نادرا ما تنتهي أي من النقاشات السياسية، أو تلك التي تناقش انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الأوضاع المحلية، والتي تدور اليوم في المجالس الرمضانية، أو على صفحات الصحف اليومية، إلى موضوع آخر غير الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي تجر معها نقاشات حول الموقف من المشروع الإصلاحي الذي صاغه جلالة الملك، والذي قاد بدوره إلى الحالة السياسية التي تعيشها البحرين اليوم.
من يتابع تلك النقاشات الساخنة بوسعه أن يحصر تياراتها الرئيسة في ثلاث اتجاهات أساسية هي:
1. المدافع المطلق عن المشروع الإصلاحي، والذي يضع المشروع، فوق الجميع، ويراه أنه وصل إلى درجة عالية من الكمال الذي لا يبيح، لأي كان أن يوجه أي شكل من أشكال النقد له، أو حتى مجرد إبداء الملاحظات بشأنه، متوهما أن أيا منهما، قد يؤدي إلى إضعاف هذا المشروع، أو تحجيمه.
يحارب هذا الاتجاه كل من تسول له نفسه الإشارة إلى أي من نواقص المشروع. ومن الطبيعي أن تجرد هذه الذهنية المشروع ذاته من تلك العناصر التي يحتاجها كي تمده بالديناميكية التي تؤهله للنمو والتطور.
هذا الاتجاه المفرط في الدفاع، غير الموضوعي، عن المشروع الإصلاحي، يحول هذا الأخير إلى جثة هامدة فاقدة لأي شكل من أشكال الحياة، زارعا من خلال هذا الموقف الجامد بذور إصابة المشروع بالشلل، إن لم يكن حفر قبر وأده بيده.
2. المتهجم بشكل مطلق على المشروع الإصلاحي، والذي لا يرى منه سوى السلبيات والنواقص، متعاميا عن كل جوانبه الإيجابية.
هذا الاتجاه التشاؤمي السلبي، بقدر ما يسيء إلى المشروع، فهو يحرم المواطن من الكثير من الجوانب الإيجابية التي رافقت انطلاقته، وتلك التي انتزعها المواطن من خلال القنوات التي تسمح لذلك المواطن النفاذ منها والوصول إلى ما يريد تحقيقه عن طريقها.
هذه النظرة السوداوية الأحادية الجانب، تغلف المشروع بسياج سلبي يقف عقبة في وجه النضالات الجماهيرية التي تحاول توسيع الهوامش الإيجابية، كي توصل المشروع إلى المحطة التي لا يعود أمامه أي مجال من مجالات العودة منها إلى الخلف، ومن ثم إمكانية التراجع عن تلك المكاسب التي دشنتها انطلاقته.
3. المقوم الجدلي، الذي ينظر إلى المشروع من زاوية ديناميكية حية، ذات أفق جدلي، تضعه في إطاره التاريخي أولا، وفي سياج القوى الاجتماعية التي وقفت وراء إطلاقه ثانيا، ومن خلال تشخيصها للقوى المتضررة منه ثالثا، وفي نطاق تأثيراته على الحركة السياسية البحرينية وآفاق تطورها رابعا، وليس أخيرا.
هذه النظرة بقدر ما ترى الجوانب المضيئة فيه وتعمل على التمسك بها، وتناضل في سبيل ترسيخها وتقدم التضحيات من أجل ضمان عدم تراجع المشروع عنها، بقدر ما لا تتعامى تلك السلبيات، فتعمل على تقليصها أولا، وضمان عدم انتقال عدواها إلى المشروعات الإصلاحية الأخرى الثانوية المتولده عنه ثانيا، واستئصال شأفتها كل ما أمكن ثالثا.
هذه الاتجاهات الثلاثة من الطبيعي أن تتعايش. على رغم أن أحدها، وخاصة الأول منها، وفي مراحل معينة، لا يتردد في محاولاته لنفي الآخرين، ووضع العراقيل أمام نمو أي منهما، إلا رغما عن إرادته.
وعلى نفس المنوال سيقع الاتجاه الثاني، بوعي أو من دون وعي، في فخ اليأس الذي قد يدفعه إلى اللجوء إلى أساليب نضالية توصله مع المشروع الإصلاحي أمام طريق مسدود، لا يجد معه من يقفون وراء المشروع خيارا آخر سوى التراجع عنه ونسف ما تمخض عنه خلال السنوات التسع الماضية من حياته.
منطق الأمور يقول إن التيار الثالث هو الأكثر عقلانية، ومن ثم الأكثر حظا في النجاح والنمو، وأن كان لهذا الاتجاه من كلمة يقولها للتيارين الآخرين، فهو عند مخاطبته للاتجاه الأول سنجده يشير نحو أعتى الأنظمة الديمقراطية، وأكثرها رسوخا، مبرزا ما نشاهده أو نسمعه من دعوات متنامية من أجل تطوير تلك الأنظمة وعدم الاكتفاء بالمستوى الذي وصلت إليه، على رغم حيازته على الكثير من الجوانب الإيجابية، بالمعنى السياسي للكلمة.
ولعل في نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة الكثير من الدروس على هذا الصعيد.
بالمقابل، وعندما يستدير الاتجاه الثالث الديناميكي، نحو الاتجاه الثاني، فمن الطبيعي أن يحذره من مخاطر تأثيرات النزعة العدمية على نفسيات الجماهير وحماسها، ومن ثم استمرار قدرتها على مواصلة النضال، وعدم التوقف عن العطاء.
الاندفاع المطلق نحو تأييد المشروع الإصلاحي، والجمود السلبي منه، كلاهما يقودان نحو نفس النهاية، على رغم اختلاف النوايا، والتي هي تجريد المشروع ذاته من مقومات صموده واستمراره، وعودة البحرين، لا قدر الله، إلى عهود «قانون أمن الدولة» البغيض.
لذلك فأكثر ما تحتاجه الحركة السياسية البحرينية من الاتجاهين المتطرفين، الأول الغارق في مياه الثناء اللا محدود، والداعم اللا متناهي، وبين الثاني، الممعن في النظرة السوداوية اللا متوازنة، هو الخروج من الإطار الذي وضع كل منهما، وبشكل مستقل، في إطاره، والنظر بشيء من التجرد فيما يطرحه الاتجاه الثالث من نظرة متزنة تفتح آفاقا جديدة وواسعة لعمل نضالي بناء ومثمر في آن.
كل ما يتطلبه الوصول إلى هذا التيار الوسطي الديناميكي، هو أن يأخذ الاتجاه الأول جرعة من الموضوعية تمكنه من النظر إلى الأمور بشكل متزن، وبالقدر ذاته أن يتلقى الاتجاه الثاني حقنة من الشجاعة تؤهله للخروج من سجون النظرة المحدودة التي تحيط به أسوارها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ
آمل أن يكون هذ البحث نواة إصلاح لهذا المرفق وأن يسطر على صفحات التاريخ أحداثه
لأنني لن أكتفي بوضعه في رف المكتبة العامة أو في الإرشيف الأكاديمي للجامعة كما لا أنسى أن أوجه شكري وثنائي الجميل وامتناني لكل شخص هاجمني ليمنعني من نشر بحث الدكتوراه كما أن الشكر موصول الى كل من حاك الدسائس الكيدية ضدي للتراجع عما أنا عليه إلى هؤلاء جميعا أقدم شكري العميق لهم لأنهم علموني كيف أكون مظلوما فانتصر. وأختم قولي بقول الله سبحانه وتعالى ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)