العدد 2538 - الإثنين 17 أغسطس 2009م الموافق 25 شعبان 1430هـ

قبل أن يبدأ رمضان

هبة رؤوف عزت Heba.Raouf [at] alwasatnews.com

كاتبة مصرية

يباغتنا رمضان كل عام.

ينتهي فنقول لا أوحش الله منك يا رمضان ونتطلع له في عام مقبل، فإذا العام يمر مر الريح، وإذا الأيام والشهور تتوالى والأحداث تتعاقب ثم نجد أنفسنا أمام رمضان الذي بعده... هكذا فجأة، كل عام.

قررت هذا العام أن أرتب له، فقد مللت من نفسي، يأتي في كل مرة وأنا غير مستعدة، وتنازعني شواغل الحياة فتفسد علي الاستمتاع بصيامه وقيامه، وأعترف بخيبتي وألوم نفسي، وأتذكر الماضي البعيد حين كانت المسئوليات أقل والشواغل أخف وكان لي مع رمضان شأن آخر.

أنوي أن أقضي الأسبوع الأول في رمضان مع أبنائي في مكان بعيد، سيغادر أهل الساحل الشمالي أماكن الاصطياف عائدين للقاهرة، ونهاجر هجرة معاكسة للبحر كي نقضي أول أيام رمضان في تأمل في الطبيعة وسهر على الساحل نذكر الله وليس بيننا وبين الكون حاجب ولا ستار.

في الأماكن التي يغفل فيها الناس كثيرا عن ذكر الله ويعتبرونها أيام ترويح، سأصطحب أبنائي لنصلي القيام على الشاطئ، نسجد على حبات الرمل ونستلقي على ظهورنا نسبح ونحن نتأمل النجوم.

سأحاول في هذا الشهر الفضيل أن أقرأ في كتاب الله، جهزت المعجم المفهرس للقرآن الكريم الذي أعود له بين الحين والآخر، سأضع قائمة بالمفاهيم القرآنية التي أود مراجعتها لأعيد قراءة الآيات وأقضي مع كتاب الله ساعات في حوار وتأمل في المعنى.

منذ أيام كنت أجهز لمحاضرة عن مفاهيم القوامة والولاية والشهادة في معناها الكلي المقاصدي في القرآن، وعدت لكتاب الله فاكتشفت أبعادا جديدة للقوامة والاستقامة والقيام والقيامة واسم الله القيوم، حقا لا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه - سبحان الله.

في هذا الشهر أيضا سأجتهد في صلة الرحم البعيدة، لا نحتاج مناسبة كي نصل أرحامنا لكن دورة الأيام تلهينا ورمضان مناسبة جيدة.

كنت في سابق السنوات أحرص على أن أبر بأصدقاء والدي رحمه الله، فهذا في التوجيه النبوي من بر الوالدين بعد وفاتهما، لكن غالبيتهم ذهبوا إلى الضفة الأخرى، ولم يبق منهم أحد. سأدعو لهم إذا... وله.


ماذا أيضا...؟ همممممم

نعم، سأعكف في بعض الليالي كي أنهي كتابة متأخرة لبعض البحوث، التفكر وطلب العلم عبادة، وبعد التعبد بالصلاة سأتعبد بالقراءة والكتابة. وأحيي معاني سورة القلم التي حفظتها صغيرة فبقيت معانيها في الفؤاد حية، أثمن ما أملك قلمي وأوراقي، وثروتي هي كتبي... بعد أبنائي.

لطلابي أيضا حقوق، فليجمعنا إذا إفطار على ضفة النيل أو في حديقة الأزهر، أتابع أحوالهم وأجمعهم، فكثيرا ما يطلبون اللقاء وأكون على سفر، أو أعتذر لانشغال، عمرو مكتئب وعبدالرحمن يفكر في خيارات المستقبل وثالث يحب وينشد الخطبة ووالدته تعترض على من اختارها، ورابع يحب بلا أمل وآخر يبحث عن عمل... أبنائي الذين لم أنجبهم والذين أراهم فلذات كبدي تمشي على الأرض فقد رأيتهم في بدء حياتهم الجامعية فتيانا وخرجوا بعد سنوات للعالم رجالا ولله الحمد والمنة.

