تخللت مجموعة من العناوين الاستراتيجية ما جاء في البيان الختامي الصادر عن الزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل السعودي إلى دمشق، وزخرت بعبارات من نمط «حرص البلدين على دفع العلاقات (بينهما) قدما لتسهم في مواجهة التحديات التي تعترض سبل العرب جميعا في بلدان عربية عدة، وخصوصا في فلسطين المحتلة والقدس الشريف، وتعميق رغبتهما في تجاوز جميع العوائق واستمرار التنسيق بين بلديهما من خلال البناء على ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية، وفتح آفاق جديدة تفضي إلى تعاون وثيق ليصب في مصلحة الشعبين». عبارات استراتيجية، ذات أهمية محورية في العلاقات العربية - العربية، والعربية - الإقليمية على حد سواء.
لكن، وكما يتضح مما رشح من أخبار حول تلك الزيارة، يعتقد أنها تمحورت أساسا حول الملف اللبناني حيث دعت السعودية وسورية في ختام زيارة الملك عبدالله الى سورية إلى «الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان»، التي يبدو أن المكلف بتشكيلها سعد الحريري، غير قادر، جراء الاختلاف السوري - السعودي، على الوصول إلى حل عملي يخرجه من أزمة تشكيلها.
ليس هناك من ينكر أهمية انتشال لبنان من واقعه السياسي المأساوي، لكن أن يكون الملف اللبناني، هو ما تمخضت عنه القمة السعودية - السورية، وأن القرار العملي الوحيد الذي سيأخذ طريقه إلى التنفيذ، سواء على المستوى القصير أو المتوسط هو الإسراع في تشكيل الحكومة اللبنانية، فهذا يعني أن طموحات القمة الثنائية قد تراجعت عن حجمها العملاق الذي وضع خريطة قضايا الشرق الشرق الأوسط على طاولتها، كي تتحول، وبقرار ذاتي منها، إلى قزم لا تستطيع نظرته أن تتجاوز أزقة بيروت التي ستغرقه، كما أغرقت غيره، في أوحالها.
قد تكون الصدفة وحدها هي التي تجعل القمة تنعقد في أكتوبر/ تشرين الأول، كي تذكرنا بالدور التاريخي الذي مارسته الرياض، وكانت حينها تحت حكم الملك فيصل بن عبدالعزيز، ومن خلال تفاهمها الاستراتيجي مع دمشق بعيد حرب أكتوبر 1973، كي تتخذا قرارا استراتيجيا يعكس طموحات عملاقة، يلمح باحتمال اتخاذ العرب قرارا بشأن زج النفط في المعركة ضد «إسرائيل الرافضة»، وما تزال، للقبول بالقرارات الدولية الداعية لانسحابها من الأراضي التي احتلتها في العام 1967. هذه حقائق أكدتها لاحقا وثائق أميركية كشفت مراسلات بين الحكومة السعودية، والحكومة الأميركية حينها.
ففي أعقاب حرب تشرين 1973 العربية الإسرائيلية، وعندما لم يفلح الجيشان السوري والمصري في استعادة المناطق المحتلة العام 1967 طفت على السطح فكرة اللجوء إلى سلاح النفط، بعد أن عجز عن تحقيق الحلم العربي سلاح الجيوش. كان الملك السعودي فيصل يأمل حينها، كما تفصح تلك الوثائق، في «إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية مع الولايات المتحدة وذلك من خلال مفاوضات... وقبل إعلان الحظر النفطي أرسل وزير خارجيته عمر السقاف إلى واشنطن للتباحث مع المسئولين الأميركيين حول إيجاد حل للقضية الفلسطينية». قاد ذلك إلى الحظر النفطي التاريخي الذي أمر به الملك فيصل يوم 20 أكتوبر 1973، إلى تحولات استراتيجية تاريخية لصالح القضية الفلسطينية، رغم سعي الكثيرين إلى التقليل من دورها الإيجابي على ذلك الصعيد.
