استقبلت دمشق أمس الأول (الأربعاء) العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كي يبدأ محادثات القمة الثنائية مع نظيره السوري بشار الأسد، بعد توتر في العلاقات، تجاوزت، بخلاف ما يؤرخ له البعض، 19 عاما.
ومنذ يوليو/ تموز 2007، تضاربت الأنباء بشأن احتمال احتضان دمشق لقمة مصغرة يحضرها إلى جانب العاهل السعودي الرئيسان السوري بشار الأسد واللبناني ميشال سليمان، لكن فشلت كل المحاولات والمساعي، وكان على الجميع انتظار نضج الظروف الإقليمية التي تحقق مثل هذه القمة، التي تكتسب أهميتها من حرص الرئيسين، كما أكدت وكالة الأنباء السورية على «إزالة جميع العوائق التي تعرقل مسيرة تطور العلاقات بين البلدين والتنسيق والتشاور بين البلدين وعلى جميع المستويات في القضايا والملفات التي تهم الشعبين الشقيقين ولا سيما أن ارتقاء العلاقات السورية السعودية سينعكس إيجابا على مختلف القضايا التي تهم العرب جميعا».
هذا يعني أن ملفات ساخنة، تتجاوز مجرد العلاقات الثنائية بين البلدين، ستوضع على طاولة المحادثات السورية - السعودية.
ولتحديد تلك الملفات، لابد من العودة ومراجعة تلك الوقائع المحلية والإقليمية التي قادت إلى تدهور العلاقات بين العاصمتين، إذ إن أشهر العسل بينهما معدودة وعادة ما تكون قصيرة، باستثناء تلك الفترة التي سبقت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، عندما أسس الطرفان لتضامن عربي امتزجت فيه العمليات العسكرية بأسعار النفط، وما تلاها من دور حافظ الأسد الملموس في تحاشي، من خلال علاقات دمشق - طهران المميزة، وصول ألسنة نيران الحرب الإيرانية - العراقية إلى دول الخليج.
لكن شرارة تدهور العلاقات انطلقت عند دخول القوات الأميركية بغداد للإطاحة بنظام صدام حسين، حينها كان موقف الرئيس الأسد رافضا ومتحفظا، ويرى أن الإطاحة بنظام صدام، الذي لم يكن يوما يؤيده، هو جزء من مشروع أميركي - يهودي يهدف بقيادة إدارة الرئيس بوش، إلى إعادة رسم الخريطة الجيو - سياسية لمنطقة الشرق الأوسط لتهيأتها لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
بالمقابل، كانت الرياض تقود المحور العربي، وفي القلب منه دول مجلس التعاون، تنظر إلى التدخل الأميركي على أنه لا يعدو كونه عنصر مساعد لإزاحة نظام صدام، وما عاد يشكله من تهديد مباشر لأمن المنطقة، من أجل إعادة رسم خريطتها بناء على سياسة سلمية لا تصطدم بالتوجهات الأميركية.
ثم جاءت عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في فبراير/ شباط 2005 بمثابة القشة التي قصمت بعير الخلاف الهادئ بين العاصمتين، والذي توجهت أصابع الاتهام فيها نحو دمشق.
محصلة ذلك كانت هزيمة ثنائية للبلدين أدت إلى تاجيج العلاقات بينهما، فبينما رأت الرياض في غياب الحريري خسارة مباشرة لأقوى أوراقها في لبنان، اعتبرت دمشق نجاح ضغوط الرياض، عبر دبلوماسيتها الدولية في إخراج القوات السورية من لبنان بمثابة تحد سافر مباشر، فيه إصرار على تأزيم العلاقة.
ولم يكد يمض عام على رحيل الحريري، وقبل أن يجف حبر الحرب الإعلامية بينهما، اندلعت في يوليو 2006 الحرب بين «إسرائيل» وحزب الله، ووجدت كل عاصمة منهما نفسها في خندق معاد للأخرى، فبينما اتخذت السعودية موقفا معاديا صريحا من حزب الله، واعتبرته، باختطافه الجنديين الإسرائيليين، سببا في حرب غير معد لها عربيا أدت فيما أدت إليه، إعطاء المبررات لـ «إسرائيل» كي تشن حربا كانت بانتظار من يزودها بما يبررها، وجدنا سورية تقف إلى جانب حزب الله، وتقيم محورا قويا في المنطقة، ضم إلى عضويته، بالإضافة إلى سورية وحزب الله العاصمة الإيرانية طهران.
ثم كان ما كان من تراشق إعلامي، حين وصف الرئيس السوري بشار الأسد، في إشارة مبطنة فُسّرت حينها على أنها موجهة للرياض والقاهرة، الرؤساء العرب في موقفهم من الحرب الإسرائيلية مع حزب الله بأنصاف الرجال، ورد الإعلام السعودي بدعوات مبطنة تدعو لضرورة الإطاحة بالنظام السوري. ثم كانت اتهامات الشرع للدبلوماسية السعودية بـ «الرجل المشلول»، كناية على ما أطلق عليه باللجوء إلى «سبات نوم عميق»، يبعد الرياض عن أية مسئولية مما يدور على الساحة العربية من أحداث.
تتالت الأحداث خلال السنوات الثلاث التي أعقبت الحرب الإسرائيلية مع حزب الله، وحرصت الرياض على عدم الحضور، أو المشاركة بوفد دبلوماسي غير عال المستوى في كل المؤتمرات العربية، بما فيها القمة، التي عقدت في دمشق.
وفوق ذلك تداخلت الأمور، فدخلت أطراف عربية أخرى على خط الخلافات، كما لمسه الجميع في قمة الدوحة، أو من أجل لإصلاح ذات البين، كما لمسنا في قمة الكويت.
لكن أيّا من تلك التداخلات أو المبادرات لم تنجح في الوصول بسفينة العلاقات السورية - السعودية إلى بر الأمان. لكن اليوم يبدو أن هناك ملفات ساخنة تحتاج إلى معالجة عاجلة لا يمكن الوصول إليها في حال استمرار تأزم العلاقات السورية - السعودية.
أول تلك الملفات هو الملف النووي الإيراني، بما يحمله من مؤشر على الدور الذي يمكن لطهران أن تمارسه، والحيز الذي سيحتله هذا الدور في مستقبل منطقة الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن الورقة السورية هي أقوى الأوراق المحلية في هذا الملف.
ثاني تلك الملفات هو الملف اللبناني بتفرعاته الإقليمية، وعلى وجه الخصوص الإيرانية - الإسرائيلية فيه، إذ يجد الطرفان أن لبنان بات ما يشبه الرمال المتحركة التي تسبب خسارة كل من يحاول التدخل فيها.
ومن المتوقع أن يحاول الطرفان استخدام أوراقهما المالية من قبل السعودية، والسياسية من جهة سورية لإغلاق هذا الجرح العربي النازف لكلتا العاصمتين.
ثالث تلك الملفات هو الملف العراقي، الذي لم تكف بغداد عن الالتفات نحو دمشق وإلقاء اللوم عليها باتهام سورية بأنها تسهل دخول «الإرهابيين» عبر أراضيها، ثم تلتفت نحو الرياض متهمة إياها بكون أراضيها المفرخة التي يتكاثر فيها أولئك «الإرهابيون»، ذوو الجنسية السعودية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2590 - الخميس 08 أكتوبر 2009م الموافق 19 شوال 1430هـ