باتت الفوضى صفة ملازمة للأوضع في العراق، هذا ما تشير إليه غالبية التحليلات في الصحف الأميركية والبريطانية، لكن هذه الفوضى رافقها هذا الأسبوع «تخبط» أميركي ينذر بارتباك شديد، ما يوحي بأن الحكومة الأميركية لا تملك خطة واضحة عن كيفية التعامل مع هذا البلد... فبعد أن انفرد البريطانيون والأميركيون بالشأن العراقي الذي بات كأنه شأن أميركي - بريطاني داخلي فحسب، باشر الحاكم المدني الاميركي الأعلى في العراق بول بريمر مهمته الجديدة الصعبة في إقرار الأمن في العراق ورسم المستقبل السياسي لهذا البلد.
ليحل مكان الجنرال المتقاعد جاي غارنر على رأس الإدارة الأميركية في العراق وفي خضم سيل الانتقادات بالتقصير تطرقت معظم الصحف الأميركية بالإضافة إلى مواقع مراكز الأبحاث على الانترنت، إلى مسألة تعيين بريمر، وعلى رغم ان الأخير كال فور وصوله إلى بغداد المديح للجنرال غارنر... لوحظ انه تراجع عن تعهدات سلفه بإقامة حكومة مؤقتة في غضون أسابيع، مؤكدا أنه سينخرط مع الأشخاص المعنيين في العراق في عملية مناقشة الفترة الانتقالية التي تسبق تشكيل حكومة عراقية «وذلك خلال مدى زمني لم يتحدد بعد».
فيما أعلنت لندن حليفة واشنطن وشريكتها في الغزو أن الجهود الرامية إلى تنصيب إدارة مدنية في بغداد استغرقت وقتا أطول مما كان متوقعا، واصفة الوضع في العاصمة العراقية بأنه لا يبعث على الارتياح. بحسب إعلان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أمام مجلس العموم البريطاني.
ورأى جوناثان ستيل «في الغارديان» (البريطانية) أن مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة، إلى مجلس الأمن، أخيرا يثير الريبة.
موضحا ان مشروع القرار هذا لا يذكر أبدا عودة المفتشين الدوليين إلى العراق، كما انه يهدد بتقويض برنامج المساعدات الذي كان العراقيون يعتمدون عليه قبل الحرب. وهو يتيح للولايات المتحدة، فرصة السيطرة على الموارد النفطية العراقية كلها.
واعتبر ستيل، ان رفع العقوبات عن العراق، هو أمر مهم إلا ان ما هو أهم هو رفع الاحتلال الأميركي عن البلاد. مشددا على انه لا بد للأمم المتحدة، من أن تضغط على واشنطن، بهدف إنهاء الاحتلال في أقرب وقت ممكن. وقال ستيل، ان وجود مستشارين أميركيين في كل وزارة عراقية، هو إساءة للعراقيين. مضيفا انه ما أن يتم إنشاء حكومة انتقالية عراقية سيكون من غير الضروري وجود مراقبة أجنبية لمجريات الأمور في العراق.
واعتبر انه بقدر ما يطول الوجود الأميركي في العراق، بقدر ما سيلجأ المعارضون للوجود الأميركي إلى استخدام السلاح. وختم الكاتب البريطاني، بالقول: ان أداء القوات الأميركية في العراق، في الشهر الأول بعد سقوط النظام العراقي، يبين انه يجب ألا تبقى هذه القوات طويلا في العراق. مضيفا ان العراقيين بحاجة إلى بعض المساعدة لتنظيم الشرطة العراقية وتدريبها. كما انه يجب ألا تحل قوة دولية محل القوات الأميركية لأن العراق، ليس في حال حرب مع جيرانه كما انه من غير المرجح أن تنشب حرب أهلية عراقية. ولذلك فكل الدلائل تشير إلى ضرورة إنهاء الاحتلال لأنه لا بد أن يسمح للعراق، بأن يحكم نفسه.
لكن «واشنطن بوست» اعتبرت في افتتاحيتها، ان أمام إدارة بوش، فرصة كبيرة للنجاح في حملتها الرامية إلى عدم إعطاء الأمم المتحدة وغيرها من الحكومات أي دور في عراق ما بعد الحرب. موضحة انه على رغم ان مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة، يعطي الولايات المتحدة وبريطانيا وحدهما سيطرة على العراق، لمدة سنة تقريبا، فإن عددا من الحكومات التي عارضت الحرب، لا تريد خوض عراك جديد مع واشنطن.
ورأت انه من المرحب بانتهاء الحزازيات الدبلوماسية، وخصوصا إذا أدى هذا الأمر إلى رفع العقوبات عن العراق، في وقت أبكر مما هو محدد لأن هذه العقوبات تعوق الاقتصاد العراقي، وتبطئ إعادة إعمار العراق.
من جانبه، حذر مايكل ديش في موقع ذي أميركان كونسيرفاتيف، من انه من الممكن ألا يتحول كل نجاح عسكري إلى نصر سياسي... وأجرى مقارنة بين الحرب الإسرائيلية في لبنان، والحرب الأميركية في العراق.
معتبرا ان التجربة اللبنانية قبل حوالى 20 سنة تبين انه من الممكن هزيمة الخصم في ساحة المعركة وعلى رغم عدم الفوز في الحرب. ولاحظ ديش، ان نقاط التشابه بين الحربين تثير المخاوف إذ يتضح انه من الممكن ألا يتحول كل نجاح عسكري إلى نصر سياسي.