وعزز الموقف بشأن حظر النفط قرار مؤتمر القمة العربية العادي السادس في الجزائر في الفترة من26 الى 28 أكتوبر العام 1973 على المستوى الاقتصادي الذي نص على «الاستمرار في استخدام النفط سلاحا في المعركة على ضوء قرارات وزراء النفط العرب وربط رفع حظر تصدير النفط لأي دولة بالتزامها بتأييد القضية العربية العادلة وتكليف لجنة المتابعة لوزراء النفط بمتابعة تنفيذ هذه المقررات ومقررات وزراء النفط المتعلقة بنسب التخفيض وذلك على أن يجري تنسيق بين هذه اللجنة ولجنة وزراء الخارجية لدول النفط في كل ما يتعلق بتطور مواقف الدول الأجنبية من القضية العربية».
القصد من استرجاع قرار الحظر النفطي، وتداعياته الإيجابية - على المستوى الاقتصادي حيث حسّن من أوضاع الدول المنتجة مقابل النفوذ المطلق الذي كانت تتقاسمه سوية، حينها، الاحتكارات النفطية والدول المستهلكة، وعلى المستوى السياسي، زاد من ثقل الكفة العربية في موازين الصراع العربي الإسرائيلي.
واليوم طرأت الكثير من التغييرات على الأوضاع في الشرق الأوسط، التي كان يمكن للقمة السورية - السعودية أن تجيرها لصالحها، كي تأتي قراراتها عملاقة لا قزمة. يكفي أن نشير إلى أربعة عناصر إيجابية تقف في صالح الطرف العربي، إن هو أراد أن يكون له دور استراتيجي في العلاقات السياسية الشرق أوسطية:
الأول، أن إيران لم تعد تحت حكم الشاه، المعروف بعلاقاته التاريخية الوثيقة مع العدو الصهيوني، فمهما بلغ هامش الخلاف بين العرب والإيرانيين، لكنه لا يمكن أن يرقى إلى المستوى الذي كان عليه أيام الشاه. وبالتالي، فلربما تعد الظروف القائمة اليوم، هي الأكثر ملاءمة، ومن خلال العلاقات السورية - الإيرانية لفتح حوار إيراني - عربي استراتيجي، تقود الرياض صفوف المحاور العربي خلاله.
الثاني، أن الفلسطينيين، لم يعودوا مجرد لاجئين، بل شعب معترف به عالميا تمثله سلطة وطنية شرعية. ومهما بلغ التشرذم الفلسطيني، لكن تبقى الحالة الفلسطينية اليوم أكثر تقدما مما كانت عليه إبان حرب أكتوبر 1973.
الثالث، التحول الجديد في المواقف الأميركية المنحازة نسبيا، وبشكل طفيف، لصالح الطرف العربي، الأمر الذي يمكن، في حال توافر موقف استراتيجي عربي أن يزيد من هامش هذا التحول.
الرابع، الهزال الذي بدأ يدب في أوصال الدولة العبرية، التي لا تكف عن استعراض عضلاتها، لكنها كانت قديما تعبّر عن قوة حقيقية، أما اليوم، فهي تعكس بعض عوارض المرض الذي بدأ يدب في جسم مؤسسة غير قابلة للتنفس في الأجواء التي فرضتها التحولات الاقتصادية والسياسية التي تحكم العلاقات الدولية اليوم.
نأمل أن تكون القمة السورية - السعودية، توقفت عند هذه التحولات التي تشكل بوصلتها الصحيحة التي تبعدها عن حصر نفسها في الساحة اللبنانية، كي تفرد أجنحتها محلقة في سماء الشرق الأوسط الرحبة، والتي هي في أمَسِّ الحاجة إلى قمة عملاقة لا إلى لقاء قزم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2591 - الجمعة 09 أكتوبر 2009م الموافق 20 شوال 1430هـ
مستحيل
ان التوزيع السياسي للوطن العربي وتباين الخلافات اصبح لا يخفي على القريب والبعيد والخلافات هي ليست خلافات على ارض او على اموال وانما الخلافات على المواقف . والانانيه المستشريه . والدليل واضح السودان تتلاعب به ايدي الاقطاعيين والمغرب يغوص في الفقر ولبنان وبعض الاهتمامات ليست الى( ما احبك احب الفتنه) والحصار العربي والصهيوني على غزه.