العدد 2581 - الثلثاء 29 سبتمبر 2009م الموافق 10 شوال 1430هـ

الجدوى الاقتصادية من تدوير القمامة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعلنت إدارة فندق بكولورادو في الولايات المتحدة أنها ستسعى إلى التخلص من «العادات المضرة» بالبيئة، بنشر ثقافة إعادة معالجة القمامة، كما جاء على لسان مالك فندق بولدر أوتلوك في كولورادو، دان كينغ.

وفندق بولدر أوتلوك هو من بين 800 مؤسسة تجارية تشجعها جمعية إيكوسايكل «EcoCycle» الأميركية، التي أنشئت قبل 33 سنة، من أجل العناية بإعادة معالجة القمامة. وكما تقول الدراسات فإنه على رغم تطور الوعي بأهمية، بل وضرورة إعادة تدوير القمامة في الولايات المتحدة، لكن نسبة القمامة المعالجة فيها «لاتزال دون 33 في المئة، من ملايين الأطنان من النفايات، أي ما يناهز كيلوغرامين اثنين من أصل نحو 120 ينتجها كل شخص يوميا هناك».

وتتضافر جهود إيكو سايكل، مع جمعية أخرى في الولايات المتحدة أيضا، هي بنك إعادة التدوير (Recycle Bank) وهي مصرف لا يتوخى تحقيق الربح، مقره فيلادلفيا.

يقوم البنك كما ينقل أحد المواقع الإلكترونية بتوزيع كوبونات على الأسر «لصرفها في الخدمات العامة مقابل فصل القمامة القابلة لإعادة التدوير». ويتحدث رون جونين المشارك في تأسيس بنك إعادة التدويرعن نجاح تجربته قائلا: إنه «في حي تشيستنات هيل أحد أحياء فيلادلفيا الغنية ارتفعت نسبة إعادة تدوير القمامة فعلا إلى 50 في المئة من أقل من عشرة في المئة منذ أن بدأ البرنامج. وأكثر من 90 في المئة من الأسر في المناطق التي بدأت فيها هذه التجربة الرائدة تعيد تدوير قمامتها ارتفاعا من أقل من 25 في المئة في مطلع العام 2005».

وتحصل الأسر المشاركة، كما ينقل الموقع، على «دولارات ريسايكل بنك التي تقدر بحسب وزن صندوق القمامة، وتصل قيمتها الشرائية إلى 400 دولار سنويا للأسرة، تتبرع بها نحو 150 شركة محلية تسعى إلى اجتذاب المشترين بالنوايا الطيبة وتشجيعهم بتخفيضات تتراوح بين عشرة و20 في المئة».

ولربما ارتبطت القمامة في أذهاننا على أنها مواد ضارة ينبغي التخلص منها خشية الإصابة بالأمراض أو إلحاق الضرر بالبيئة. لكنها لم تعد كذلك، حيث تحولت القمامة اليوم إلى سلعة لها قيمة سوقية.

هذا ما تؤكده الكثير من الدراسات المعنية بهذا الموضوع، التي تشير أرقامها إلى تنامي الاستثمار في هذا القطاع على المستوى العالمي، إذ تقدر نسبتها من الاستثمارات الصناعية، وفقا لإحدى تلك الدراسات إلى «28 في المئة في الولايات المتحدة الأميركية و23 في المئة في إنجلترا و35 في المئة من حجم الاستثمار الصناعي في ألمانيا».

لكن الأمر المؤسف هو أن قيمة الاستثمار في هذه الصناعة لاتزال متدنية في البلاد العربية، إذ لا تتجاوز قيمتها 150 مليون دولار معظمها في مصر. ولا يعني ذلك افتقادها للجدوى الاقتصادية. ففي مصر، تقدر القيمة المباشرة للقمامة، حسب دراسة أجراها أستاذ تلوث البيئة في كلية الزراعة بجامعة الزقازيق، أحمد عبدالواحد، بنحو «6 مليارات جنيه تتضاعف إلى 12 مليارا عند تحويلها إلى سلع وسيطة في صورة خامات ومستلزمات تستخدم في الصناعة، وتتزايد قيمتها مرة أخرى إلى نحو 24 مليار جنيه عند استخدامها في تصنيع منتجات نهائية مثل الزجاج والورق والصاج ولعب الأطفال والأحذية الرياضية والموكيت والمواسير والأجهزة الكهربائية والعبوات».

