أمس (الأربعاء) الموافق 9 سبتمبر/ أيلول 2009، انعقد الاجتماع 132 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة 28 بندا تتناول مختلف قضايا العمل العربي المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والإدارية في العالم العربي، يتقدمها جميعا موضوع الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وفي القلب منها الملفات العربية التي ستطرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المقبلة، إلى جانب الاجتماع التنسيقي لوزراء الخارجية العرب داخل أروقة الأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا الشهر.
من يتابع تاريخ مسيرة جامعة الدول العربية، يجد في محطاتها المفصلية الكثير من الشبه مع تلك التي صادفتها الأمم المتحدة. فعلى مستوى تاريخ الولادة، جاء تأسيسهما بشكل مستقل بعد الحرب العالمية الثانية. الأولى، وهي الجامعة العربية، انبثقت في أعقاب انعتاق العديد من الدول العربية من ربقة القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية، وبحث تلك الدول العربية المتحررة، عن إطار سياسي فعال قادر على تنظيم العلاقة فيما بينها من جهة، ومن بينها جميعا ودول العالم الأخرى من جهة ثانية، أما الأخرى، والتي هي الأمم المتحدة، فقد جاءت هي أيضا على أنقاض عصبة الأمم التي لم تعد، من الناحيتين الهيكلية والسياسية، قادرة على التعامل بالكفاءة المطلوبة مع الظروف الجديدة التي ولدتها إفرازات الحرب الكونية الثانية.
على مستوى القيادة، نجد بالنسبة لجامعة الدول العربية، تبوء مصر، وباستحقاق حينها مقعد الريادة والقيادة في هياكل الجامعة والمؤسسات المنبثقة عنها.
كانت مصر في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي تسبق الدول العربية الأخرى، بما فيها دول مثل المغرب والسعودية، من ناحية حضورها الدولي، وأدائها الاقتصادي، وتطورها الداخلي. الأمر ذاته ينطبق على الأمم المتحدة، حيث تبوأت الولايات المتحدة باستحقاق أيضا منصبا رياديا في تلك المنظمة.
كانت واشنطن حينها الدولة الأقل تضررا من ويلات الحرب الكونية الثانية، واقتصادها الأفضل أداء على المستوى العالمي، الأمر الذي أتاح لها فرصة تمويل مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا، وموافقة الدول كافة على أن يكون الدولار هي العملة الدولية للتبادل التجاري العالمي.
لكن ومن جانب آخر، ومنذ انطلاقة الجامعة العربية وإلى يومنا هذا، عانت مصر، كدولة قائدة الكثير من الانتكاسات العسكرية والسياسية، أولها كانت هزيمتها في العام 1962 في حرب اليمن، تلتها هزيمة أكبر تلقتها مصر في حرب يونيو/ حزيران 1967، عزز من سلبياتها هزيمة مصر السياسية في معاهدة السلام التي وقعتها مع «إسرائيل» في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، والتي عانت فيها مصر من عزلة عربية قاتلة أضعفتها على المستويين الاقتصادي والسياسي، إلى درجة نقل مقر الجامعة من مصر إلى تونس.
الحالة قريبة من ذلك بالنسبة للأمم المتحدة، حيث جردت الهزيمة في حرب فيتنام في مطلع السبعينيات، الولايات المتحدة من الكثير من عناصر قوتها السياسية العالمية، انعكست سلبا على نفوذها داخل أروقة الأمم المتحدة، ثم توالى تورط واشنطن في حروب منهكة في أميركا اللاتينية وأفغانستان والعراق، ليعزز من عناصر الضعف لديها، والتي توجت بهجمات سبتمبر/ أيلول 2001 على برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك.
كان ذلك على المستويين السياسي والعسكري. أما على المستوى الاقتصادي فقد أطاحت الأزمة المالية الأخيرة التي انطلقت من واشنطن، بما تبقى للولايات المتحدة من هيبة ونفوذ في الأوساط المالية العالمية، مما أدى إلى إضعاف نفوذها داخل الأمم المتحدة.
وعندما ننتقل إلى عضوية الجامعة العربية، نجد صعود دول فتية، ومن بينها دول الخليج العربي مثل الكويت وقطر والإمارات، مقابل تضعضع دول عربية كبرى مثل مصر وسورية والمغرب، من جراء القوة الاقتصادية التي مد بها النفط وعوائده تلك الدول الفتية التي أصبحت غنية، وذات حضور قوي في المحافل العربية والدولية في آن. هذا البروز للدول الصغيرة، لم يكن في وسع أن تقبل به، ولم تتردد في محاربته، ولعل أسطع وآخر مثال عليه، هو الحرب التي شنتها مصر، وباعترافها، على مؤتمر القمة الذي دعت إليه الدوحة في أواخر العام 2008، نظرا لعدم أخذ قطر الإذن من مصر أولا، ولعدم انخراطه في المعادلة المصرية تجاه ترتيبب الأوضاع العربية ثانيا.
الوضع شبيه، الى حد ما في أروقة الأمم المتحدة، حيث ترفض واشنطن أن يشاركها في عضوية مجلس الأمن الدائمة أي من القوى العالمية الصاعدة مثل الهند أو الصين، اللتان باتتا، بحكم تطورهما الاقتصادي، وعلاقاتهما الدولية، يشعران بحقهما في إعادة هيكلة الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي العالمي، بما يراعي هذا التطور الجديد الذي طرأ على ساحة العلاقات الدولية، اقتصادية كانت أم سياسية، وخصوصا أن الولايات المتحدة، باتت مديونة ماليا لدولة مثل الصين، بعد أن كانت واشنطن هي الدائنة الأكبر للاقتصاد الأوروبي، كما ذكرنا.
محصلة هذا النهوض من قبل الدول الصغرى والفتية في المؤسستين، وهذا التقهقر من قبل الدول الكبرى فيهما، والمشوب برفض، غير المنطقي، من قبل الدول الكبرى فيهما للاعتراف بالمعادلات الدولية الجديدة، أدّت إلى بروز ظاهرتين أساسيتين في المؤسستين:
1. تشظي غير معلن، لكنه ملموس، انبثاق منظمات إقليمية مناطقية، مثل الاتحاد الأوروبي بالنسبة للأمم المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي على مستوى جامعة الدول العربية. كلا الجسدين الإقليميين، حاول بشكل مستقل، أن تنبثق عنه مؤسسات نشطة وفعالة وموازية لتلك العاملة تحت مظلة الأمم المتحدة.
2. شلل في أجهزة تلك المؤسستين، وعجزهما عن أداء وظائفهما على النحو الذي كانت عليه الأمور حتى منتصف السبعينيات. ولذلك كثيرا ما نجد تأجيل فعاليات الجامعة مثل مواعيد انعقاد القمم العربية، أو تنفيذ قرارات مجلس الجامعة. والحالة ذاتها تنطبق على الأمم المتحدة، والموقف من الملف النووي الإيراني، وقبله برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق دليلان ساطعان على سطوة ذلك الشلل على جسمي المؤسسين والمنظمات المنبثقة عنهما.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