العدد 2551 - الأحد 30 أغسطس 2009م الموافق 09 رمضان 1430هـ

اختيار الدعاء في شهر الدعاء

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

شهر رمضان هو شهر الروح، فهي تنتشي بالقرآن الكريم «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى والفرقان».

وتتعافى بالدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى، وتنطلق إذ تصفد الشياطين فيه، لينطلق العباد إلى دروب الخير، وتتحرر إذ ينالها العتق من نار جهنم.

أئمة الصلاة والواعظون ينشطون في تذكير الناس بآخرتهم، فتحلو الأصوات العذبة بالتضرع وترتفع إلى عنان السماء بصنوف الأدعية والأذكار، لتذكر الإنسان أنه لا ريب مغمض عينه ومسلم روحه إلى بارئها، ومنتقل إلى أحد خيارين لا ثالث لهما، إما جنة الخلد أو نار «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزا حَكِيما».

يخطر في ذهني سؤال لماذا أركز أنا وغيري في هذا الشهر الفضيل على الأدعية المرتبطة بالآخرة وبالجنة والنار، ونقل من الأدعية التي تدعو لمكارم الأخلاق، مثل البعد عن الحسد وعن الحقد وعن البخل وعن الكسل والأدعية الدافعة لصلة الرحم وللعون ومساعدة المحتاج، وتلك التي تعودنا على الشكر لله مثل قوله تعالى «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ»؟ هناك في القرآن الكريم وفي لسان السنة النبوية أدعية في مختلف الأبعاد، وليست أدعية للنجاة من النار وعذابها وأهوالها وفظائع ما يجري فيها فقط «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء» «رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَة وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدا» «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما».

والتساؤل الثاني هو هل خلقنا الله سبحانه وتعالى وحكم علينا بالنار وعلينا الدعاء والتوسل كي يخلصنا الله منها؟

الجنة هي أمنية لا توصلنا لها سوى أعمالنا «وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» والنار هي نتيجة طبيعية لما قدمناه في حياتنا «وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا» كل هذا ضمن قاعدة عامة «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّا يَرَهُ».

فما دامت الأعمال والمسلكيات في الدنيا هي التي توصلنا إلى الجنة أو النار، فالتركيز عليها مهم للغاية فيما أظن، لأنها المزرعة والعمل، والجنة والنار هما ثمرة ونتيجة.

إن غفلتنا في توجيه الناس لسلوك الجنة وأخلاق أهلها رأيناه ينعكس أحيانا في مشاجرات وضرب بالأيدي وبذاءة في اللسان بين الطائفين حول البيت، مع أن كل واحد منهم ما وصل إلى حيث هو إلا بحثا عن ثواب الله ورضوانه، بل رأينا كيف أن الكثير من الناس يندفعون نحو الحجر الأسود لتقبيله وهم في شدة وقسوة على النساء والضعاف المتزاحمين والمندفعين لتقبيل الحجر.

لست أنكر أن تذكير الإنسان بالجنة والنار يجعله في لحظات روحية عميقة تأخذه للتفكير فيما اقترفت يداه، ولذلك أدعو للجمع بين الأدعية المحذرة من النار والأدعية الدافعة لسلوك وأخلاق أهل الجنة، وهو ما وجهت له آيات القرآن الكريم.

إنني أخشى أن يخدع الإنسان نفسه فيتصور أنه إذا علا صوته بالبكاء فقد كتبت له الجنة دون عمل أو سلوك حسن.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2551 - الأحد 30 أغسطس 2009م الموافق 09 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً