لقد كانت البحرين تصدر النجارين الى أرامكو في ستينيات القرن الماضي، لم لا تعيد مدارس الصناعة التفكير جيدا في هذا الأمر؟ على الأقل ُتكفي البحرين حاجتها من هذا القطاع.
في محادثة ودية مع أحد اصحاب الورش الناجحة وفي رده على احتقار البعض للمهن اليدوية أجاب: هل ترى ما نحن فيه من خير؟ كل هذا العمل والكدح طوال هذه السنوات هو «اللي خلى أيادينا خنينة». ولكنه نسي أمرا أهم من ذلك وهو غياب المنافسة الشديدة بسبب نزوح الغالبية من البحرينيين للتعليم الأكاديمي وفي هذا السياق سوف أسوق لكم بعض الامثلة عن البحرين... هل تعلمون بأن كل القائمين على تصليح راديو ومسجلات السيارات هم من الباكستانيين وأن أعمال التسوق في البحرين يهيمن عليها اللبنانيون والهنود. أما أعمال التجارة فهي وقف على فئات معينة من الناس وعلى خلفية اطلاق العنان لحرية كفالة العامل ماذا سيترتب على هذا الامر؟ اذا كانت العمالة وهي في موقع متقدم تحت نظام الكفيل فكيف الحال وهي تسرح من دون قيود؟ سنسمع عن تراجع في الاداء لكثير من المقاولين وصغار التجار سينتهى بهم الامر الى إعسار مالي مما يدفع هذه الفئة الى الانحسار من السوق ويتبع ذلك تأجير السجل للعمالة الاجنبية وبذلك نعطي للعمالة الاجنبية دفعة جديدة الى الأمام، وليس غريبا ان نقرأ مستقبلا يافطات المحلات لكي نعرف موقع العمالة البحرينية ومدى انحسارها في خارطة سوق العمل المهني.
وإذا كان هناك من ملامة فهي تقع على القائمين على هذا الأمر. لذا نجد كل الطوائف الاخرى بدأت منذ وقت بعيد في توجيه أبنائها نحو تعلم مهن آبائهم فمازالت الخياطة وقف على الهنود والباكستانيين ولاحقا في السنوات الاخيرة الفلبينيين والسبب زيادة الحاجة اليها مع استمرار عزوف البحرينيين عنها وبالمثل الحلاقة بشقيها الرجالي والنسائي مع العلم ان الخياطة والحلاقة النسائية مردودها جيد وواعد. اما النجارة والكهرباء وأعمال الفبريكيشن فنسبة البحرينيين في هذا المجال في الدرك الاسفل وحتى من كانوا يمتهنونها منذ وقت بعيد اختاروا لأبنائهم مجالات بعيدة. قد يقول البعض إن البحرينيين يديرون محلات لكل هذه المهن ولديهم عمالة مدربة تؤكلهم الشهد. هذا صحيح ولكن من يعلم ماذا سوف يحصل لو قررت العمالة الأجنبية الهجرة إلى بلد آخر أو العودة الى بلدها الأم وهذا ما يحصل حاليا في الهند، وقريبا في سيرلانكا أليس الوقت قد حان للتفكير جيدا في هذا الأمر ونحن نشاهد تصاعد وتيرة الرسوم المفروضة على الاجانب والتي ستطول قريبا خدم المنازل وغيرهم لماذا نحن خارج هذه المعادلة؟
لقد كان الكثير من البحرينيين في السابق يمتهنون اعمالا يدوية ومازال المتبقي من الألقاب الموجودة تشيرالى هذا الأمر، فالبناء، والخياط، والسماك، والقصاب، والصفار، والحداد، والحايكي، والنكاس والجزاف، والقلاف، والنخلاوي، والعكار، والنساج، والبناي والخباز والصايغ والمخرق غيرها في ذلك الوقت كان الوضع طبيعيا ولم يكن هناك هاجس من نزوح العمالة المدربة أو مطالبتها مجددا بالحصول على الجنسية وهذا ما نعيشه في واقع اليوم واذا ما استمر هذا الامر بنفس الوتيرة وتصاعدت وتيرة التجنيس للعمالة الاجنبية المدربة تحت ضغظ وإلحاح المنظمات الدولية عندها ستنقلب الآية ويكون السؤال من سيعمل لحساب من؟ الأجنبي لحساب البحريني أم العكس؟ أما الأسوأ.. ففي حال تمكن العمالة الأجنبية من زمام الامور من يعلم؟ ربما تساومنا على الجنسية البحرينية مقابل استمرار بقائها في البحرين؟!
