العدد 2586 - الأحد 04 أكتوبر 2009م الموافق 15 شوال 1430هـ

حروب ناقصة وأزمات موقوفة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التقارير العسكرية التي أخذت تتجمع لدى قيادة «قوات التحالف» في أفغانستان بدأت ترجح احتمال فشل الحملة ضد مواقع «طالبان». والفشل لا يعني هزيمة نهائية ولكنه يؤشر إلى عدم النجاح في تحقيق تلك الأهداف التي اعتقدت قوات «الحلف الأطلسي» أنها سهلة وسريعة.

الإخفاق العسكري في أفغانستان (مقتل 8 جنود أميركيين أمس) سيكون له ارتداداته السياسية على هيبة إدارة باراك أوباما في اعتبار أن الرئيس الأميركي أسس الكثير من التوقعات على إنهاء الأزمة خلال معركة التنافس الانتخابي على البيت الأبيض. فالمترشح الديمقراطي آنذاك طرح معادلة بسيطة خلال تلك النقاشات والحوارات التلفزيونية ضد منافسه الجمهوري قامت على فكرة تبسيطية توجز المشكلة في مسألة «الإرهاب» من دون توسيع إطارها السياسي وما يتضمنه من عناصر تتصل بطبيعة بلاد أفغانستان وموقعها الاستراتيجي وتنوعها القبلي - الاقوامي وتداخل شعوبها وامتدادها الميداني في المنظومة الإقليمية لدول الجوار.

فكرة أوباما قامت على موضوعة أحادية الجانب وقرأت المسألة من جهة واحدة تلخصت في «الإرهاب» ولم تتطور إلى رؤية المشكلة من زواياها المختلفة. وبسبب ضيق الأفق اختزل الرئيس الأميركي بعد تسلمه مهماته الأزمة في عنصر واحد واختصر الحل بالجانب العسكري.

اعتماد أوباما منطق القوة لحل مشكلة أفغانستان أدى به لاحقا إلى الانزلاق الهادئ إلى خطاب سلفه جورج بوش مع فارق بسيط تمثل في اختلاف منهج قراءة الملف العراقي. فالرئيس الجديد آنذاك انتقد سياسة بوش في بلاد الرافدين معتبرا أنها شكلت ذاك الخطأ الذي كان بالإمكان تجنبه وعدم الوقوع به بينما ما ارتكب في أفغانستان من أفعال حربية جاء في سياق الصواب وحق الولايات المتحدة بالانتقام من تلك الضربات التي تلقتها في 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

أوباما اعتبر آنذاك أن حرب العراق لم تكن مبررة وهي جاءت نتاج الفائض بالقوة ونجاح القيادة الأميركية في تحقيق انتصار سريع في أفغانستان. وأدى التباهي بالفوز العسكري إلى تشجيع إدارة واشنطن على توسيع المهمة والذهاب إلى العراق قبل أن تستكمل نشاطها المطلوب وتركزه في أفغانستان للانتهاء من بؤرة الإرهاب.

على أساس هذه المعادلة التبسيطية نسج أوباما استراتيجيته العسكرية وأقدم على تلخيصها بفكرة واحدة وهي استكمال ما تبقى من مهمات لإنجاز العمل في افغانستان. فالمهمة برأيه كانت ناقصة ولم تستكمل وهي تتطلب تركيز الجهد في مكان وتخفيف القوات وسحبها من العراق لأن وجودها هناك كان خطأ وليس ضروريا.

تحت شعار إنجاز المهمة أعلن اوباما عن موافقته بتعزيز القوات الأميركية وإرسال 17 ألفا إلى أفغانستان لإنهاء مشكلة «الإرهاب» والقضاء عليه من جذوره وينابيعه.

الآن وبعد أقل من نصف سنة على بدء تنفيد مشروع إنجاز المهمة الناقصة بدأت التقارير العسكرية ترد إلى قيادة الأطلسي والتحالف الدولي لتشير إلى احتمال الفشل في تحقيق المشروع... وبالتالي إخفاق الإدارة الأميركية في تمرير وعدها للجمهور الانتخابي (دافع الضرائب) ما يضع أوباما في موقع صعب قد يزعزع هيبته التي راهن عليها بعد فوزه الكاسح بالمعركة الرئاسية.


ملاحق ومهمات

مشكلة اوباما ليست في أفغانستان فقط وإنما في مجموعة ملفات لا تقل أهمية في تداعياتها السياسية عن ذاك الفشل العسكري المحتمل في جبال تورا بورا. فأفغانستان هي البداية وقد تشكل ذاك المفتاح المركزي لانكشاف مجموعة مهمات غير منجزة أو ناقصة في «الشرق الأوسط الكبير».

كل الملفات في هذا الشريط من الأزمات يعاني من نواقص. والقضايا كلها تقريبا موقوفة وهي تعيش في منطقة وسطى تنتظر الحلول.

أزمة باكستان (وزير ستان) وصلت إلى طور نصف حل وتأجل النصف الثاني إلى ربيع 2010. والعراق يمر في طور نصف حل وينتظر انتخابات يناير/ كانون الثاني 2010 حتى تتعرف المنطقة على الهوية السياسية الجديدة لبلاد الرافدين. لبنان يعيش في محطة انتقالية ولم يتمكن حتى الآن من الخروج من أزمة دائمة تشكلت انقساماتها السياسية في ضوء عدوان صيف 2006. فلسطين تعيش في دائرة لا تستطيع كسر أطرها أو الخروج منها بسبب الانقسام الداخلي وتواصل العدوان الإسرائيلي المعطوف على حركة استيطان لا تتوقف.

الأمر نفسه يمكن سحبه على السودان والصومال وصولا إلى اليمن في شماله وجنوبه. كل الأزمات موقوفة على احتمالات مفتوحة على سيناريوهات ساخنة أو باردة. وحين تكون الحروب ناقصة تصبح الأزمات منشطرة على نصفين بين الحل أو الاقتتال.

المهمات كلها ناقصة، وهي تعاني من أزمات موقوفة ومفتوحة على احتمالات كارثية في حال أهملت الملفات من دون حلول سياسية. فالحرب في العراق تراجعت في جانبها الدولي ولكنها لم تستقر داخليا. والحرب في أفغانستان دخلت في لعبة اللاغالب واللامغلوب ما يرجح احتمال استئنافها داخليا حين تأتي اللحظة المناسبة. كذلك الحرب في باكستان، واحتمال تكرار العدوان الإسرائيلي على لبنان مسألة غير مستبعدة.

الحروب حين تكون ناقصة والحلول مؤجلة فمعنى ذلك أن فصول الأزمات لم تتوصل إلى الصفحات الأخيرة من الملف. وعدم إنهاء المهمات يؤشر عمليا إلى أن الملفات مفتوحة على ملاحق وفصول إضافية حتى لو أصبحت القيادة الأميركية على قناعة بأنها قادرة على السيطرة والتحكم بموازين القوى على الأرض.

انكشاف مهمة أوباما في أفغانستان على الفشل يفتح المنطقة على احتمالات لا يستبعد أن تتجدد رياحها الساخنة في الكثير من الساحات التي تشهد أزمات دائمة. وأحيانا تكون ملاحق الحروب أسوأ من الحروب.

الملاحق تعني انتقال الأزمة من إطارها الخارجي في مواجهة «العدو الأجنبي»، إلى الداخل في مواجهة «الأخوة الأعداء» في إطار التنافس على السلطة. والتزاحم السياسي على تعبئة الفراغات الأمنية يشكل رافعة أهلية للانقسام والتبعثر وتداخل المصالح الإقليمية بمراكز القوى المحلية.

الحروب الموقوفة والملفات الناقصة في المنطقة تشبه كثيرا تلك المعادلة التبسيطية التي أسس عليها أوباما نظرية استكمال المهمة في أفغانستان. فكل الأزمات الظاهرة للعيان تؤشر إلى أن مهماتها لم تكتمل وهي تنتظر الكثير من المعالجات والحلول حتى لا تنزلق نحو ملاحق تنقل المشكلات من الجمود المؤقت إلى الانفجار الدائم.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2586 - الأحد 04 أكتوبر 2009م الموافق 15 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:56 م

      الوجه الآخر

      لم تكن هذه اول تجربه للولايات المتحده ولم تكن غبيه وهي تقود العالم اقتصاديا وسياسيا ولاكن الولايات المتحده وجدت نفسها ملزمه بحربها في افغانستان ودلك لضرب الارهاب الذي بدأ يستشري في اوروبا والولايات المتحده .متمثل في بنلادن والملى عمر الاوزبكي في بادئ الامر كانت حركه الطالبان في الاتجاه الصحيح وأيدتها بعض الدول العربيه مثل الامارات والمملكه تحت الضوء الاخضر من الولايات المتحده . الى انه وكما ذكر الكاتب العزيز ان الولايات المتحده فيها نوع من ضيق الافق واحاديه الجانب والغ. عبد علي عباس البصري

اقرأ ايضاً