قرر المدعي العام الأميركي تعيين مُدّعٍ عامٍّ خاص للتحقيق في عمليات التعذيب التي كان يقوم بها عملاء وكالة المخابرات المركزية أثناء التحقيقات مع من تعتبرهم الولايات إرهابيين أو أعداء الولايات المتحدة.
وقد كشف تقرير أعدّه المفتش العام لوكالة المخابرات المركزية الأميركية عن أساليب وحشية في تعذيب السجناء والمعتقلين بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. ويكشف التقرير الذي أنجز في أبريل/ نيسان 2004 عن تفاصل مرعبة لأساليب التعذيب تعتبر انتهاكا صارخا للدستور وللقانون الأميركي، ويكشف التقرير من بين تلك الأساليب الإيهام بالإعدام، وتصويب السلاح الناري، والمخراز الكهربائي، والتهديد بقتل الأبناء، مثلما حدث لخالد الشيبة، والذي يعتبره الأميركيون العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر 2001، والإغراق في الماء وغيره، لقد كشفت الصور المتسربة من سجن أبوغريب جانبا بسيطا من أساليب التعذيب لكن التعذيب استخدم مختلف الأساليب في السجون والمعتقلات الأميركية في أفغانستان والعراق والسجون السرية في عدد من بلدان أوروبا الشرقية والدولة العربية والعالم الثالث، بتعاون كامل من محققين وأجهزة مخابرات في هذه البلدان. كما أن الكثير من البلدان الغربية وغيرها قد تعاونت مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية في استدراج أو القبض على المتهمين واستخدمت الوكالة طائرات مستأجرة استخدمت القواعد والتسهيلات التي تحصل عليها الولايات المتحدة في عدد من البلدان ومنها قواعد بريطانية مثل جوام وقد عمد عملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى اختطاف العشرات ممن يعتبرون أنهم ضالعون في مخططات إرهابية ضد الولايات المتحدة من عدد من البلدان ومنها إيطاليا كما استدرجوا بعضهم إلى بلدان أخرى مثل اليمني الشيخ المؤيد الذي استدرج إلى ألمانيا وتم اعتقاله ونقله إلى الولايات المتحدة، بتهمة دعم «حماس».
ليست وكالة المخابرات المركزية الأميركية لوحدها هي المتورطة في إكمال التعذيب بل إن مخابرات دول حليفة وصديقة مثل بريطانيا ومصر وباكستان متورطة أيضا في التعاون مع الأميركيين في استجواب وتعذيب مواطنيهم، وتسليمهم إلى الأميركيين.
وعلى رغم خطورة أعمال التعذيب المرتكبة، فإن المدعي العام الأميركي إيريك هولدر أكد أن وزارة العدل الأميركية لن توجه اتهامات رسمية لأي عميل للوكالة، تصرف عن حسن نية في إطار التوجيهات القانونية التي قدمها المسئولون السابقون لوزارة العدل، إن في ذلك تناقضا واضحا حيث إن ما سمح به المسئولون السابقون في ظل وزير العدل السابق في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش حيث أجازت لعملاء الوكالة استخدام وسائل تعذيب تنتهك الدستور الأميركي وتنتهك الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والاتفاقات الدولية المعنية. وفعلا فإن الولايات المتحدة في ظل بوش لا تعتبر نفسها ملزمة بالاتفاق المذكور بالنسبة إلى المنظمات الحقوقية الدولية وفي مقدمتها منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch) فإنها لا ترى معنى للتفريق ما بين ما صرحت به وزارة العدل في ظل بوش من أساليب استجواب قاسية وما لم تصرح به والتي وصفها المفتش العام لوكالة الاستخبارات الأميركية، ففي كلا الحالتين فهو ينتهك الدستور الأميركي.
وحذرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان من «أن ينحرف التحقيق للنائب العام الخاص إلى قلة من المتهمين المحققين سيعتبرون خارجين عن القانون وتصرفوا خارج التفويض الرسمي، وتستثني كبار المسئولين الذين يتحملون المسئولية عن برامج وكالة المخابرات المركزية». وحذرت من «أن ذلك يعني إعادة اعتبار لعهد بوش»، ودعت منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى تحقيق علني شامل لمرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001 من انتهاكات من قبل لجنة تحقيق مستقلة. ذلك يعود إلى أن التحقيقات السابقة سواء من قبل الكونغرس أو وزارة العدل لم يكن شاملا أو مستقلا، وقد قامت منظمة مراقبة حقوق الإنسان بتوثيق 350 حالة تغذيب، تورط فيها 600 من المسئولين الاستخباريين الأميركيين، وهو ما يجعل التعذيب منهجيا وليس عرضيا. لكنه حتى الآن لم تجر محاكمة أو محاسبة أيٍّ من المتورطين الاستخباريين أو العسكريين الأميركيين.
إن ما كشف عنه تقرير المفتش العام لوكالة المخابرات المركزية إلى جانب مذكرات وزارة العدل بالتصريح بأساليب استجواب قاسية، وتقييم لفعالية أساليب التعذيب هذه مريع. لكن أي تحقيق مستقل سيكشف عما هو أكثر وحشية.
الرئيس باراك أوباما يؤكد تكرارا على النظر إلى المستقبل ونسيان الماضي وهو ما لا يتسق مع العدالة. والرئيس أوباما وعد بإغلاق سجن غوانتنامو لكنه لم يغلقه، والرئيس أوباما وعد بإيقاف المحاكمات العسكرية، لكنه لم يوقفها وها هو وزير العدل يحجِّم كثيرا من أبعاد التحقيق وما يترتب عليه، فهل هي عملية تساوق بين رئيس وضعت عليه آمال كبيرة، ومؤسسة المصالح الأميركية الراسخة؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