كل هذا السيناريو الأسود كان ومازال بالإمكان تجاوزه لو سعت الجهات المعنية بحق لفتح معاهد مهنية لتدريب العمالة البحرينية وتأهيلها ولو بدأنا في هذا ألامر منذ عدة أعوام لكانت العمالة البحرينية في حال أفضل مما هي عليه الان.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن تغيير هذا الواقع المؤلم؟ إنهم البحرينيون عندما يعوا الحاجة ويقدموا بشجاعة لتعلم المهن وبذلك يكسبوا ثلاثة أمور: التعليم الأكاديمي الذي سيصقل حرفنة التعليم المهني، واللغة العربية والإنجليزية كلغة تخاطب أكثر قبولا في التعامل ولن نحتاج الى تعلم لغة الاردو لتوضيح وتسهيل عمل الشغيلة الاسيوية وبذلك يتفوق البحريني على الأجنبي في أمرين: الإتقان المبني والمدعم بدراسة علمية للمهنة من جوانبها المختلفة واللغة بشقيها العربي والانجليزي... شىء واحد فقط يحتاجه البحريني وهو التوجيه ثم التشجيع، ثم التشجيع لبناء الحافز وهي الخطوة الأولى لوضع البحرينيين على خط التماس مع الواقع المطلوب. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى جهود جبارة من المؤسسات الحكومية، وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل ووزارة الاعلام، ومجلس النواب والشورى والمؤسسات الاهلية وكل الجهات نحو الدفع لفتح المزيد من معاهد التدريب العملية على النحو الذي يجري في استراليا وبذلك يكون عندنا عمالة مدربة ومرخصة رسميا وهذا أحسن توجيه للاستثمارات باتجاه خلق اقتصاد جاذب للعمالة المحلية والتي ستصب في نهاية المطاف في مصلحة المواطن البحريني وتوجيهه نحو تعلم مهنة شريفة ربما يكسب منها أضعاف ما يكسبه من اي وظيفة حكومية أو غيرها لو أحسن استخدامها.
ربما يقول البعض انها مهن مربحة على المدى البعيد ولكنها قليلة الأجر في أول الامر وشاقة في مجملها. أجل شاقة ولكن الكسب الشاق من شيم الرجال العظماء فقد كان الرسول (ص) راعيا للغنم وكان الامام علي (ع) يعمل في زراعة النخل وكان النبي عيسى (ع) يعمل نجارا في الجليل ومعظم الانبياء والرسل كانوا يمتهنون أعمالا يدوية لا لشىء الا ليخبرونا امرا واحدا وهو: ان المهن اليدوية من أساسيات العمل في الحياة ولا تعارض أو خلاف بين عمل الشخص ايا كان ومكانته الاجتماعية ولعل الأجانب يدركون هذا الامر أحسن منا وهم على كل حال أحسن حالا من كثير من البحرينيين العاطلين، فالبعض منهم يزاول أكثر من مهنة واحدة لانهم جبلوا على حب الكسب والعمل أيّا كان مصدره! إلا ان البحريني يحتاج أن يعي جيدا أنه ليس في وسع القائمين على الأمر تشغيل جميع العاطلين، وليس أمامهم الانتظار طويلا فالمتاح من الفرص اليوم ربما لا يكون متوفرا بعد أشهر أو عام. نحن نعرف أن الأجر قليل ولكن المغامرة تستحق العناء فهي الخطوة الأولى على طريق تأهيل العمالة البحرينية.
قبل أيام جلب أخي هنديا لصباغة إحدى غرف المنزل فطلب أجرة يده فقط 35 دينارا بعد التخفيض!، ليس هذا هو الغريب في الأمر، إنما ما شاهده وسمعه بأذنيه من هذا العامل وهو يرد على موبايله الذي لم يسكت أبدا وهو يعطي مواعيد لزبائن للأسبوع القادم والذي يليه وبحسبة بسيطة استطاع أن يعرف أن هذا الصباغ يصل متوسط دخله الشهري إلى أكثر من ألف دينار.
السؤال هو: هل امتهان الصباغة عمل شاق حتى لا يستطيع البحريني تعلمه؟
إن ما تجنيه العمالة الأجنبية في بلدنا هو أصدق مثال على أن البحرين (عذارى تسقي البعيد وتترك القريب عطشان).
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 2546 - الثلثاء 25 أغسطس 2009م الموافق 04 رمضان 1430هـ
المهن الأفضل في العالم
استطلاع جديد: أفضل مهنة في العالم ، والمهنة الأقل توترا. ومن يقبض أعلى راتب؟
لدينا عمالة يمنية
لاي مهنة تحتاجها نوفرها لك مباشرة وبمهارة وفن وامانة ........
الواقع
بلا الواسطات الواحد ماله الا البيت .. هذي الصراحة ..
المواطن يبتعد عن المهن اليدوية
وجهة نظري بأن على الجانب الحكومي دعم أصحاب الحرف اليدوية
بشتى الطرق: توفير رأس المال، تسهيل المعاملات الحكومية، الإعفاء من بعض الرسوم، حتى يقبل البعض على ذلك، وتكون الامتيازات للمواطن فقط
صح 100%
أيها السيد الكريم كلامك صحيح مائة بالمائة ، قبل سنوات خلت كانت هناك دراسات مسائية في مدرسة الصناعة في المحرق و غيرها و كان من يرغب في تعلم صنعة أو اتقان فن صناعي ما يدخل هذه المدرسة بعد انهاء دوامه في المدرسة أو في العمل الذي يعمله و يتعلم و صار منهم من يملك مؤسسات تعمل في مجال الكهرباء و الميكانيكا و النجارة و صاروا أصحاب أعمال و هم يملكون اليوم عقارات و محلات مخيلفة ناهيك عن عيشهم حياة كريمة و مستورة ، أتمنى أن يسمع القاءمون على وزارة التربية و التعليم ما قلته في مقالاتك العظيمة هذه !!