العدد 2537 - الأحد 16 أغسطس 2009م الموافق 24 شعبان 1430هـ

حساب الخسارة والربح في تأسيس «إمارة رفح الإسلامية»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نجحت حركة «حماس» في أقل من 24 ساعة في القضاء على التمرد الذي قاده زعيم جماعة جند أنصار الله الدكتور عبداللطيف موسى، وأعلن فيه عن قيام «إمارة إسلامية في مدينة رفح جنوب غزة».

وجاء في بيان «حماس» على لسان وزارة الداخلية الفلسطينية في الحكومة المقالة «أن موسى المعروف بين أنصاره باسم أبوالنور المقدسي قضى في اشتباكات مسلحة وقعت في محيط منزل تحصن به في حي البرازيل في رفح، فيما ارتفعت حصيلة القتلى إلى 20 قتيلا ونحو 135 جريحا».

ستكثر التحليلات حول أصول هذه الجماعة، وأسباب قيامها بما قامت به قبل أيام، فهي، كما جاء على لسان رئيس لجنة الداخلية والأمن في المجلس التشريعي الفلسطيني النائب عن حركة «حماس» إسماعيل الأشقر «جماعة تكفيرية ولن تسمح (حماس) بأي انحراف وطني أو فكري، فالشعب الفلسطيني من أكثر شعوب العالم التزاما بعاداته، ورفع لواء الجهاد».

بالمقابل تعتبر القيادة الفلسطينية سلوك تلك الجماعة على أنه «نتاج طبيعي للانقلاب الذي قسم الوطن، ولغياب السلطة الشرعية وسيادة القانون وللسياسة الظلامية القمعية التي يتبعها انقلابيو (حماس)».

أما رجال الإعلام والصحافة من أمثال مراسلة «إيلاف» في غزة ميرفت أبوجامع فيعتبرون جماعة جند الله انشقاقا «من بطن حماس وهي منشقة عنها ولديها أفكار قريبة من القاعدة، وتعارض نهج حركة (حماس)، ولها موقف من دخولها الانتخابات والتهدئة وموقفها من الجهاد وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية بالكامل».

لن نأخذ بنظرية المؤامرة كي نقول إن «جماعة جند الله» هم من صنع «إسرائيل»، وإن كان ما قامت به الجماعة إنما جاء بتشجيع من الدولة العبرية، كما سبق أن وجه البعض هذه التهمة لحركة حماس نفسها. فكما يقال اليوم هدف الجماعة إضعاف «حماس»، قيل حين انطلقت «حماس» إنها جاءت من أجل إضعاف حركة فتح.

إن الأخذ بمثل هذا المنهج، بالإضافة إلى خطئه، فيه الكثير من التبسيط في فهم أحداث التاريخ ومسبباتها. لكننا في الوقت ذاته لا يمكننا ان نغفل من تفكيرنا أحد التساؤلات التي رافقت ذلك الانقلاب هو ما إذا ستئول إليه الأوضاع السياسية في فلسطين، لو قدر، وفي غفلة من الزمان، ونجح المدعو عبداللطيف موسى في تأسيس «الإمارة الإسلامية»؟

النتيجة هي أن المواطن الفلسطيني سيجد نفسه تتجاذبه، وفوق أرضه، وهو الذي رفض وناضل ضد تبعية قضيته لأي من الأنظمة العربية، وعلى امتداد ما يزيد على نصف قرن، ثلاث قوى سياسية كل منها يدعي، بحق او بدون حق، شرعيته في إدارة الأراضي الفلسطينية المحررة من النفوذ الإسرائيلي. لكن طالما ان ذلك لم يحصل، فمن الطبيعي أن تجد حركة «حماس» ومعها السلطة الفلسطينية سوية أمام مسئولية متساوية هي أن مثل هذه التشرذمات لم يكن ليجرؤ أحد على الإقدام عليها، لو لم يستمر الخلاف يبن هذين التنظيمين، ولو لم يصعد كل منهما اتهاماته، غير المقبولة ولا المبررة، للآخر، ولما يزيد على خمس سنوات.

إن منطق الأمور يقول بأن «إمارة رفح» هي الابن الشرعي للخلافات المستمرة بين «فتح» و»حماس»، بل والمحصلة الطبيعية المباشرة للخلافات التي طفت على السطح بين أجنحة فتح المختلفة خلال جلسات مؤتمر فتح السادس.

ليست هناك حاجة للتدليل على ما ألحقه الصراع الداخلي الفلسطيني بالقضية الفالسطينية ذاتها. يكفينا هنا الإشارة إلى قضية آنية ومباشرة، والتي هي زيارة الرئيس المصري حسني مبارك إلى واشنطن، وهي القمة المصرية- الأميركية الثالثة خلال أقل من ثلاثة أشهر، ومن بين الموضوعات الرئيسية التي ستتصدر جدول أعمال المباحثات بين الرئيسين الأميركي والمصري هي عملية السلام في الشرق الأوسط، وفي القلب منه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث تنتظر واشنطن إجابات الطرف المصري على «الرسائل التي حملها المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل والتي استهدفت طرح تقدير الرئيس مبارك للموقف في المنطقة والمساعدة في بلورة الرؤية الأميركية للتحرك لكسر جمود عملية السلام»، خاصة وأن مصر هي عراب حل الخلافات بين «فتح» و»حماس»، وهو الدور الذي اعترفت لها به القمة الأوروبية الأخيرة، ومن قبلها الإدارة الأميركية الجديدة، على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلنتون، خلال جولتها الشرق أوسطية الأخيرة.

هكذا إذا سيدخل مبارك المباحثات، يسبقه إليها التشظي الفلسطيني الذي قاده عبداللطيف موسى، والانتصار عليه الذي حققته «حماس»، وتصريحات السلطة الفلسطينية حولها، والشكوك التي تثيرها تلك السلطة بشأن «حماس».

من الطبيعي أن يكون موقف المفاوض المصري في غاية الضعف، يضاف إلى الضعف الذاتي الذي يسيطر عليه، إذا ما اخذنا في عين الاعتبار التدهور الذي شهدته العلاقات بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية، والذي كان أكبر دليل عليه التراجع الكبير في «المعونات الأميركية الاقتصادية المخصصة لمصر، من 1.3 مليار دولار الى 400 مليون دولار فقط، بعد إقرار الكونغرس قانونا بتخفيض المعونات الخارجية». يضاف إلى ذلك تلك المظاهرات التي قادتها المجموعات القبطية أمام البيت الأبيض المطالبة بالوقف الفوري لما وصفته «بالاعتداءات التي تتعرض لها الكنائس والأديرة القبطية، مع استمرار عمليات الاختطاف والاغتصاب، والإكراه على اعتناق الديانة الإسلامية التي تتعرض لها الفتيات المراهقات القبطيات».

لو نظرنا بشكل موضوعي لما يدور على الساحة الفلسطينية من صراعات خلال السنتين الماضيتين في أدنى تقدير، ومن بينها تأسيس «إمارة رفح الإسلامية»، فسوف نكتشف أن الخاسر الأكبر هو القضية الفلسطينية، وبالمقابل المؤسسة الصهيونية لأنها المستفيد الأكبر. بغض النظر عن حسن النوايا بشأن هذا الموضوع، والذي تفقد اهميته عندما تكون حقائق الواقع يناقضها بل وينسفها من الجذور.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2537 - الأحد 16 أغسطس 2009م الموافق 24 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً