العدد 2578 - السبت 26 سبتمبر 2009م الموافق 07 شوال 1430هـ

ماذا وراء قنبلة أحمدي نجاد؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

القنبلة الدخانية التي قذفها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في أروقة الأمم المتحدة بشأن المفاعل النووي الثاني أثارت زوبعة من الانفعالات العاطفية الأميركية والأوروبية وأسقطت ضحايا. الضحية الأولى للقنبلة البخارية كانت العقيد الليبي معمر القذافي الذي بذل المستحيل لشد الانتباه وجذب الكاميرات خلال مهرجان إلقاء خطابه الطويل والمضجر المعطوف على حركات مسرحية تمثلت في تمزيق ميثاق الأمم المتحدة ورمي «الكتاب الأبيض» وغيرها من تصرفات صبيانية لاقت السخرية والضحك من جانب والخجل من جانب آخر.

العقيد (أمين القومية العربية وملك ملوك إفريقيا) كاد أن يكسب معركة الفوز بالخبطات الإعلامية حين أقدم على استئجار فيلا البليونير النيويوركي دونالد ترانب بمبلغ طائل وسري لينصب في حديقته «خيمة» يتيمة رفضت البلدية الترخيص له بنصبها في حديقة عامة... لو لم يقدم منافسه على رمي تلك القنبلة الصوتية.

قنبلة أحمدي نجاد كانت أقوى من حركة تمزيق الميثاق الأممي وأكثر فعالية من خيمة «ملك ملوك إفريقيا» في جذب الأضواء الكاشفة ما أدى إلى تعديل الزاوية لمصلحة رئيس الأمر الواقع الذي يرجح أن يفوز في الشوط الأخير من حفلة التنافس على كسب معركة الكاميرا. وفي حال نال أحمدي نجاد قصب السبق يكون بذلك كرر فوزه للمرة الثانية على التوالي إذ كان رئيس الأمر الواقع قد شد الانتباه إلى شخصه في دورة سابقة بسبب إنكاره لحصول «محرقة» في الحرب العالمية الثانية وادعائه أمام مريديه أنه شاهد خلال إلقاء خطابه «دائرة نورانية» تحيط بوجهه البهي على منبر الأمم المتحدة.

فشل القذافي في كسب المعركة الإعلامية ولكنه نجح على الأقل في احتلال المركز الثاني تاركا الميدالية الذهبية لمنافسه أحمدي نجاد. و«الحبل على الجرار» كما يقول المثل العامي اللبناني.

يبقى السؤال: لماذا قرر رئيس الأمر الواقع الكشف عن المصنع السري في الأمم المتحدة وقبل أيام من بدء اجتماعات جنيف بشأن مشروع التخصيب في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول؟ الجانب «الطاووسي» من المسألة يمثل زاوية من الصورة الرباعية الأبعاد. فهناك عوامل كثيرة دفعت أحمدي نجاد إلى رمي قنبتله في هذا التوقيت بالذات ومن على أعلى منبر دولي.

العامل الداخلي يحتل حيزا مهما في المسرحية. فهذا الرئيس يعاني الأمرين من الشارع الإيراني وهناك اتهامات توجه ضده وتؤكد انخراطه في لعبة شراء الأصوات والرشوة وتزوير الانتخابات وتدوير النتائج ما أدى إلى إضعافه وتقليص صدقيته واضطراره للاعتماد على شريحة من الطفيليات العسكرية لحمايته وتأمين صورته من التشوه والتآكل.

إلى ذلك هناك الكثير من الأدلة الدامغة التي تشير إلى استخدامه كل وسائل القمع والملاحقة لكسر شوكة الشارع ومطاردته واعتقال النشطاء وتعذيبهم وانتزاع اعترافات متلفزة ضدهم ما أعطى صورة سلبية عن نموذج «الجمهورية الإسلامية» الأمر الذي أثار غضب بعض مراجع التقليد معتبرة أن حكومته مغتصبة وغير شرعية ومخالفة للشريعة.

العامل الداخلي مهم لتفسير بعض زوايا الصورة التي تمظهرت في خطاب رئيس الأمر الواقع وتصريحاته وشروحاته للأزمة ومحاولته التهرب من الأسئلة الحقيقية باتجاه الادعاء أنه يريد «حل مشكلات العالم» جنبا إلى جنب وفي جوار الدول الست الكبرى. فالرئيس حاول قدر الإمكان الابتعاد عن أسئلة الداخل وقذف الكرة بعيدا نحو زوايا يصعب على المشاهد رؤية تفصيلاتها بالإكثار من الكلام عن دور إيران في المساهمة في معالجة المصائب التي يعاني منها العالم.

إلى العامل الداخلي هناك العامل الإقليمي. فالأزمة التي يمر بها رئيس الأمر الواقع منذ 12 يونيو/ حزيران الماضي أضعفت صوته وأربكته وأظهرته في موقع الهزيل وغير القادر على التحرك من دون حماية من «الحرس الثوري» واحتياط «الباسيج». وظهور أحمدي نجاد في هذه الهيئة المهزوزة أعطى انطباعا عن ضعف إيران الداخلي الأمر الذي زعزع هيبتها الإقليمية وباتت أحيانا عرضة للسخرية وعدم التصديق حتى حين كان يستعرض الصواريخ ويطلق تصريحات «قطع الأيدي» في الميادين العسكرية.

العامل الإقليمي لا يُستبعد أيضا من وراء رمي القنبلة الدخانية. فالكلام عن كشف «مفاعل نووي سري» جاء ليوجه رسالة للقوى في المحيط الجغرافي وفي الآن ليرفع معنويات الأطراف المتفاهمة أو المتفهمة لمأزق الرئيس الإيراني وظروفه الصعبة. والإعلان عن المسألة في الأمم المتحدة أراد تعزيز مشاعر القوة والاعتداد بالنفس بعد تلك الصدمة النفسية التي زعزعت الثقة بمتانة الرئيس وصلابته نتيجة ارتداد الشارع على طموحاته الداخلية.

تحية للأنصار والغرب

إلى الحافز الإقليمي هناك هيئات وجمعيات وقوى أصيبت بخيبة أمل بعد انتخابات 12 يونيو ما أدى إلى ترددها وتخوفها من إمكانات فشل سياسة راهنت على قدرات «ماورائية» في الصمود والتصدي. وجاء الكلام عن «مفاعل سري» ليرفع معنويات عقول مجموعات من الأنصار والمريدين تؤمن بوجود خيوط وخطوط غير منظورة لا يعلن عنها إلا في حالات اضطرارية لتخويف الخصوم والإيحاء لهم بأن السلطة لم تضعف وهي تمتلك من الخطط والبرامج والمشاريع لا تستطيع تصويره «الأقمار الاصطناعية».

قنبلة أحمدي نجاد الدخانية خاطبت مجموعة زوايا في صورة واحدة. فهي رسالة إلى الداخل لتحسين السمعة وإعادة تجميع للأوراق بعد أن تبعثرت خلال الشهور الثلاثة الأخيرة. وهي رسالة تخويف وتطمين للأقاليم تؤشر إلى وجود قدرات خفية وغير منظورة تمتلكها السلطة ولا تعلن عنها إلا في الأوقات المناسبة. وهي أيضا جرعة مورفين (مسكنات) لمجموعات الأنصار والمريدين التي أحبطت وأصيبت بصدمة نفسية زعزعت ثقتها ومراهنتها وأدت إلى إرباك مشاعرها وأضعفت رؤيتها في التقاط مشاهد الصورة الخفية من مختلف زواياها.

كل هذه الارتجاجات أرادها أحمدي نجاد من وراء إلقاء قنبلته الصوتية في أروقة الأمم المتحدة. إلا أن الانفجار كانت له أصداء أخرى ذهبت كلها في حساب «إسرائيل» المصرفي. فالانفجار أثمر لمصلحة تعزيز وجهة نظر الثنائي المتطرف نتنياهو-ليبرمان التي تصر على وجود برنامج سري (مفاعلات غير مرئية) تنتج أسلحة نووية.

