العدد 2553 - الثلثاء 01 سبتمبر 2009م الموافق 11 رمضان 1430هـ

الغلو من عظائم الأمور

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

قال الإمام محمد بن إدريس بن العباس الشافعي رحمه الله صحة النظر في الأمور، نجاة من الغرور. والعزم في الرأي، سلامة من التفريط والندم. والرؤية والفكر، يكشفان عن الحزم والفطنة. ومشاورة الحكماء، ثبات النفس وقوة في البصيرة. ففكر قبل أن تعزم وتدبر قبل أن تهجم وشاور قبل أن تتقدم.

هذه المقولة نستهل بها قراءة صور الغلو في أهل العلم المعاصرين خصوصا، حيث نرى بعضهم يصف شيخه أو معلمه بما لا يقبله عقل أو منطق. فعلى سبيل المثال لا الحصر تعصب طالب العلم لشيخه، فربما هذا الطالب لم يتعاط العلم على يد شيخ سواه، فإذا خالفت شيخه في مسألة أو نقدت كلاما له، قامت الدنيا ولم تقعد فلماذا؟، بل ويرد ويخيل إليه الشيطان أنه يدافع عن الحق والحق ما قال شيخه. وهذا يقودنا إلى قياس مساحة العقل الذي وهبنا الله تعالى للاستنباط.

حيث المبالغة في الثناء تقودنا إلى إلغاء العقل، ومن صور الغلو في أهل العلم ترى قوله معتبرا في كل علم، بل يعول عليه، وإن كان الحق خلافه. حتى أصبحنا نرى رسائل علمية مثلا بعنوان «جهود الشيخ... في علم كذا»، وهو من أقل الناس بضاعة في هذا العلم، بل ترى الشيخ يصرح في مواضيع بقلة عنايته بهذا العلم، فإن لم يكن مؤلفها من أدرى الناس بهذا، فهو قليل البضاعة في هذا العلم.

إن حصر العلم والفضل على بعض أهل العلم مذمة لهم أكثر مما تكون مدحا في وجهة نظري، وهنا نتناول المشايخ المعاصرين، إذ إننا نسمع ممن يوصف بالعلم فضلا عن العامة ويوصف بأن لا علم بعده، ولا أدل على هذا من بعض من وصفهم في سيرتهم التي توالت طيلة هذه السنين بالقصائد التي كتبت، أو وصفهم بالصحابة، وفيها غلو واضح. لا ريب فيه ولا تحوير ولا تقريب.

وهذا يقودنا إلى المفاهيم القديمة التي تتحكم بحياة الفرد والمجتمع مبنية على القوة والإرهاب الفكري وإرهاب الطرف الضعيف، على سبيل المثال لا الحصر لا يمكن لأية قبيلة الاستمرار بنمط حياتها ما لم تجد مهارة الإغارة والغزوات، وكذلك عند الحديث عن المفهوم الديني، فسيد هذا المفهوم هو شيخ ذلك الطالب ويجب على الكل أن يدين لهذا الرمز بالولاء والطاعة ولا يمكن لأحد مناقشته مهما كانت قوة هذا الطرف الذي يروم أن يكون منافسا في صنع القرار والرأي، لأن قدسية هذا الشيخ محاطة بقدسية خاصة حتى وصل الأمر إلى العصمة والتأليه والعياذ بالله، والتسليم له في كل الأمور سواء كانت دينية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وإن كانت بضاعته في الأمور غير الدينية قليلة، وهذا ما يسمى بالغلو بحسب الثقافات.

لهذا يجب على العاقل أن يجد سبيلا للخلاص من هذا التسلط الذي كان غالبيته يستمد قوته باسم هذا الشيخ، على أقل تقدير، ترك مساحة للعقل للتفكر والتدبر والتمييز بدل إلغائه.

وهذا يرجع للفرد العاقل بأن يقر بأن الشيخ بشر يصيب ويخطئ، وليس مقدسا ولا صاحب ذات معصومة كي لا ننجر إلى الغلو المفضي إلى الشرك بالله تعالى، لأن فيه لونا من تعظيم المخلوق بتصرفات لا يستحقها.

