حمل هذا الصيف معه «معارك إلكترونية» بين عملاقي صناعة المعلومات «ميكروسوفت» و»غوغل». بدأت الحرب، في منتصف أغسطس/ آب 2009، عندما أطلقت «غوغل» نظام تشغيلها الجديد كروم (Chrome) الذي ركزت غوغل في ترويجها له لكونه يعتمد في تشفير برامجه على تقنية «المصادر المفتوحة» التي تتيح مساحة أوسع للمبرمجين في التحكم في الوظائف التي يقوم بها.
ردت مايكروسوف على ذلك بالحديث عن برنامج «أوفيس10»، وسبقت ذلك بإطلاق محرك البحث الخاص بها المعروف باسم بينغ (Bing).
ردت غوغل على ذلك بإطلاق مشروعها الضخم لبناء أول مكتبة رقمية عالمية. وكانت غوغل قد نجحت في العام 2008، التوصل مع جمعية الناشرين الأميركية والنقابة الأميركية للكتاب، على صيغة أرضت جميع الأطراف ذات العلاقة بتسويق وبيع محتويات تلك المكتبة.
وبخلاف ما قد يتوهم البعض، فعندما توفر غوغل مثل هذه الخدمات والمنتجات الرقمية ذات العلاقة بها، فهي تحقق من ورائها، وبشكل غير مباشر، أرباحا خيالية عن طريق الإعلانات الإلكترونية التي تبيعها.
يكفي أن نعرف أن إيراداتها في العام 2008، بلغت من وراء بيع دعايات نصية صغيرة، يتم وضعها بالقرب من النصوص البحثية الواردة على مواقعها، ما يربو على 22 مليار دولار. أما في مجال محركات البحث، لا تزال «غوغل» في الصدارة بغير منازع، إذ بلغت حصة برنامجها 78.5 في المائة من السوق الأميركي، في الوقت الذي لم يحقق فيه محرك بحث مايكروسوفت Bing، أكثر من 8.2 في المائة حتى الآن.
واليوم تفصح غوغل عن خدمة جديدة تخاطب بها السوق العربية قبل أي منها، من الناطقة باللغات الأخرى بخلاف الإنجليزية، إذ أطلقت غوغل خدمة إجابات على تساؤلات مستخدمي الإنترنت الناطقين بالعربية. ويؤكد المدير الإقليمي لقسم التسويق لدى غوغل وائل غنيم أن شركته مصممة على الترويج لهذه الخدمات رغم أن «نسبة المحتويات العربية على الإنترنت لا تتجاوز1%».
وكما تستقوي الدول على من تحاربهم عسكريا بنسج التحالفات وبناء التكتلات، كذلك الأمر في هذه الحروب الإلكترونية، فمن المعروف أن غوغل لجأت إلى بناء تحالفات متقدمة مع شركة سوني اليابانية التي يبدو أنها قررت حينها مدفوعة بثقتها بأن مكتبة غوغل الرقمية ستعود بمنفعة عظيمة على «جهاز قارئ الكتب الخاصة بها من خلال بيع وتوفير ملايين الكتب الإلكترونية»، الوقوف إلى جانب «غوغل» في قضية المكتبة الإلكتروينة، التي تخوضها ليس ضد مايكروسوفت وحدها فحسب، وإنما أيضا للوقوف في وجه تحالف آخر بنته مايكروسوفت في حربها الإلكترونية ضد غوغل، حيث ضمت مايكروسوفت إلى صفوفها شركتي «ياهو» و»أمازون»، سوية مع مجموعات أخرى لا تتوخى الربح، من مكتبات واتحادات ناشرين وكتاب، فيما عرف باسم «اوبن بوك آلايانس» (Open Book Aliance).
