العدد 2559 - الإثنين 07 سبتمبر 2009م الموافق 17 رمضان 1430هـ

وزراء الصحة وسنة الرحمة

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أكاد أجزم ان معظم شباب الخليج لا يعرفون شيئا عن «سنة الرحمة» وربما قلة منهم من سمع باسمها من أبيه أو جده، هذه السنة التي أتت على الأخضر واليابس من أرواح الخليجيين وكذلك من أرواح بقية خلق الله...

يتحدث بعض المؤرخين عن هذه السنة فيقولون إنها وقعت سنة 1337هـ 1919م أي قبل ثلاثة وتسعين عاما على وجه التقريب.

وفي هذه السنة مات آلاف الناس في نجد والاحساء والخليج والعراق، كما مات عشرات الملايين في العالم أوصلها بعضهم إلى خمسين مليونا، وكانت كل هذه الوفيات خلال ثلاثة أشهر...

وعن هذه السنة يقول المؤرخ السعودي إبراهيم العبيد في تاريخه «أولي النهى والعرفان»: «سنة الرحمة حيث يؤرخ أهل نجد بها وقع فيها الطاعون والعياذ بالله وهلك بسببه في الجزيرة ألوف، وفشى المرض في الناس، وقل من سلم منه، وكان عاما في نجد والاحساء والخليج والعراق واستمر ثلاثة أشهر وبسببه هجرت المساجد وخلت البيوت من السكان، وهملت المواشي في البراري فلا تجد لها راعيا ولا ساقيا فكان يصلى في اليوم على مئة جنازة.

ويروي آخرون ان أسرا بكاملها كانوا يموتون دفعة واحدة، ولا يعرف الناس عن موتهم ألا بعد ان يفتقدوهم فكانوا يكسرون عليهم الابواب فيجدونهم أمواتا جميعا.

وقد روى بعض أهالي الاحساء ان زوجا وزوجته ماتا بعد أيام قلائل من زواجهما ولم يعرف اقاربهما بذلك الا بعد أن كسروا عليهم الابواب...

وقالوا أيضا: كان من عادة الناس ان يصلوا على الموتى في جامع المدينة فلما كثر الموتى وشق على الناس الذهاب المستمر إلى الجامع طلب منهم الشيخ ان يصلوا على موتاهم في مساجدهم القريبة من منازلهم.

ومن غرائب ما كان يحصل في هذه السنة أن أهل الميت كانوا لا يجدون - أحيانا - من يساعدهم على دفن ميتهم، بل قد يكون أهل الميت كلهم واحدا في بعض الاحيان فكان يحمل ميته على ظهره ويسير به إلى المقبرة لدفنه لا يجد أحدا يساعده!

روايات في غاية الغرابة تحدث عنها المؤرخون والذين حضروا حوادث هذه السنة أو سمعوا عنها من أقاربهم عن كثرة وغرائب الوفيات ومشاعر الاهالي من نساء وأطفال وشيوخ وهم يرون أقاربهم يموتون أمام انظارهم الواحد تلو الآخر وهم لا يستطيعون ان يقدموا لهم شيئا.

ويرى استاذ الطب الباطني والباحث في تاريخ الأوبئة صالح الصقير ان ما حدث في نجد العام 1337هـ ما هو الا انفلونزا الخنازير وهو امتداد لجائحة عالمية قضت على 4 في المئة من سكان العالم آنذاك.

هذه الانفلونزا عادت اليوم وانتشرت في العالم كله بما فيه عالمنا الخليجي الذي بدأ الموت يدب بين سكانه، وبدأت المستشفيات تزدحم بالمرضى الذين أصيبوا به ولا يعرف أحد سيخرج منهم إلى بيوتهم وكم سيخرج منهم إلى المقابر!

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن اللقاحات الموجودة غير قادرة على توفير الحماية ضد هذا المرض لأن فيروسات الانفلونزا تتغير بسرعة فائقة!

وإذا عرفنا ان هذه اللقاحات غير متوافرة بصورة كافية في دول الخليج فكيف سيكون حال المرضى!

