في الفلبين كبلد مصدر للعمالة الأجنبية يلزم الأفراد بتعلم إحدى المهن اليدوية كالنجارة، أو اللحام، أو الفبريكايشن أو التصوير او الصباغة او الطهى او أية مهنة يدوية أخرى، إضافة إلى التعليم الأكاديمي وذلك ضمن برنامج يفتح للافراد فرصا أكبر للاستثمار الشخصي المتمثل في الحصول على فرصتين للعمل بدلا من واحدة.
بالنسبة لما يجرى في سويسرا فالأمر أكثر شمولية، حيث يبدأ التلميذ منذ المرحلة الثانوية في اختيار المسار الوظيفي على المدى البعيد. في هذه المرحلة يقع التعليم فى إطارين. الأول اكاديمي عام، والثاني عملي في مجال الرؤية الوظيفية على المدى البعيد بمعنى أن التلميذ يتلقى التعليم الأكاديمي المتعلق بالمسار الوظيفي الذي اختاره مسبقا، حيث يوفق بين مقاعد الدراسة والقسم العملي مثال على ذلك: لو اختار احد الطلبة الطب فعليه أن يجد أي جانب من التخصصات التي تستهويه منذ البداية. هل هو تخصص الاشعة؟ أم الأسنان أم الصيدلة أم غيرها من التخصصات الطبية؟. وهكذا تمضي سنوات الدراسة في توافق بين الاثنين وعند التخرج يكون ملما بمادة تخصصه من جانبيها الاكاديمي والعملي وقس على ذلك في المجالات الاخرى كالهندسة والعلوم الطبيعية والمصرفية وغيرها.
أما ما يجرى في استراليا فالأمر اكثر مهنية، حيث يمنح أصحاب المهن بطاقة خاصة تسمى بطاقة التعريف الوظيفي يبين في خانة الوظيفة نوع المهنة التي يمتهنها صاحب البطاقة بمعنى آخر إجازة من جهة رسمية لا تحتمل اللبس أو التزييف بجواز مزاولة هذه المهنة.
قد يتساءل البعض كيف يتسنى للمهنيين الحصول على هذه الرخصة؟ والجواب هو دخول معاهد مهنية خاصة، وبعد فترة من التدريب يمنح المتدرب دبلوما صناعيا متبوعا بالرخصة المذكورة بعد اجتيازه فترة من العمل في الحقل الخارجي تسمى فترة التدريب والممارسة.
والحاجة التي أوجدت هذا النوع من التدريب ليست بالخفية على أحد، فحركة الإعمار الكبيرة والمتسارعة في كل دول العالم جعلت من العمالة المدربة امرا ملحا ومطلبا أساسيا سعت جميع الدول الى تشجيع أبنائها لتعلمها واكتسابها. وبسبب عدم اكتفاء دول كثيرة وعلى رأسها دول الخليج العربي من العمالة الماهرة والفعيلة لجأت هذه الدول لجلب هذه العمالة من الخارج لسد الحاجة الملحة فى هذا القطاع، فمنذ العام 1973 ونتيجة للطفرة الاقتصاية على خلفية ارتفاع أسعار البترول ومنذ ذلك الوقت تنامت عندنا الحاجة لهذه العمالة في كل القطاعات بدءا من أعمال البنى التحتية وانتهاء بخدم المنازل وبالتدريج تحولت هذه الحاجة إلى نوع من الاتكالية التي تعودنا عليها ولم نسأل انفسنا يوما ما هو السبيل لحل هذه المعضلة ونكتفي بدولة الإمارات الشقيقة كمثال على ذلك، فالعمالة الاجنبية تزيد على 90 في المئة من تعداد السكان وهي نسبة مخيفة علما بأننا طوال هذه السنين لم نفكر حتى الآن جديا في مخرج أو حلول بديلة لهذه المشكلة وهذا الهاجس ينطبق على كل دول الخليج بنسب مختلفة، إلا أن البحرين وبسبب تدني أوضاعها الاقتصادية لجأ الكثير من الافراد لامتهان الحرف المختلفة (ورب ضارة نافعة).
هذا الهاجس يجب أن يحثنا على التفكير فى هذا الامر من نواحي عديدة، فلو نظرنا حولنا نجد ان ابناء البحرين هم دائما في موقع الصدارة من التفوق الأكاديمي والفني وعندنا بعض الأمثلة الواعدة التي تستدعي التوقف فالبعض جعل من هواية التصوير حرفة متقنة ومصدر رزق وبالمثل الفنانون التشكيليون في احتراف الفن التشكيلي كمهنة، والبعض في عمل الاثنين الميكانيكا مشمولا بالالكترونيات والكهرباء، وغيرهم في التصوير وشريحة لا بأس بها في الموسيقى وإنتاج الألبومات الغنائية وبعض النسوة والرجال في احتراف الطبخ حتى سمعنا في الفترة الاخيرة عن الكثير من المطابخ التي تغطي حاجات الأهالي في المناسبات المختلفة، كذلك انتهج الكثير من الشباب البحريني في تخصصات الحاسوب المختلفة، وفي السنوات الأخيرة درجت بعض النسوة لتعلم (الريكى) العلاج بالطاقة عن طريق اللمس ووصل البعض منهن الى درجة الماجستير.