فالغلو في العلماء والصالحين هو أن ترفعهم إلى درجة التشريع والعصمة، حتى لو لم تقل ذلك بلسانك، فالأفعال كافية في وضوح هذا التوجه لدى البعض.

أليس هذا هو المفهوم الحقيقي لاحتكار الصواب ومصادرة عقول الناس وفهمهم؟.

ما أردنا قوله هو إن مسألة الغلو مسألة مهمة يجب أن يوليها العلماء وطلاب العلم عناية خاصة، وأن يربّوا طلابهم على إتباع الدليل لا التقليد، حيث التعصب للأشخاص والانتصار لآرائهم عانت منه الأمة، وآثار هذه المعاناة غير خافية على أحد ولا تحتاج إلى قوة بصيرة.

إذن بما أن العلماء غير معصومين عن الخطأ والوهم، فإن الواجب عدم الغلو في توصيفهم ووصفهم وقد حذر الفاروق رضي الله عنه: من زلة العالم، قال ثلاثة يهدمن الدين، زلة عالم، وجدال منافق، وأئمة مضلون. وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة ضلالة على لسان الحكيم. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ويل للأتباع من زلة العالم. قيل: وكيف؟ قال: يقول العالم الشيء برأيه، فيلقى من هو أعلم منه برسول الله (ص) فيخبره فيرجع، ويقضي الأتباع بما حكم.

من المعلوم إن الدين حق والحكمة حق والحق لا يضار الحق، لذا نقول إن الغلو وإلغاء عقل الإنسان طريق للضلال، وخصوصا حين تكون إعمال العقل منوطة فقط بالتمجيد لهذا أو ذاك، حيث هذا أوصلنا إلى التمنطق الذي يحكم فكرنا بشكل ينفي العقل، وينقله إلى الزوايا المظلمة ويفسح المجال لمن يعتقد به البعض بفهمه الظاهر والسطحي ليكون المرجع الوحيد لحياتنا مع أن هذه الحالة غير السوية هي تجاوز للنص الديني في حد ذاته الذي يدعو لاستثمار العقل الذي وهبنا إياه الله سبحانه وتعالى.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2553 - الثلثاء 01 سبتمبر 2009م الموافق 11 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:31 م

      صدقت يا بوخالد

      يجب علينا جميعا ان نتخذ من كتاب الله وسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين منهج لنا واما العلماء ففيهم من يصيب وفيهم من يخطء فهم بشر مثلنا فتشدد في الرئي يلقي دور العقل .
      والمثال واضح امامنا في كثير من الامور .

    • زائر 4 | 8:58 ص

      الغباء والغلو في العلماء

      أما في من قدس العلماء ممن كان قبلنا فيقول الله تبارك وتعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ... )الآية، أي أن علمائهم كانو يحلون الحرام ويحرمون الحلال وكانوا يتبعونهم من غير تفكير، كانوا يعطلون عقولهم ويتبعون بعمى وغباء، كما يحصل الآن عند الكثيرين
      والله المستعان

    • زائر 3 | 8:56 ص

      صح لسانك

      صح لسانك يا بو خالد، صدقت ورب الكعبة
      ما أهلك أقواما كانوا قبلنا إلا غلوهم سواء في الصالحين أو في العلماء إلى أن وصل الأمر لتقديسهم ثم تطور إلى عبادتهم، ولا أعني عبادتهم هنا أنهم كانوا يعتقدون بربوبيتهم وألوهيتهم، إنما كانوا يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفا ظنا منهم أنهم بهذا مصيبون وهم والله مخطؤون، وكانوا يتبعون علمائهم على عمى في الحق والباطل

    • زائر 2 | 1:09 ص

      أحسنت

      عرض وتناول هذا الموضوع جيد وموضوعي ‘ دون الإشارة إلى أحد من قريب أو بعيد ، وأعتقد بأن الرسالة وصلت لكل من يعنيه الأمر.

    • زائر 1 | 11:24 م

      لا غلو ولا اجحاف

      ( الغلو ان يجاوز حده) فهل لوأني وصفت انسان بانه وليد الكعبه وانه افقه الناس وابلغهم واشجعهم واتقاهم واعلمهم بامور الدنيا والدين فان كان هاذا غلو فانا اول مغالي . عبد علي البصري

اقرأ ايضاً