«أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هوية الانتحاري الذي نفذ محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية الأمير محمد بن نايف، وهو عبدالله حسن طالع عسيري المطلوب رقم 40 من قائمة الـ 85... ووصف البيان الذي نشره المركز الأميركي لمراقبة المواقع الإلكترونية الإسلامية منفذ العملية بـ (البطل)... فيما عرضت السلطات العراقية أمس الأول تسجيلا لقيادي سعودي دخل العراق بعد تلقيه تدريبات قتالية في سورية، وتلقى الدعم المالي من سورية ومن السعودية»...
«أوضح الرئيس السوري بشار الأسد، بعد اتهام بغداد لها باستضافة أشخاص على صلة بالهجمات الدامية التي أودت بحياة أكثر من مئة شخص بالعاصمة العراقية لبلاده مصلحة مباشرة في أمن واستقرار العراق»...
«بدأت السعودية تشديد إجراءاتها الأمنية في منشآتها النفطية، بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها وزير الداخلية السعودي للشئون الأمنية في جدة، وقد شددت إجراءات الأمن في منشأة أبقيق الواقعة شرقي البلاد والتي تعد أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم... حتى موظفي شركة أرامكو يخضعون للتفتيش... هناك شعور بعدم الثقة، حيث هاجم متشددون المنشأة في العام 2006 متخفين في عربات أرامكو...»
«السعودية تهاجم من قبل تنظيم القاعدة، وهي في الوقت ذاته المفرخة التي يتكاثر فيها أعضاء هذا التنظيم كي يتم تصدير عملياتهم إلى العراق... إلخ». هذه ربما صورة عن الأوضاع السياسية السعودية كما تناقلتها المؤسسات الإعلامية العالمية، نقلا عن «مصادر أميركية موثوقة».
ولكن من يدقق بعض الشيء في تلك الأخبار يكتشف أن خيطا رفيعا يربط بينها، وذلك الخيط ينطلق من جهات في واشنطن، فهي أول من أعلن عن علاقة تنظيم القاعدة بما جرى في السعودية، وأصابع مخابراتها واضحة في صياغة الاتهام العراقي لكل من سورية والسعودية.
الأمر المثير للاستهجان، دون إبداء أي شكل من أشكال التعاطف للأعمال الإرهابية التي تجتاح المنطقة، أن ما تسوقه جهات ما في واشنطن اليوم من اتهامات ضد تنظيم القاعدة، تكاد أن تكون ذات المحتوى الذي كنا نسمعه من الاسطوانة التي كانت، ولا تزال بالطبع، تديرها أجهزة المخابرات الأميركية منذ منتصف الخمسينيات، مباشرة بعد الحرب الكونية الأولى، وبدء مرحلة الحرب الباردة بينها وبين الكتلة السوفياتية. ففي تلك المرحلة، كانت تنسب التهم الموجهة ضد أي شكل من أشكال العنف، أو أية محاولة للتغيير، للكتلة السوفياتية من خلال القوى المحلية المتعاطفة معها، أو تلك التي تربطها معها بعض الأشكال التنظيمية. امتدت هذه المرحلة حتى نهاية الستينيات.
ثم جاءت مرحلة السبعينيات التي حملت معها تفجير الطائرات، وأصبحت كل أوساخ عمليات الاختطاف تعلق على مشجب الثورة الفلسطينية وقوى اليسار الجديد من اتجاهات غيفارية وماوية (نسبة إلى الثوري الأميركي اللاتيني غيفارا والرئيس الصيني ماوتسي تونغ على التوالي).
استمرت هذه الحالة حتى مطلع الثمانينيات إثر انتصار الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه، وبداية انتعاش الإسلام السياسي، حينها تحولت سهام واشنطن نحو إيران، وكل القوى السياسية المتحالفة معها.
تواصل هذا المسلسل حتى نصل إلى أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، والهجمات المسلحة على برجي مركز التجارة العالمية، ومنذ ذلك التاريخ، وحتى يومنا هذا، ألصقت تهم كل العمليات العسكرية بتنظيم القاعدة.
هذا الانتظام في إصرار واشنطن على البحث عن - وبعد ذلك إيجاد - طرف محلي في منطقة الشرق الأوسط، تضع على عاتقه مسئولية أي شكل من أشكال الإرهاب يضع علامة استفهام كبيرة حول مدى صحة هذه التهم أولا، والتساؤل حول من له مصلحة في ترويجها ثانيا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتنظيم مثل تنظيم القاعدة، الذي لا نبيح سرا حين نقول إن الولايات المتحدة، هي الجهة التي أوجدته، وفي أحضانها تربى الرعيل الأول من مقاتليه.
هذا لا يعني استمرار تنظيم القاعدة مسيرا اليوم من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية، ففي مثل هذا القول الكثير من التبسيط، لكن منطق الأمور لا يقبل أيضا أن وكالة الاستخبارات الأميركية أو جهات ما لها مصالح خاصة تركت تنطيم القاعدة ينمو بشكل مستقل، وينشط بعيدا عن أعينها. لذا فمن المتوقع أن تكون أصابع تعمل بنشاط في إحدى المجموعات الصغيرة المتشظية من تنظيم القاعدة الأم، تحركها متى ما شاءت، وعلى النحو الذي يخدم أهدافها.
لا بد من التأكيد هنا على عدم إنكار وجود تنظيمات سياسية مستقلة، تسيرها العقيدة الإسلامية، وتعمل بإخلاص من أجل مشروع سياسي إسلامي. تغلغلت المخابرات الأميركية في صفوف التنظيمات الإسلامية الصغيرة المتشظية من الحركة الأم، وهذا التغلغل شبيه تماما بالاختراقات التي نفذتها في صفوف التنظيمات اليسارية الصغيرة التي انشقت عن الحركة الشيوعية الأم، مع التحذير هنا من خطورة التعميم، ووضع الجميع، يسارا أم إسلاما سياسيا في سلة واحدة. الدور الذي تمارسه المخابرات الأميركية، أو جهات ذات مصالح خاصة، هنا احتضان خلايا صغيرة وتسخيرها للقيام بعمليات شبيهة بتلك التي نفذت في السعودية قبل أيام، وإلصاق التهمة بإحدى القوى الإسلامية. ولربما من المفيد أن نذكر ما نشرته صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية عن حاولة لزعزعة الوضع في السعودية كادت أن تنجح في العام 2008، «لولا أن تم كشفه على يد المخابرات الروسية»... ولعل هذا التدخل انما يشير الى أصابع تسعى للضغط على السعودية في هذا الاتجاه أو ذاك.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2552 - الإثنين 31 أغسطس 2009م الموافق 10 رمضان 1430هـ