العدد 2581 - الثلثاء 29 سبتمبر 2009م الموافق 10 شوال 1430هـ

هل أصبح تشجيع الديمقراطية غير دارج في واشنطن؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

هل تقوم إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بتوفير دعم أقل لحقوق الإنسان والإصلاح السياسي في الشرق الأوسط الأوسع، أم هل تقوم فقط بتبني لهجة مختلفة فيما يتعلق بتشجيع الديمقراطية؟

يثبت عدد من التقارير والدراسات التي صدرت مؤخرا أن هناك منظورا في الولايات المتحدة مفاده أن الإدارة أخذت تفصل نفسها عن سياسة تشجيع الديمقراطية في الشرق الأوسط. وفي مقال في مجلة Commentary عنوانه «التخلي عن الديمقراطية»، يهاجم جوشوا مورافشيك، الطالب العالِم بمعهد المؤسسة الأميركية American Enterprise Institute، الإدارة لأنها «أزالت حقوق الإنسان والديمقراطية من أجندة السياسة الخارجية».

وتستشهد مقالات في النيويورك تايمز والواشنطن بوست والفايننشال تايمز بالعديد من الأمثلة التي قد تبدو أنها تُظهر تحوّل الإدارة نحو التطبيع في واقعها السياسي، وهو تطبيع يركّز على الحفاظ على السلطة بدلا من تشجيع مبادئ أو مُثُل. وضعت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على سبيل المثال، في جلسة تثبيتها الخطوط العريضة لسياسة خارجية جديدة ترتكز على الدفاع والدبلوماسية والتنمية. كانت الديمقراطية غائبة بشكل ملحوظ عن تلك القائمة.

تتعرض إدارة الرئيس أوباما، بناء على هذه الأمثلة، للاتهام بإعطاء الأولوية لتحالف أميركا مع أنظمة سلطوية مهمة في العالم العربي للحصول على مكتسبات قصيرة الأمد وجعل الإصلاحات الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان الأساسية في موقع ثانوي.

إلا أن هذا الأسلوب في الوصف يبدو مبسطا ويرسم أولويات الإدارة بفرشاة عريضة جدا.

مازال تشجيع الديمقراطية يشكل أولوية لإدارة الرئيس أوباما، وأوضح إثبات على ذلك هو الموازنة. موازنة أوباما المقترحة لمساعدات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للسنة المالية 2010 أكبر بكثير من موازنة الرئيس الذي سبقه قبل عام. ويشكل تمويل برامج الديمقراطية والحاكمية أكثر من ضعف ما كرسه الرئيس السابق جورج دبليو بوش لهذه البرامج في العام 2009.

من المؤكد أن جزءا كبيرا من الزيادة في هذه المساعدات قد خصصت لمناطق النزاع مثل أفغانستان وباكستان والعراق. وقد شهدت بقية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادات تراوحت بقيمتها وأهميتها. ففي المغرب على سبيل المثال، ازدادت الأموال المطلوبة لتمويل برامج حكم القانون والتنافس السياسي وحقوق الإنسان كثيرا. كذلك ارتفع تمويل المجتمع المدني بما يقدر بِـ 67 في المئة. وفي اليمن شكلت هذه الزيادات ثلاثة أضعاف قيمتها في العام 2009.

نزعت إدارة الرئيس أوباما لأن تحوّل الأموال من برامج تشجيع المجتمع المدني إلى برامج التنمية الاقتصادية وحكم القانون، وهو ما يظهر جليا بالنسبة لمصر والأردن. وتعتقد الإدارة أن الإدارة السابقة كانت قد حوّلت أموالا واسعة من برامج ضرورية جدا نحو مشروعات الحاكمية الجيدة التي لا جدوى منها. فتخفيض أو إلغاء البرامج المكرسة لتنمية البنية الأساسية والرعاية الصحية والزراعة من أجل رعاية مؤتمرات الإصلاح السياسي لحكّام يتم تعيينهم ويكونون مسئولين أمام رئيس لا يمكن مناقشته أو مخالفته، لا يفعل سوى القليل لدفع عجلة قضية الديمقراطية.

