمها الخواص الخزنية للطبقات المنتجة وجودة النفط نفسه. وحتى لو طبقت أحدث طرق الاستثمار العالمية فإنه لن يتجاوز وقد لايصل إلى 50 في المئة. فلو أخذنا ذلك بعين الاعتبار لتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن النفط سوف يجف وينتهي نهائيا خلال الخمسة والعشرين أو الثلاثين عاما المقبلة، أما مخزون الغاز الطبيعي عالميا فيقدر بنحو 6805 تريليونات قدم مكعب، يمكن إنتاج حتى 80 في المئة منها.
وبذلك قد يتمكن العالم من إنتاج نحو 5000 تريليون قدم مكعب. ويعني هذا بأن الغاز الطبيعي قد يدوم لمدة تقرب من الخمسين عاما، لأن العالم يستهلك نحو 100 تريليون قدم مكعب سنويا، بالنسبة للمخزون الفحمي العالمي فيقدر بنحو ألف مليار طن يستهلك منها سنويا مايعادل 5.5 مليارات طن. ويعني هذا بأن الفحم الحجري قد يكفي لمدة تزيد عن 150 عاما وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية. إلا أن الفحم لايمكن أن يشكل بديلا كاملا لا للنفط ولا للغاز الطبيعي في استخداماتهما المختلفة».
هذا يعني أن إعتماد العرب أو اتكالهم على ما بحوزتهم من مصادر للطاقة، بالإضافة إلى كونهم لايتحكمون، كما ينبغي في كميات إنتاجها، فهي على أبواب النضوب في المستقبل المنظور.
ولكي نعرف مدى اتساع نطاق استخدام الطاقة المتجددة، يكفي أن نعرف، كما يقول موقع «سيريا نيوز»، وهو أحد الوسائل الإعلامية التابعة لمجموعة «داش دوت» الإخبارية بأن هناك «أكثر من40 مليون منزل في العالم يستخدم الطاقة المنتجة بواسطة الوسائل الحرارية الشمسية.
وهناك عشرات الملايين من الأبنية التي تسخن مياهها وتدفئ غرفها بواسطة الطاقة المستخرجة من الأشعة الشمسية والكتل البيولوجية والحرارة الجوفية. وأن التكنولوجيا الأسرع في تطورها عالميا هي التي تعتمد على إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الألواح الشبكية الضوئية الشمسية، حيث تطورت بمعدل 60 في المئة سنويا منذ العام 2000 وحتى العام 2004. وقد انتشرت هذه الألواح فوق سطوح أكثر من 400 ألف منزل في اليابان وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. وكان الإنتاج بهذه الطريقة في بداية العام 2000 يساوي 160 ميغاواطا ووصل إلى 1800 ميغاواط في نهاية عام 2004».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الانشقاق النووي هو أحد مصادر الطاقة المتجددة الذي بات مستخدما على نطاق واسع، لكن مشكلته الأساسية أنه لايزال يعتبر مصدرا كبيرا من مصادر التلوث جراء ما ينفثه من فضلات تحافظ على سمومها للآلاف السنين، ولا تزال محاولات تفتيت، أو تذويب تلك السنين في مراحل تجريبية بدائية. ولا تخرج الضجة التي أثارها ملف البرنامج النووي الإيراني، في بعض جوانبها، عن بعض أشكال النزاع على مصادر الطاقة المستقبلية المتجددة.
جميل جدا أن نسمع أن هناك 70 مليار دولار مخصصة لإيجاد بدائل للطاقة المتجددة، لكن السؤال، كيف بوسع من هو غير قادر على الحفاظ أو الاستخدام المتوازن لطاقته الناضبة التي بحوزته أن يخطط لطاقة بطيئة، لا تزال الأبحاث بشأنها في مراحلها الجنينية وفي غرف مختبرات لم نعرف طريقنا إليها؟
غيرنا يعرف أكثر منا. إن المليارات، مهما بلغت، ليست وحدها قادرة على توليد مصادر الطاقة المتجددة، وهو الشيء المهم الذي على العرب أن يجدوه
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2592 - السبت 10 أكتوبر 2009م الموافق 21 شوال 1430هـ