المكتبة الرقمية هذه ليست مشروعا آنيا طرأ على استراتيجية غوغل الترويجية، فمن المعروف أن غوغل قد أعلنت عن عزمها على بناء تلك المكتبة قبل ما يزيد على خمس سنوات، وهو مشروع حاربته، لحظة الإعلان عنه، الكثير من مؤسسات حماية الملكية الفكرية، التي رأت فيه شكلا من أشكال الاحتكار، وانتهى الأمر بمنح غوغل الحق فقط في عرض مجاني لجزء من محتويات الكتب إلكترونيا، مع إتاحة المجال أمام من يريد اقتناء الكتاب كاملا دفع مبلغ معين، تستقطع غوغل37% منه، ويتوزع الباقي أصحاب الملكية الفكرية والتجارية للكتاب من مؤلف وناشر على التوالي.
وقد حذرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية من أحد المخاطر التي تحف بهذه الخدمة بالقول إنها من شأنها أن «تترك لمجموعة حصرية صغيرة من الناشرين والمؤلفين سلطة غير مناسبة على تحديد أسعار الكتب الرقمية، الأمر الذي يضر بالقراء».
بينما يتصفح زوار الإنترنت العرب، أخبار هذه المعارك الإلكترونية بين بعض عمالقة صناعة المعلومات، يتابعون أيضا، عبر مواقع الإنترنت والفضائيات العربية والعالمية، المعارك المسلحة الضارية المندلعة بين حكومة اليمن والقبائل الحوثية، نظرا لخلافاتها المذهبية معهم، ويتلقون أيضا أخبار فشل سعد الحريري في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة نظرا للخلاف الناشب بين مختلف الطوائف الدينية والمذهبية في لبنان. ويشاهدون أخبار المعارك في قطاع غزة الفلسطينية بين الطائفة الواحدة، ويصل الأمر إلى مجزرة دموية بين فصيلين إسلاميين يفترض أنهما ينتميان إلى المذهب ذاته.
ولا يختلف الأمر في البحرين، حيث شرعت القوى السياسية البحرينية في سياق استعداداتها لانتخابات 2010 البرلمانية، تنظر إلى الخريطة السكانية للأصوات الانتخابية بعين طائفية بحتة. لقد تلاشت، بغض النظر عن النوايا الطيبة لتلك القوى، المقاييس الوطنية النبيلة، كي تحل مكانها معايير الطائفية البغيضة.
قائمة معارك العرب الطائفية والمذهبية طويلة وتمتد من جبال أطلس في المغرب العربي في أقصى الشمال الغربي حتى مرتفعات اليمن في أقصى الجنوب. قد تختلف التسميات، وتتعدد الأسباب، لكن الأمر لا يعدو، في جوهره، أن يكون صراعا طائفيا تشوبه في أحيان كثيرة نكهة قبلية كي تزيد من أوار اشتعاله.
باختصار مؤلم، بينما يحاول العمالقة اقتسام الأسواق العالمية، من أجل جني المزيد من الأرباح أولا، وترسيخ أقدامهم في تلك الأسواق ثانيا، نصر نحن العرب على تأجيج صراعاتنا القبلية - الطائفية دون أن نتورع من إضفاء الصبغة الإيدلوجية المعاصرة عليها.
الأسوأ من ذلك كله، أنهم دون أي شك، سيصلون إلى حل خلافاتهم بشكل حضاري عبر قنوات بناها لهم تطورهم الحضاري الذي وضعت أسسه أيديهم، لكننا سنواصل السير في غي صراعاتنا التي لا نعرف وسيلة لحلها أرقى من قعقة السلاح ولغة الحروب وأصوات المعارك.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2562 - الخميس 10 سبتمبر 2009م الموافق 20 رمضان 1430هـ
الطف موضوع
هاذا الطف موضوع كتبته الى انه يفتقد الى الدوافع واسباب الحروب في الوطن العربي وهو انه مازال الوضع السياسي لم يكن له نضوج فكري فالبعض يعبد الوالي او الحاكم بعتباره الوالي الاهي الشرعي والبعض يرزح تحت العنصريه والآخر مخدر تحت تأثير وسائل الاعلام العربيه وآخرون مغلولي الايدي وملجومون اما بالمال الحرام او بلجام من حديد اخوكم عبد علي عباس البصري