ومن المؤسف ان دول الخليج لا تولي هذا المرض العناية التي يجب ان يحظى بها تحت حجج واهية لعل من أهمها: الرغبة في عدم تخويف الناس!

في اليابان - مثلا - لا يدخل أي مسافر حتى يتم فحصه في المطار، ثم يعطى كمامات خاصة بعدد الايام التي سيقضيها في اليابان، ثم يتم الاتصال به في محل سكنه بعد أيام من وصوله ليتم الاطمئنان على صحته...

قولوا لي بربكم: هل يحصل شيء من هذا في خليجنا الطيب!

وهل هناك لقاحات كافية في كل مستشفى؟! بل هل هناك من يستطيع تشخيص المرض بسرعة وقبل ان ينتشر في العائلة التي أصيب بعض أفرادها، أو في المستشفى الذي نقل إليه المريض!

أليس من اللافت للنظر والمؤسف في الوقت نفسه ان يصيب هذا المرض بعض أفراد الطاقم الطبي نظرا إلى جهلهم به!

والآن: ماذا صنع وزراء الصحة في دول الخليج لتفادي انتشار المرض بين المواطنين؟ ماذا صنعوا والدراسة على الابواب، والشتاء قادم! كيف يستطيع الأطفال تفادي المرض في مدارسهم؟

يقولون: كل شيء على ما يرام! الوضع تحت السيطرة التامة! كل المستشفيات جاهزة...

فإذا قيل لهم: فما بال الموتى يتزايدون؟! قالوا: قضاء وقدر... ومن يستطيع ان يقف في وجه القضاء والقدر؟!

وإذا قيل: أخروا دراسة الاطفال رحمة بهم... قالوا: إن فعلنا ذلك قيل إننا مقصرون وهذا لا يجوز!

أقول: تعودنا ان لا نفيق إلا بعد صدمة فهل سيتغير الحال؟!

وبقي ان أقول إن أهل نجد وبعض العرب قبلهم كانوا يسمون الأشياء السيئة بأضدادها؛ فالأعمى يقال له: «بصير» وصاحب العين الواحدة يقال: «كريم العين» والأسود «أبيض». ومن هذا الباب أطلقوا على تلك السنة التي مات منهم آلاف الناس بأنها «سنة الرحمة» أسأل الله أن لا يرينا أي «سنة رحمة» وأن يلهم وزراء الصحة ان يعملوا شيئا لمقاومة أي رحمة من ذلك النوع...

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2559 - الإثنين 07 سبتمبر 2009م الموافق 17 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • FKA | 7:36 م

      يا رب ارحمنا واعطف علينا

      سلمت يمينك على هالمقال...
      وصج ، شفنا الأحداث المذكورة بمسلسل "منيرة" اللي ينعرض على قناة بو ظبي ... وفعلاً ، يوم قريت انا كلامك ، تصوّرت الموقف كأنني اشوف المسلسل من كثر مو اسلوبك مصوّر الموضوع عدل .

    • زائر 3 | 5:14 م

      اول اسبوع مابودي الاولادي وكيفكم يا تربية

      مو مستغنية عن اولادي صراحة كفاية اني اعمل بمركز صحي وخايفة على روحي وزوجي بمستشفى وخايفةعلى اولادي والله الحافظ يارب تحفظنا

    • nada | 1:20 م

      يجب تأجيل العام الدراسي

      يجب على الوزارة تاجيل العام الدراسي يا ناس
      الوقاية خير من العلاج

    • زائر 2 | 6:40 ص

      مقال يوزن ذهب

      الكاتب الفاضل، أحسنت لقد أصبت وزراء الصحة في مقتل، ووزراء التربية كذلك الذين يريدون البرهنة على عبقريتنا بذهاب الأطفال إلى المدارس سريعا والأطفال لا يعرفون كيف يحموا أنفسهم ويتبعوا الإرشادات الصحية، كان الله في عون الجميع

    • زائر 1 | 5:29 ص

      الرحمة

      تراك خوفتنا وايد بروحنا ميتين من الخوف

اقرأ ايضاً