ودليل آخر على أن إدارة الرئيس أوباما تفضل استراتيجية لتشجيع الديمقراطية تعتبر التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي أهدافا مكمّلة، هو دعمها لمؤسسة تحدي الألفية.

شكلت هذه المؤسسة، وهو صندوق تنموي أوجدته إدارة الرئيس بوش، أول محاولة لحكومة الولايات المتحدة لاتخاذ توجه تقوده الحاكمية للمعونة التنموية. تعمل الأموال التي تدار من خلال مؤسسة تحدي الألفية على ربط مستويات المعونة عن كثب مع نوعية حاكمية الدول التي تتسلم المعونة ومؤسساتها.

يتعدى خط المسار الذي تتبعهُ الإدارة الجديدة الاتهامات المبسّطة بأن أوباما يتجاهل حقوق الإنسان والديمقراطية لصالح سياسة الواقع. وهو طالما تكلم بصوت عالٍ عن أهمية الإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان والحاكمية الجيدة. «أما بالنسبة لهؤلاء الذي يتشبثون بالسلطة من خلال الفساد والخداع وإسكات المعارضة، فليعلموا أنهم على الجانب الخطأ من التاريخ»، كما حذّر أوباما الزعماء الاستبداديين في خطاب التنصيب. وقد جرى تدعيم هذا الخطاب مؤخرا في خطاباته التاريخية في القاهرة وأكرا.

لذا فإن القضية التي يتوجب عليه أن يقررها ليست ما إذا كان يتوجب عليه السعي لتحقيق الديمقراطية، وإنما كيف يقوم بذلك. وقد نجد الجواب على ذلك في أول طلب له للموازنة لعام 2010.

يفضل الرئيس بوضوح الدعم لبرامج حكم القانون والحاكمية، كما ظهر من كميات التمويل الكبيرة المكرسة لمثل هذه المبادرات. سجل المعونة التنموية في الماضي واضح: ما لم تكن الحكومة شمولية وشفافة وقانونية وخاضعة للمساءلة، فلن تستطيع أية كمية من المعونة أن توفر التقدم التنموي واسع القاعدة والمستدام.

يحتل الدعم لبرامج المجتمع المدني هدفا في الموقع الثاني من الأهمية، كما يظهر من زيادة الإدارة للتمويل المقدم لمبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI) التي تموّل منظمات المجتمع المدني المحلية وغيرها من عوامل التغيير.

يؤمن أوباما، كما أعلن في مقابلة مع الواشنطن بوست قبل تنصيبه، بتوجه «أقل قلقا بالشكل وأكثر اهتماما بالمضمون». يقلل هذا التوجه من التأكيد على فضائل الانتخابات المبكرة والطروحات المتغطرسة، ويروج بدلا منها لسياسة مدروسة تعتمد على التنمية الاقتصادية ودعم المؤسسات التي تسمح لمجتمع ديمقراطي بأن يتطور.

بمعنى آخر، تعتبر الانتخابات مهمة ولكنها تفشل أحيانا، كما صرحت كلينتون في جلسة تنصيبها، في غياب «هيئات تشريعية قوية، وهيئات قضائية مستقلة وصحافة حرة، ومجتمع مدني نشط وقوات شرطة نزيهة وحريات دينية وحكم القانون».

يمكن لهذه الاستراتيجية أن تكون فاعلة، ولكن فقط إذا تم دعمها بمعونة دبلوماسية على مستوى عالٍ واستعداد لربط مستويات المعونة بالمساءلة والمبادئ المبنية على الأداء.

* مدير مركز السياسة الدفاعية والأمنية بجامعة ويلبرفورس وزميل زائر بمركز بروكنغز الدوحة، والمقال جزء من سلسلة بشأن تحليل السياسة الغربية في العالم الإسلامي، وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2581 - الثلثاء 29 سبتمبر 2009م الموافق 10 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً