نعم وكذلك عسى أن تكون فرحة الساسة الأميركان والانجليز بسيطرتهم على أرض العراق ونفطه هو شر لهم فتنقلب فرحتهم الى مستنقع من المشكلات الداخلية مع الشعب العراقي، واخرى خارجية مع الشرفاء من دول العالم الحر التي ترفض الخروج على الشرعية الدولية، أو تتجاهل قرارات مجلس الأمن، أو أي عمل ينطوي على استعباد وقتل البشر، أو احتقار أو التعدي على حقوق الآخرين.
لقد أحدث انهيار الاتحاد السوفياتي بفعل الانهيار الاقتصادي انقلابا أيديولوجيا في السياسة الاميركية، ولم يكن مستبعدا من واحة الديمقراطية، والدولة المدافعة عن حقوق الانسان، في التحول الى فك مفترس بسبب هاجس الخوف من الانهيار، فالأسد الاميركي لم يقم بعملية الافتراس التي مزقت الجسد العراقي إلى أشلاء، الا لشدة جوعه الاقتصادي، وتحريض من اللبوءة البريطانية العاجزة من ثقل الهم والحسرة الكامنة بداخلها على الانفلات السابق لفريستها الممتلئة (العراق) من بين يديها. وإذا كان هذا هو الدافع كما أجمع عليه المحللون الاقتصاديون، ونضحت به تصريحات المسئولين والسفراء الاميركيين والانجليز قبل الغزو، وبعده بصيحاتهم التي ملأت الدنيا ضجيجا بوجوب المساهمة في إعمار الدمار الذي احدثته الدول الغازية بالعراق. فإنه من المؤسف جدا أن تلقى هذه الصيحات البائسة استجابة من مجتهدين في شئون السياسة والاقتصاد، فيعلنون استعدادهم التام على احتواء آثار الحرب على العراق وكأن الأمر يتعلق باعادة بناء عمارة أو مجمع تجاري.
يا سادة أنه تاريخ وحضارة مسلوبة، يا سادة أنها عزة وكرامة مهدورة، ويا سادة أنه وطن محتل، فهل ترونه من الواجب عليكم اضفاء الشرعية على هذا العمل القذر، أو حتى المشاركة في طمس هوية العراق دعوا الغزاة الذين اعلنوا عدم استطاعتهم لوحدهم اصلاح ما دمرته الحرب الظالمة على العراق في ورطتهم. ساعدوا الشعب العراقي بمواقف سياسية صريحة وصارمة ليتخلص من كابوس الاحتلال. نعم ان اميركا وبريطانيا في ورطة، ويريدان حلا بأي شكل من الاشكال، من خلال مساهمات الدول العربية في اصلاح آثار الدمار، أو من خلال مشروع قرار رفع الحظر عن العراق، وهو الذي اصطدم بمطالبة المجتمع الدولي بضرورة أن تلعب الأمم المتحدة دورا محوريا في إعادة إعمار العراق وهو بالتالي المطلب الذي يجب أن تسانده الدول العربية لاقصاء سيطرة الولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة البريطانية من التحكم في مقدارت عائدات النفط ومستقبل الشعب العراقي.
ومن هنا فإذا كانت الدول الاوروبية تسعى الى عقلنة الانفلات الأمني العالمي الذي تقوده أميركا وبريطانيا و«اسرائيل»، فلماذا نسعى نحن العرب في مساعدة البغاة الطغاة في هذا الانفلات الذي سيقضي في النهاية على هويتنا العربية.
دعوا الغزاة لوحدهم في روطتهم، فلعل هذه تكون هي بداية الانهيار الاقتصادي للمارد الذي دأب على التعدي والتغذي على خيرات الشعوب والدول الغنية بالسطوة العسكرية، فأميركا اليوم تسير على نهج بريطانيا الامس التي غابت عنها شمس العظمة فباتت تعيش في ظلمة وظلال الماضي، إذ يحاول رئيس وزرائها طوني بلير التعيس ان يعيد بريطانيا إلى همجيتها السابقة بعد أن تشافت منها، فهو يرى في اميركا التي صنعتها بريطانيا ودربت مستوطنيها الجدد على اعمال النهب والقتل حتى أفنوا شعبها الاصلي واحتلوا كامل الأرض وما عليها من خيرات واخضعتها لحكمها وأضفت عليها شرعية الاداراة بالقوة العسكرية تحاول الآن بعد ان فقدت السيطرة على أميركا الاشتراك معها في ارتكاب جريمتها الثالثة بالعراقيين بعد جريمتها الأولى بالهنود الحمر وجريمتها الثانية بالفلسطينيين.
فبحق السماء ومن بناها ساندوا الشرفاء لنصرة الحق ودعوا الاقتصاد الاميركي والبريطاني يغرقان في المستنقع العراقي لتخرج قواتهما مدحورة كما خرج الاتحاد السوفياتي سابقا من أفغانستان
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