وتؤكد دراسة أخرى قام بها أساتذة البيئة في مصر أن «الدول العربية تلقي سنويا بنحو خمسة مليارات دولار في القمامة، التي علاوة على التداعيات والأضرار الصحية والبيئية الجسيمة التي يمكن أن تخلفها هذه القمامة بمختلف أنواعها من المواد الصلبة والعضوية والسائلة فإن عدم الاهتمام بإعادة تدويرها يضيع فرصة الحصول على كميات ضخمة من الورق والبلاستيك والحديد والأسمدة العضوية والأقمشة التي يمكن أن توفر مليارات الدولارات المهدرة في استيراد هذه المنتجات، وأن كمية المخلفات في الوطن العربي تقدر بنحو 6.89 مليون طن سنويا، تكفي لاستخراج 3.14 مليون طن بسعر 150 دولارا للطن، بقيمة 145.2 مليار دولار... بالإضافة لإنتاج 8.1 مليون طن حديد خردة بسعر 75 دولارا للطن بقيمة 135 مليون دولار، بالإضافة إلى 75 ألف طن بلاستيك بسعر 250 دولارا للطن بقيمة 4.1 مليار دولار».

وفي البحرين يؤكد رئيس مجلس بلدي المنطقة الجنوبية علي المهندي، في تصريح خص به صحيفة «الوسط» البحرينية، في عددها الصادر بتاريخ 19 يوليو/ تموز 2008 أكد فيه أن «إقامة مصنع تدوير القمامة في البحرين بات ضرورة لا مناص منها، موضحا أن مملكة البحرين مازالت تعاني من مشكلة دفان القمامة، وأن المكان الذي تقوم البحرين بدفن القمامة فيه سيمتلئ خلال الخمس سنوات المقبلة وأنه لابد من العمل بجدية على حل هذه المشكلة التي من شأنها أن تهدد الجانب البيئي في البحرين وتخلق أزمة مستقبلية».

ولربما تستحضر مسألة إعادة تدوير القمامة صور تربط بين الشكل الصناعي المعاصر لها، وتلك الدعوات التي احتضنتها الأدبيات العربية القديمة، ومن بينها حكايات وردت في كتاب البخلاء لمؤلفه الجاحظ، من نمط حكاية غرابة أبوسعيد المدائني الذي كان ينهي خادمته عن رمي قمامة داره، والتي تنقلها الأديبة صفاء عبدالعزيز البيلي بأنه أمر خادمته بجمع قمامة الجيران، «وكل عدة أيام يجلس معها ويفرزانها، فمرة يصيبان دراهم، وأخرى حلي، وبعد ذلك يوجه كل شيء للمختص به، فالصوف والأكسية وخرق الثياب لصناع البرادع التي توضع على الدواب، وقشور الرمان للصباغين والدباغين، والقوارير لصناع الزجاج، ونوي الخوخ للزراع، والمسامير وقطع الحديد للحدادين، كذلك صار يعمل مع الخشب والصحف والقراطيس وقطع الخزف، حتى الزفت (القار) فإن له فيه تصريفا، حتى إذا صار التراب نظيفا، أمر الخادمة فجمعته وأمر كل من بالبيت ألا يتوضأوا، أو يغتسلوا إلا عليه، فإذا ابتل عجنه وجعله طوبا لبنا وباعه! وكان يقول، من لم يتعرف الاقتصاد تعرفي فلا يتعرض له».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2581 - الثلثاء 29 سبتمبر 2009م الموافق 10 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:20 م

      سؤال صريح لوزارة الأشغال لماذا تم تدوير بعض الوظائف الإدارية إلى البلديات بدلا من إحالة تلك الملفات إلى القضاء

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
      سؤال صريح لوزارة الأشغال لماذ تم تدوير بعض الوظائف الإدارية إلى البلديات بدلا من إحالة تلك الملفات إلى القضاء ونعني هنا بالفترة الإصلاحية ؟؟!!

اقرأ ايضاً