خلال اجتماع الجمعية العمومية غير العادي الذي خصص لمناقشة «مسودة مشروع قانون غرفة تجارة وصناعة البحرين»، وفي سياق الدفاع عن الطريقة التي يدير بها مجلس الإدارة الحالي شئون الغرفة، تطرق أعضاء مجلس الإدارة إلى ثلاث قضايا أساسية مترابطة: الأولى هي استمرار اعتماد الغرفة على الدعم الذي تتلقاه من الدولة، الأمر الذي يفقدها نسبة عالية من استقلاليتها، والثانية هي ازدياد مصروفات الغرفة جراء تنامي أنشطتها، وحرصها على إثبات الحضور، ومواكبة التطورات التي عرفتها السوق البحرينة، وعلى وجه الخصوص في علاقاتها مع الدول وغرف التجارة الأخرى، والثالثة هي كون الغرفة مجردة من حقها الطبيعي في ربط الانتساب إلى عضويتها بحق الحصول على سجل تجاري أو تجديد القائم منه. ولو قدر لنا تشخيص السبب الرئيسي الكامن وراء تلك القضايا، فلا يمكن أن يكون شيئا آخر سوى المال. أو بالأحرى رأس المال بالمفهوم الاقتصادي له.
لقد أصاب أعضاء مجلس الإدارة كبد الحقيقة، عندما حذروا من سلبية اعتماد الغرفة ماليا على الدولة. فمن الطبيعي أن تواصل الدولة دعمها المالي، شرط موافقة الغرفة، بوعي أو حتى من دون وعي، على الاستمرار في دفع الثمن السياسي المقابل لهذا الدعم. فالدولة، حينما تحرص على تقديم «المعونة المالية»، فهي بذلك توفر لنفسها، بشكل غير مباشر، الحماية السياسية من أي خلاف مع المجتمع التجاري.
الدولة أيا كانت، تدرك أكثر من سواها من القوى السياسية، مستوى التحدي السياسي الذي يضعها أمامه، ومدى التاثير الذي يمكن أن يتمتع به أي مجتمع تجاري يخرج من تحت عباءتها ويتمتع بأي شكل من أشكال الاستقلالية عنها، فما بالك حينما يحمل هذا المجتمع رؤية سياسية غير متطابقة مع رؤيتها. هذا يفسر لماذا حرصت الدولة في البحرين، على إسماع صوت أنينها عاليا من آلام العجز المالي المزمن في موازناتها، والذي لم تخفف منه كل الارتفاعات التي عرفتها أسعار النفط خلال السنوات الماضية، قبل انتكاسة الأسعار الأخيرة، على الالتزام بدفع دعم مالي سنوي للغرفة.
قبل مطالبة الغرفة بتحديد موقف ننتقل إلى القضية الثانية، والتي نعتقد أيضا أن أعضاء المجلس لم يخطئوا حينما طالبوا بربط استخراج السجل التجاري بعضوية الغرفة، ومن ثم دفع رسوم انتساب، فمثل هذا الإجراء يعزز من نفوذ الغرفة في صفوف أعضائها، وبالقدر ذاته يقوي من مواقعها السياسية أمام مؤسسات السلطة التشريعية والتنفيذية في آن، لكونه يوفر لها الاستقلالية المالية التي تحتاجها، للإنفاق على التزاماتها، والتوقف عن قبول الدعم الحكومي.
ولابد من الإشارة إلى أن الغرفة لا تطلب ما يخرج عن حدود حقوقها حين تصر على هذا الربط، وإنما تطالب بما تبيحه لها طبيعة تكوينها، وما تنعم به حاليا غرف خليجية أخرى، من أبرزها الغرفة القطرية.
هذا يأخذ بيدنا نحو مربط الفرس، فقدرة الغرفة على القيام بواجباتها، والاستغناء عن الدعم الحكومي، ونيل النفوذ في صفوف أعضائها، كل ذلك يتمحور حول تمكنها من توفير رأس المال الضروري لمدها بالقدرة على ذلك.
ولتوضيح متانة الخيط الرابط بين القضايا الثلاث، ربما لزم الأمر كتابة سيناريو يشرح خطوات محاولة الغرفة انتزاع حقها في ربط السجل التجاري بالعضوية، وفي ابتعادها عن الدعم الحكومي دون الإخلال بالتزاماتها، ودون تقديم أية تنازلات سياسية أو حتى مهنية للسلطة. حينها ستجد الغرفة نفسها أمام تساؤلين مركزيين، هما الآخران مرتبطين ببعضهما البعض.
الأول، هو ما هي الخدمات التي بوسع الغرفة أن تقدمها لأعضائها لقاء رسوم الاشتراكات تلك. هذه الخدمات ينبغي لها أن تكون مجدية تبرر التزام الأعضاء ليس قسرا، وإنما باقتناع، بدفعها. ومتى ما سددت تلك الاشتراكات سيكون بين يدي الغرفة الموازنة المطلوبة التي تسمح لها بالتحرر من تلك الحاجة، والوقوف على أبواب السلطة طلبا للدعم أو المساعدة.
الثاني، متى وكيف بوسع الغرفة التحرر من ربقة الدعم الذي تحصل عليه من الدولة؟ وكما هو الحال مع لغز أيهما سبق الآخر إلى الوجود البيضة أم الدجاجة؟ كذلك الأمر بالنسبة للمرحلة التي تمر بهما الغرفة اليوم. أيهما يسبق الآخر، فرض الرسوم، أم رفض دعم الدولة؟، إذ كيف بوسع الغرفة أن توفر المال الذي من خلاله يمكنها تطوير الخدمات لأعضائها كي يقتنعوا بدفع الرسوم، والاستغناء عن الدعم الحكومي، دون التقصير في إلتزاماتها ومستوى خدماتها، التي ينبغي لها أن تتطور نحو الأمام عوضا عن أن تتراجع نحو الخلف؟
هذا يقودنا إلى إعادة الحديث عن الرابط المشترك بين القضايا الثلاث والذي هو المال، وهو ما يضع الغرفة أمام خيارين لا ثالث لهما لتأمين الرأسمال الذي تحتاجه: قرض ميسر تحصل عليه الغرفة من أحد البنوك التجارية البعيد عن سلطة الدولة أو تأثيراتها السياسية، الثاني، هو الاقتراض من مجموعة من التجار من الحريصين على استقلالية الغرفة، وتعزيز دورها على الصعيدين السياسي والمهني، بشروط ميسرة تساعد الغرفة على انتشال نفسها من المأزق الذي تعاني منه، والذي يجعلها ضعيفة في صفوف أعضائها من جهة، ولقمة سائغة في فم الدولة من جهة ثانية.
وكما يقال فإن الاعتراف بوجود المشكلة فضيلة ويكاد أن يكون نصف الحل. لكن يبقى هناك النصف الثاني من الحل، والذي هو موقف الغرفة من الاستمرار في طلب ذلك الدعم أو حتى القبول به، مع الاستعداد لدفع الثمن السياسي المقابل له، أو الالتفات نحو أعضائها وتطوير خدماته لهم. وقبل هذا وذاك تأمين المال الضروري لتأمين الاستقلالية عن الدولة وتوفير الخدمات للأعضاء.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2551 - الأحد 30 أغسطس 2009م الموافق 09 رمضان 1430هـ