فيما مضى من السنين، كان لنا جار «ألماني»، يعيش في منزل فخم في قريتنا، فهو مسئول كبير في إحدى الشركات الكبرى، ولم تكن تربطه بجيرانه أية علاقة، فكنا نراه وهو يخرج سيارته من مرآبها أو يدخلها فقط، لكن في ليلة أحد الأعياد، كان يمارس رياضة المشي عندما التقيته وسلمت عليه وقلت له مازحا: «عيدك مبارك»... فكررها تلقائيا :»إيدوكم موباراك»، لكنه انتهز الفرصة ليقول: «هل احتفالكم هذا يشبه ليلة الكريسماس؟».. فقلت له: «قد تكون هناك صفة مشتركة، فالفرح حق لكل البشر، لكن أعيادنا الإسلامية لها معانيها ودلالاتها المتصلة بتعاليم الدين الإسلامي، وهو دين يجمع كل الإنسانية بلا تقسيم لنوع أو عرق أو لون».
لكنني دعوته لأن أرافقه لبعض مجالس العيد ليتعرف على الناس ويعيش معهم الفرحة بالعيد وكان مسرورا بالدعوة التي لباها بالفعل وزرت معه عددا من المجالس وكان يشعر بالسرور كلما تناول فنجانا من القهوة العربية، وبلغ سروره أوجه عندما وجد كل من يدخل هذا المجلس أو ذاك يسلم عليه بحفاوة ويهنئه وكأنه واحد منهم وفيهم، وهذا ما جعله يعبر عن امتنانه لكرم وطيبة وأخلاق أهل البحرين، وقد وجد في تلك المناسبة فرصة للتعرف على المزيد من الجيران.
العيد في معناه الإنساني، لا يختلف عن معانيه الدينية والاجتماعية، ولكن مما يؤسف له أن الكثير من الناس لا يقدرون العيد حق قدره، ولا يمتثلون لمعانيه ودلالاته والتي على رأسها إشاعة المحبة والمودة والتكافل بين الناس، والحمد لله أن أهل البلد يجتمعون في صلاة العيد، ثم ينتقلون الى مجالسهم ليستقبلوا بعضهم بعضا لتبادل التهاني بهذه المناسبة الإسلامية العظيمة، وتتجدد العلاقات وتقوى الأواصر، ولعل أعظم تعاليم الدين الإسلامي في العيد هي التسامح والصفح، ولعلنا اليوم في حاجة ماسة لأن يكون هذا التسامح والصفح هو المدخل للأضداد، سواء على مستوى المواطن العادي، أو على مستوى الرموز والشخصيات والمسئولين والنواب الذين أصبح بعضهم مثالا لإثارة المشاكل في المجتمع.
حتى على مستوى الأسرة الواحدة، فهناك أخوة من لحم ودم وقعت بينهم القطيعة، وعلى مستوى العمل هناك زملاء يعملون تحت سقف واحد لكن قلب كل واحد منهم يغلي على الآخر، وليست هذه دعوى وعظية بقدر ما هي فرصة للفرح... نعم، لم لا نفرح والفرصة مواتية ولا يوجد ما يمنع من أن نفتح قلوبنا لبعضنا البعض ونتجاوز كل خلاف؟ وإذا كانت الأمور السياسية والخلافات العقائدية والفكرية ماثلة في عقول ونفوس البعض، فإنهم فقط من يفرض على نفسه قيود الجفاء والتعب والشقاء.
الفرح في العيد نعمة من الله سبحانه وتعالى، وكلما فرحنا بنعم ربنا، كلما زاد جمال الحياة في عيوننا... فهيا لنفرح ولنشارك الأطفال فرحتهم وعياديهم، ولننسى كل الهموم في أيام سعيدة مباركة.
كل عام والجميع بخير
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2572 - الإثنين 21 سبتمبر 2009م الموافق 02 شوال 1430هـ