وقال ديش، ان الحرب في العراق، وتلك في لبنان تلتقيان في نواح أربع. الناحية الأولى، هي ان مؤيدي الحربين كانوا يرون ان الخطط الحربية تأتي في سياق خطط كبرى هدفها تغيير شكل الشرق الأوسط.
والناحية الثانية، هي ان من كانوا يدافعون عن الحربين كرروا ان نشر الحرية هو الهدف الرئيسي للحرب. أما الناحية الثالثة فهي ان الإسرائيليين والأميركيين أقاموا تحالفات تثير الجدل في سياق التحضير للحرب. ورابع النواحي، هو ان الحربين كانتا تهدفان إلى إحداث تغييرات سياسية كبرى في مجتمعات شديدة الانقسام. ولاحظ ديش، انه تم تبرير الحربين عبر تسويق الأكاذيب. فشارون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن، استخدما اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أغروف، ليكون ذريعة لاجتياح لبنان، على رغم ان الاستخبارات الإسرائيلية قد أعلمتهما بأن من نفذ الاغتيال لم يكن منظمة التحرير الفلسطينية التابعة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والتي كانت الموجودة في لبنان، وإنما مجموعة أبو نضال المعادية لعرفات. أما فيما يتعلق بأميركا، فقد أصر الصقور في إدارة بوش، على علاقة النظام العراقي باعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول، التي نفذها تنظيم «القاعدة» لكي يحصلوا على دعم شعبي لشن الحرب.
وتحدث بيتر فورد في موقع كرستيان ساينس مونيتور، عن الفوضى في العاصمة العراقية بغداد. ولفت إلى ان الناس باتوا يخافون من السير في الشوارع ليلا، كما انهم يعانون كثيرا عند اضطرارهم الى التزود بالوقود فيضطرون إلى الانتظار لمدة تزيد على 10 ساعات.
وأضاف انه يتم إحراق بنايات، وسرقة سيارات ونهب متاجر. كما ان معظم العراقيين لا يحترمون إشارات السير، ما يزيد من مخاطر الحوادث المميتة.
ونقل عن مسئول في قوات التحالف، ان فرض النظام في بغداد، مسألة صعبة للغاية. ذلك انه يصعب إيجاد نوع القانون الذي يمكن أن ينطبق على مجتمع شبيه بالمجتمع البغدادي. موضحا ان الرئيس العراقي قد أفرغ السجون قبل بدء الحرب، ما يعني ان ما يزيد على 100 ألف مجرم يتجولون في الشوارع العراقية من دون التمكن من السيطرة عليهم.
وفي سياق آخر، رأت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها، انه إذا صح وجود مختبرات عراقية متنقلة لتصنيع أسلحة دمار شامل فإن أحد مزاعم الرئيس بوش بان العراق يملك نظام أسلحة بيولوجي ناشط ستصبح حقائق ملموسة... لكن الصحيفة الأميركية، رأت انه لا بد من دعوة الأمم المتحدة لإرسال بعثات التفتيش الدولية من جديد لكي يكتسب كل ما يتم إيجاده في العراق صدقية. لكن شارلز غلايزير في موقع فيل إينك، لاحظ ان منتقدي الحرب ضد العراق، يسألون عما إذا كانت إدارة بوش، حرفت التهديد المتأتي عن أسلحة الدمار الشامل عن قصد؟ موضحا ان فشل الأميركيين في إيجاد هذه الأسلحة في العراق، يقوض السبب الذي ادعى الرئيس جورج بوش، انه وراء الإطاحة بالنظام العراقي. ورأى غلايزير، انه في حال اتضح ان العراق، لا يملك أيضا أسلحة كيميائية وبيولوجية فسيتم توجيه انتقادات شديدة إلى أميركا. إذ سيتم التشكيك في قدرات استخباراتها ما سيسيء لسمعة واشنطن الدولية بشكل كبير.
من جانبه على توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، على مشاهد الجثث التي استخرجت من مقبرة في ساحة مسجد الجمهورية في البصرة، إذ مازالت الأرجل مربوطة بالحبال والأعين معصوبة بخرق وأبدى استغرابه لوجود جثة كان لها ساقان من الجهة اليمنى.
وقال فريدمان، ان هذه المقابر الجماعية، هي دليل على مدى قسوة الرئيس العراقي صدام حسين. وهي شاهد صامت على كون النظام العراقي السابق آلة دمار إنساني شامل.
وأسف فريدمان، لأنه بسبب عدم حماية القوات الأميركية والبريطانية، لهذه القبور، تم فتحها والعبث بها وسرقة موجوداتها، ففقد بالتالي عدد كبير من الناس، حتى فرصة الحصول على جثة من يحبونهم. وبدا له انه تماما كما تم نهب مواقع الأسلحة العراقية، فإن الأدلة التي تدل على ما كان يقوم به صدام، بحق الناس قد فقد، وضاعت كل البراهين.
وختم بالقول: ان على أميركا، التي حققت إنجازا عسكريا كبيرا أن تسعى إلى الحفاظ على القبور وألا تتركها مفتوحة أمام أيدي الناهبين والسارقين.
أما الأغرب فهو ما كشفت عنه «إيسترن دايلايت تايم» (الأميركية) من ان وكالات الاستخبارات الأميركية تقوم بتنظيم أعضاء في حزب البعث العراقي السابق، لكي تنشىء قوات استخبارات عراقية وكل ذلك لأن أميركا، تعرف ان الإيرانيين والشبكات الشيعية في الجنوب تحاول التدخل في ما يجري في العراق
العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