حتى ابني الصغير (مؤمل) الذي لم يبلغ من العمر الأربعة أعوام بعد، يسألني صباح كل يوم: متى بابا بِروح خبز الخبازير حق تفتح الروضة؟! ويَعني بذلك انفلونزا الخنازير، وبحسب إدراكه فإنه يعتقد أن انفلونزا الخنازير هو وحش كبير يجلس على باب الروضة ولا يسمح لأحد بالدخول!

الرعب الذي دب ويدب بسبب الـ H1N1 يسيطر على كل اهتمامات الناس، على تصرفاتهم، أحاديثهم، مجالسهم، علاقاتهم، وحتى على أكلهم وشربهم، فالينسون الذي لا يسأل عنه أحد نفد من الأسواق بعد أن عرفوا بأنه مضاد جيد لهذا المرض، والكمامات التي سفا عليها الغبار في مخازن الصيدليات نفدت هي الأخرى، وكثر القيل والقال، ولايزال مستمرا حتى إشعار آخر!

لا يجوز الاستهانة بهذا المرض الطاعوني القاتل، خصوصا قبل تلقيح الناس بالمضاد الموعود، ولكن لا يجوز أيضا أن يصبح الناس ويمسون على وقع الإشاعات التي تنتشر بينهم انتشار النار في الهشيم!

هذا النوع من المرض يجب التعامل معه بوعي كامل، والإشاعة لا يمكن أن تجتمع مع هذا الوعي الذي يجب توافره، لأنها تشغل الناس عن التعاطي مع المرض كما يجب، وتعطل تفكيرهم الذي يجب أن يأخذ بهم للأخذ بالاحتراز الموضوعي غير المبني على الهرج والمرج، وإنما على المعلومات العلمية الرصينة.

وزارة الصحة لا تقوم حاليا بالإعلان عن أعداد المصابين أسوة بالدول الأخرى، ولكن لا دليل على صحة هذه الخطوة، فالإحجام عن كشف الأرقام الحقيقية يملأ فراغا تتربص به الإشاعة لشغله بسرعة البرق، ويبدأ الناس في الترويج إلى إحصاءات من نسج خيالهم، وبالتأكيد في ظل هذا الهلع والخوف لن تكون إحصاءات الناس أقل من الإحصاءات الرسمية المخبأة في أدراج وزارة الصحة، بل ستتفوق عليها بعشرات المرات، وإذا كان المصابون مائة فإن الإشاعة ستحولهم إلى مائة ألف أو يزيدون، وبعد ذلك على وزارة الصحة أن تبذل مجهودا مضاعفا لإقناع الناس بعدم صحة ما يسمعون من أرقام، وقصص غير متناهية الخيال.

وحتى لا نثقل كاهل وزارة الصحة بأكثر مما عليه، يجب أن يتحمل المجتمع ومؤسساته مسئولية في هذا الجانب، ويجب عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم حتى يوقفوا نزيف الإشاعات، ويوضحوا الصورة غير المشوهة للناس، حتى يخاف الناس على بينة ويأمنوا على بينة!