الصدى الصوتي للانفجار تمثل في انفعالات عاطفية مبرمجة أطلقها تباعا زعماء الدول الأوروبية والولايات المتحدة. فالرئيس الأميركي أبدى انزعاجه وغضبه وطالب طهران بالمزيد من الشفافية ووضع «المفاعل السري» تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إلا أن الأخطر كان تذكير باراك أوباما بسياسة سلفة جورج بوش والعودة إلى خطاب «كل الخيارات مفتوحة».

الكلام الأميركي عن «الخيارات المفتوحة» لا يعني أن الضربة العسكرية أصبحت قريبة. فالكلام هو للضغط والتطويع وأخذ المزيد من التنازلات قبل البدء في التفاوض في أول أكتوبر. والهجوم الإعلامي المضاد والمنظم للتهويل من مخاطر «المفاعل السري» يشكل ضربة سياسية استباقية تستهدف سحب الكثير من الأوراق قبل مباشرة الحوار بشأن مشروع التخصيب.

هنا بالضبط يمكن فهم «بيت القصيد» من قنبلة أحمدي نجاد الدخانية. فهي قد تشكل رسالة صداقة ومودة تظهر استعداد إيران للتفاوض والتنازل وطي صفحة «التخصيب» في سياق علاقات تتسم بالوضوح والشفافية. والكلام الأميركي عن مرونة الرئيس الإيراني «المنتخب» لدورة ثانية وتفضيله على المترشح المنافس مير حسين موسوي لم يعد سرا بعد أن أقدمت الكثير من مؤسسات البحث ومعاهد الاستطلاع على الترويج لأحمدي نجاد وتسويقه بصفته النموذج القابل للجرح والتعديل.

الاستطلاع الأخير أجراه «معهد وورلد بابليك أوبينون» الأميركي وأشار إلى أن 83 في المئة من الإيرانيين يعتبرون أحمدي نجاد هو الرئيس. والاستطلاع ليس الوحيد وإنما جاء في سياق حركة دبلوماسية وإعلامية وسياسية وصحافية أميركية-أوروبية أجمعت على ضرورة التمسك بأحمدي نجاد ليس حبا به وإنما كراهية بالجمهورية الإسلامية. فهذه التجمعات كتبت باتجاه التسويق والترويج للرئيس الأيديولوجي بصفته يمثل حاجة أميركية ويشكل الرجل المناسب في المكان المناسب ويعطي الذرائع والهدايا المجانية لكل القرارات التي يمكن أن تتوصل إليها واشنطن مع الاتحاد الأوروبي وصديقها الإسرائيلي.

أيديولوجية أحمدي نجاد «بخارية» و«دخانية» وهي لزجة وتتمتع بالمرونة ويمكن تطويعها من جانب أو كسرها من جانب وذلك بحسب الحاجة والمتطلبات والظروف. لذلك توجهت مؤسسات البحث ومعاهد الدراسات ومراكز الاستطلاع إلى التغطية والسكوت والدعم «السري» لشخص الرئيس والترويج له وتسويقه بالأرقام والنسب المئوية بصفته الرجل المناسب الذي لا يحتاج إلى جهود مضاعفة لتحريض الرأي العام الغربي ضده.

في سياق المقارنة والمفاضلة رجحت اللوبيات ومواقع الضغط الرئيس الأيديولوجي (اللين والمطيع) ليكون في مكانه لأنه الشخص المناسب للمصالح الأميركية. فإذا اختارت واشنطن الحل العسكري فهو المفضل لأنه لا يتردد في تقديم الذرائع المطلوبة لتعزيز مثل هذا التوجه. وإذا اختارت الحل الدبلوماسي فهو المرشح ليلعب هذا الدور لأنه يتمتع بقدرات خاصة على الخداع والتمويه والتغطية والتعمية بسبب تصريحاته البخارية والدخانية التي تجذب الكثير من المعجبين والمريدين.

قنبلة أحمدي نجاد عن «سرية المفاعل» أسقطت القذافي ضحية السباق الإعلامي لكسب الميدالية الذهبية ولكنها وجهت رسائل إلى زوايا أربع: واحدة للداخل، وثانية للأقاليم، وثالثة للأنصار، ورابعة للغرب تعلن عن جاهزية للتفاوض ورغبة للتفاهم على الحد الأدنى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2578 - السبت 26 سبتمبر 2009م الموافق 07 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 4:40 م

      احمدي نجاد

      احمدي نجاد سحق منافسيه بفارق 12 مليون صوت احمدي نجاد وقف في طابور الانتخابات اكثر من ساعتان ليدلي بصوته احمدي نجاد رئيس قوي احمدي نجاد فاجئ روئساء الدول الاستعماريه بقوة ايران وثقتها بنفسها احمدي نجاد لم يذهب للامم المتحدة لالقاء قنابل دخانيه بل ذهب لشرح موقف بلاده العادل امام دول العالم فالى متى ستكذب يا نويهض فعندما نفرا الى مقالك كاننا نقرا احدى الصحف الصهيونيه وبالمناسبه احب ان اوجه تحيه الى الكاتب في اخبار الخليج السيد زهرا في مقاله في جريدة اخبار الخليج يوم امس

    • زائر 18 | 3:39 م

      المحطة معروفة لدى المنظمة قبل ستة اشهر من انشائها

      ليس قنبلة ولا هم يحزنون، بعض الدول الغربية تعرف ذلك، وهذا يأتي ضمن اشتراطات منظمة الطاقة الذرية بإخطارها قبل انشاء المحطة بستة أشهر .. هذا التحليل منسوف من أصله ولا داعي لهذه الاطالة

    • زائر 17 | 3:16 م

      شريحة من الطفيليات

      (( العامل الداخلي يحتل حيزا مهما في المسرحية. فهذا الرئيس يعاني الأمرين من الشارع الإيراني وهناك اتهامات توجه ضده وتؤكد انخراطه في لعبة شراء الأصوات والرشوة وتزوير الانتخابات وتدوير النتائج ما أدى إلى إضعافه وتقليص صدقيته واضطراره للاعتماد على شريحة من الطفيليات العسكرية لحمايته وتأمين صورته من التشوه والتآكل.))
      و (((واضطراره للاعتماد على شريحة من الطفيليات العسكرية لحمايته وتأمين صورته من التشوه والتآكل.))

    • زائر 13 | 10:00 ص

      لاتجعلها كالمعلقة

      التحليل الموضوعي والقراءة المتأنية تقتضي أن لا يتدلج الكتاب في طرحه وهذا بطبيعة الحال يبدد المهنية في كتاباتك ياسيد وليد . لا يمكن أن تكون صورة نجاد كلها سوداء فهذا خلاف العقل. فالرجل له وعلية والا فقدت الموضوعية في طرحك. لك خالص التحية والاحترام .

    • زائر 11 | 7:19 ص

      النصرة لأيران الأسلام

      الله ينصر الرئيس أحمدي نجاد وقائدها على كل مستكبر في العالم ، لأن الظلم لا يدوم وكما يقال دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة ، فأيران دولة الأمام الحجة عليه السلام فهي دائما منتصره مهما حاول البعض تشويه صورتها للعالم .

    • زائر 10 | 6:58 ص

      ارجع للتاريخ....

      هم يريدون شيئا والله سبحانه وتعالى يريد شيئا اخر ...كم قوه اجتمعت لنصرة الشاه وفى حرب الخليج الاولى ضد ايران....النصره انشاءالله للاسلام

    • زائر 1 | 11:38 م

      قراءةو ليست روءية !!!

      جميلُ هذا التحليل و لكنه مجرد قراءة متأثرة بعوامل سلبية تحتاج إلى الكثير من العمل و المراجعة .
      الوسط أيضا تشارك في صناعة نفس الصورة التى يريدها الغرب عن إيران . هنا و يكفي حديثي و لك أن تقرأ الرسالة !ز

اقرأ ايضاً