جهزت أيضا حالات أعرفها لكي نسدد عنها ديون أو نكفل مريضا أو نجهز عروس، ففي رمضان يقصدني الأصدقاء بصدقاتهم التي يحبون أن يخرجوها في رمضان فيكون شهر فرج على المحتاج وصاحب النفس العفيفة، هؤلاء الذين لا يعرفهم أحد ولا يقصدون المساجد طلبا للعون، لكن تضيق بهم الأحوال في ظل التضخم وأزمات الرأسمالية التي تقع كالصاعقة فوق رؤوسهم، يلهثون وراء الأسعار المرتفعة ولا يحصلون احتياجاتهم الأساسية، لكنهم صابرون صامدون... هؤلاء رمضان لهم باب ستر ورحمة.

انتهزت الفرصة وبدأت في إرسال التهاني لإخواني وأخواتي في القارات الخمس، قبل أن يبدأ رمضان بأسبوع... في كل عام يسبقونني فأحزن لأني لم أبادر. هذا العام بدأت أنا، مرشد في جنوب إفريقيا كان على رأس القائمة، ثم نجوى توأمي العراقي في أوكسفورد، ثم خالتي الروحية زينب في لندن، ثم أخواتي في ماليزيا من اتحاد المنظمات الطبية، ثم نعيمة صديقتي المغربية التي تعيش في بروكسيل، ثم أستاذي نزار الصياد في كاليفورنيا، ثم عمر الفاروق من طلاب أربكان في تركيا وباقي أهل اسطنبول من شتى المشارب والمؤسسات، وبالطبع تهاني رمضان امتزجت بتهاني ذكرى الانتصار لأهل الجنوب في لبنان... والبقية تأتي. على هاتفي الجوال 1964 اسم قد يأخذ الأمر بعض الوقت كي أرسل لهم التهاني... هذا العام بدأت مبكرا... وكم أنا سعيدة.

في هذا الشهر لا بد أيضا الاستعداد لتجهيزات المدارس التي ستبدأ الدراسة بعد العيد، لا بد من تحصيل ملابس المدرسة مع ملابس العيد لأولادي... تجهزت لذلك أيضا منذ بداية الصيف، والله هو الرزاق ذو القوة المتين.


آخر وأهم شيء: التلفاز.

منذ عامين يتم دفن هذا الجهاز في رمضان، فكانت العادة أن نبدأ بالقرآن ثم يمضي الوقت ويتسلل الغثاء للشاشة والناس تسهر وتريد تمضية الوقت.

أفلحت في ترويض شهوة المشاهدة التي تغذيها الفضائيات التي تتنافس على سرقة الشهر منا أو سرقتنا نحن من الشهر.

لا تلفاز! فرمان أشبه بفرمانات الدولة العثمانية لا مراجعة له ولا هوادة فيه.

كانت النتيجة باهرة في العامين الماضيين، أقل المكاسب هدوء البيت وأعظمها راحة النفس وصفاء البال، والقدرة على الانصراف للزيارات أو العبادة أو القراءة العميقة أو التجمع للسمر في الشرفة أو غرفة الجلوس.

لدي عمل مؤجل ليومين في عَمَّان، ترددت لكن قد أذهب لأشارك أخواتي صلاة القيام، العبادة في أرض أخرى لها مذاق خاص وتكتسب بعدا أعمق من الرابطة الإيمانية والشعور بالتواصل مع الأمة في رمضان، وقد يحملني بساط الريح للبحرين يومين... من يدري.

رمضان... شهر القرآن... انتظرتك هذا العام ولم أرتبك... فمرحبا بك زمنا فضّله الله على الزمان، ضيفا على المكان، واحة للوجدان.

كل عام وأنتم بخير.

إقرأ أيضا لـ "هبة رؤوف عزت"

العدد 2538 - الإثنين 17 أغسطس 2009م الموافق 25 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:23 ص

      بارك الله فيكم وبكم

      بارك الله فيكم وبكم ؛ المقال رائع
      ويتسم بالروح الطيبة والنظرة الفاحصة .. نفع الله بكم وحفظكم ..
      دُمتم بخير

    • زائر 3 | 12:56 م

      باركَ اللهُ فيكِ ؛

      باركَ اللهُ فيك ؛

    • زائر 2 | 8:40 ص

      الله يدخلش الجنة

      بارك الله فيش ياهبة يابنت عزت

    • زائر 1 | 7:55 ص

      تعلم الستفادة منه

      انا اعتز بنفسى ..حيث اني قليله المشاهدة للتلفاز في شهر رمضان ... والمسلسلات لاحقين عليها .. ليش نتعب روحنها ونطالعها ونفوت ليالى الشهر الفضيل ... وبما اننا في اجازة فهى فرصه ممتازة للزيارات العائليه وصله الرحم

اقرأ ايضاً