كلها أعمال ومهارات يدوية لم تكن العوائل البحرينية مقلة أو مقصرة فيها لولا أن الهاجس الاكبر كان ولايزال منذ البداية هو التعليم الأكاديمي، فمن يدري ماذا سيكون عليه أولادنا لو اتجهوا للتعليم الصناعي، أليس من العار أنه رغم هذا الكم المتنوع والمبدع فى ابناء البحرين لا نجد فيهم من يسد الحاجة فى أعمال الكهرباء وأعمال الصرف الصحي والنجارة؟
وهذا ما يجعلنا نتريث ونسأل انفسنا مرارا اذا كان ابناء البحرين يملكون الذكاء التعليمي والاجتماعي فلم لا يطرقون أبواب المهن الاخرى كالنجارة والكهرباء وغيرها ويكسبون الاثنين وعندما اقول هذا الامر اعنيه بحق... ألم يسأل بعضكم نفسه مرة لماذا لا يوجد بناؤون ونجارون وكهربائيون بحرينيون بنفس وفرة الاجانب والآسيويين؟ مع العلم أن جيوش العاطلين البحرينيين في ازدياد مستمر؟ وطلبات التوظيف للأعمال الكتابية والاكاديمية تملأ دواليب المؤسسات الخاصة والعامة. ونحن نسير بنفس الوتيرة التي تعودنا عليها ولم نفكر حتى مجرد البحث عن بدائل اخرى أعني المهن الاخرى المربحة. ولكن رغم هذا الصيت الجيد الذي يتمتع به البحرينيون، يوجد العديد منهم يعملون بشكل رسمي خارج البحرين، وهذا امر محزن لشعب يتمتع بهذا الصيت، مع العلم أن هذا العدد مرشح للزيادة.
لذا أرى أن الوقت قد حان لتشجيع أبناء البحرين على اكتساب المهارات اليدوية فهي أكثر من مفيدة، بل تكاد تكون المهن الجديدة الواعدة في هذا الوقت فنحن في اوطان العالم الثالث ذي المفاجآت، فرب حرفة أو مهنة فريدة تجعل منك ثريا في وقت قصير.
في هذه الأوطان كل الأمور فيها تحاط بالسرية ونحن لا ندري ماذا يحمل لنا المستقبل من مفاجآت وليس أمامنا سوى استقراء الواقع المعاش وبناء استنتاجاتنا المستقبلية عليه ولن نخسر شيئا من تعلم مهنة جديدة حتى وان إنحسرت أو توارت في عالم الأعمال والمقاولات لانها ستبقى صمام أمان للمستقبل عند تدني الحاجة للاعمال المكتبية بسبب ثورة تكنلوجيا الحاسوب التي قلصت الحاجة للاعمال المكتبية على الاخص في المجالات المحاسبية.
وقد رأيت أنه من الواجب علي أن اشير هنا الى بعض الأمثلة في منطقة النعيم، معقل النجارين والمهرة ورأيت أن أسوق أمثلة معروفة للغالبية من القراء (مؤسسة عبدالنبي التجارية) وغيرها وهي كفيلة بأن تخبرنا بأنه رغم قصر حياتهم العملية، إلا أنهم استطاعوا بصبرهم، أن يطرقوا هذه الأبواب بقوة بعد ان تخطوا حاجزالمهنة البسيطة ووظفوها بنجاح فى العمل والتجارة، وهناك اسباب عديدة تدعونا بحق لتعلم هذه المهن واكتسابها، أولها: ترى ماذا سيحل بدول الخليج لو قررت العمالة الوافدة الرحيل لجهة اخرى أو العودة لموطنها الأصلي؟ هل لدينا خطط مستقبلية؟، وهذا ما حصل في مصر في عهد الرئيس السادات، عهد الانفتاح عام 1973 ولسبب نزوح الغالبية من الشعب المصري للدراسة الاكاديمية واحتقار المهن اليدوية أصبح ارباب هذه المهن بسبب الحاجة الشديدة إليها من أغلى الناس أجرا وبالمثل ما حصل في الكويت ابان الغزو العراقي في تسعينيات القرن الماضي عندما نزحت العمالة الاجنبية هربا من اهوال الاحتلال العراقي. وعند التحرير احتاجت الكويت الى فترة ليست بالقصيرة لسد العجز في العمالة المختلفة وبالمثل في البحرين ففي الثمان سنوات الأخيرة وعلى خلفية حركة الاعمار التي غطت جميع أجزاء البلاد أعتقد ان الوقت قد حان للتفكير جيداُ في هذا الامر وحريا بأن يكون لأبنائنا نصيب جيد في المعركة المرتقبة فمن يملك الذكاء الاجتماعي والعلمي ستكون له اليد الطولى عندما يكلل هذا النجاح بتعلم المهن الاساسية كالنجارة والكهرباء وورش الحدادة غيرها، وهناك أمر آخر في غاية الأهمية وهو أن كل هذه المهن تفتح على بعضها البعض فالملم بأعمال النجارة وهي أهم واقدم هذه المهن على الاطلاق أقدر على الفهم والعمل فى أعمال توصيلات الكهرباء والصرف الصحي والبناء والإعمار بشقيه الخشبي والإسمنتي فالنجارة علم عظيم ويكفي أن نعرف ما هي نسبة أعمال النجارة في كل منزل؟ الأبواب والشبابيك والشترات والاسقف والبلوكات الخاصة بالاعمدة والأساسات، وأخيرا أعمال الديكور إنها تمثل ثلث كمية العمل فى المنزل ان لم تكن نصفه! أفلا تستحق أن يتعلمها أبناؤنا؟
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 2543 - السبت 22 أغسطس 2009م الموافق 01 رمضان 1430هـ
الصين
جميلة المقالات لانها تحوي بلدان اخرى مثل الصين و بعض المناطق في مملكة البحرين و اسماء مهن يدوية