يوم الثلثاء القادم الموافق 4 أغسطس/آب 2009، ستمثل الصحافية السودانية لبنى أحمد الحسين أمام إحدى محاكم السودان بتهمة «عدم الحشمة» لإصرارها على ارتداء البنطلون. الملفت في قضية لبنى هو رفضها الاستفادة من حصانتها الدولية بوصف كونها موظفة تعمل في المكتب الإعلامي التابع لبعثة الأمم المتحدة في الخرطوم. وكما يبدو فإن تمسك لبنى بالوقوف أمام المحكمة هو، كما يبدو، يعكس رغبتها في شن حرب على الفصل 152 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 الذي تصل فيه العقوبة إلى حد الجلد العلني بأربعين جلدة، والتي أبدت لبنى استعدادها، في حال إدانتها أن تتم عملية الجلد بحضور الإعلاميين والصحافين كي يكن شهودا على أحد مظاهر انتهاك حقوق الإنسان في السودان. وكما قالت لبنى لمحطة (سي إن إن) فهي تعتبر هذه المادة «التي تقضي بجلد النساء، تخالف الدستور وتتجاوز الحريات، ومن شأنها تكريس العقوبة على فتيات أخريات». أما محاميها نبيل أديب فقد اعتبر المادة ليست بذات الأهمية، لكنها في الوقت ذاته «مخزية ومثيرة للخجل، كما أنها تتضمن كثيرا من الانتهاكات». لبنى إذا لاتدافع عن نفسها فحسب، لكنها تحاول أن تحاكم النظام نفسه.
لو قدر لفنان أن يرسم لوحة تصور لبنى في المحكمة فربما تكون قريبة من لوحة «موت سقراط» التي رسمها في العام 1787، الفنان العالمي جاك لوي ديفيد، والتي جسد فيها رؤيته لتلك اللحظات الأخيرة من حياة الفيلسوف اليوناني سقراط، وهو يتجرع السم، رافضا، كما فعلت لبنى برفضها الحصانة الدولية، الهروب. وكما ارتبك حارس سقراط وتحاشى الإجابة على سؤال سقراط، وهو يهم بتجرع سم الترياق، «هل يسمح في مثل هذه اللحظات أن يؤدي الإنسان صلاته ليقترب أكثر من الآلهة؟» كذلك نتوقع أن تحرج لبنى من سيحاكمها بسؤال أقل تعقيدا من ذلك الذي رفعه سقراط في وجه جلاديه، بأن تسألهم «أليس من حق فتاة مثلي أن تلبس ما تريد، ومن هو الذي يحدد حشمة ما أرتدي، أو ما ترتديه غيري من الفتيات؟». وكما يعرف الجميع، وقبل تنفيذ الحكم في سقراط، تسلل أحد تلاميذ سقراط إلى زنزانته، وهو الشاب كريتون وهمس في أذنه «لقد أعددنا كل شيء للهرب فهيا بنا يا أستاذي إلى الحرية». فجاءه جواب سقراط حادا وصريحا «كلا يا كريتون لن أهرب من الموت. إنني لا أستطيع أن أتخلى عن المبادئ التي ناديت بها عمري كله. بل إنني يا كريتون أرى هذه المبادئ الغالية التي ناديت بها حتى اليوم جديرة بذلك الثمن. أجل يا كريتون ليست الحياة نفسها شيئا، ولكن أن نحيا حياة الخير والحق والعدل فذلك هو كل شيء».
جاك لوي ديفد، كان يحاول حينها أن يوجه خطابا إلى المجتمع الفرنسيفي العام 1787، عندما سهدت فرنسا مصادرة إصلاحات النظام الملكي، بما فيها حل مجلس الأعيان، والزج بالمئات من السجناء السياسيين داخل سجون الملك، وهروب آخرين إلى المنافي.
ربما لم يدر في خلد الفيلسوف الإغريقي، وهو يصر على تجرع السم، أنه كان يضع، ومنذ ذلك التاريخ، أسس الديمقراطية الغربية، ويرسم وهو في طريقه إلى مثواه الأخير معالم قوانين حقوق الإنسان، كما عززها في مراحل لاحقة فلاسفة من أمثال روسو في كتابه «العقد الاجتماعي»، الذي مهد الطريق، بدوره، لكل ما نشهده اليوم من أشكال وقوانين الدفاع عن الحريات في الغرب.
من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن حكم الإعدام قد صدر بحق سقراط في العام 399 قبل الميلاد، أي بعيد انهزام أثينا الديمقراطية أمام إسبارطة، وعودة القائد اليوناني «تراسبيولوس» مع زمرة من أصحابه، إلى البلاد التي بدأت ثرواتها تتراجع، والفساد ينتشر، وكان لابد من البحث عن كبش فداء يبرر تدهور الأوضاع، ويبيح تكميم الأفواه في أثينا الديمقراطية، فلم يجد هؤلاء أفضل من سقراط كي يكون ضحيتهم. أي أن مصادرة الديمقراطية، لم تكن لتتم في عصر ازدهار أثينا، وإنما في مراحل اندحارها وتدهورها.
من سقراط وأثينا نعود إلى لبنى والسودان، التي هي الأخرى تشهد أزمة حادة في الأوضاع السياسية، يواكبها تدهور في الأوضاع الاقتصادية، وتنتشر فيها موجة فساد، وهي الأمور التي، تفسر هذه الهجمة على الحريات، والتي لايمكنها أن تقبل بما تكتبه صحافية مثل لبنى في عمودها الصحافي «كلام رجال»، الذي تهاجم فيه الفساد، وتدافع فيه عن الحريات العامة. لكن الحكومة السودانية، وكما شهدنا الأمر في أثينا بعد هزيمتها من إسبرطة، وهي تعاني من أزماتها الداخلية، وبدلا من معالجة الأمور على نحو صحيح، نجدها تلجأ إلى تكميم الأفواه وتلفيق تهم باطلة ضد أصوات تدافع عن الفضيلة مثل أصوات لبنى.
وإن كانت لبنى قد أصرت، في دفاعها عن حقها وحق جيلها في أن يرتدين ما يرونه مناسبا، دون خدش للعقد الاجتماعي بينهن وبين أي من أفراد مجتمع متحضر، فهي في ذلك تعيد على أسماع العالم، وبصوت عال وواضح، ما سبق وأن قاله سقراط قبل ولادة المسيح، حين لم يكن قابلا لأن يساوم على «أن الفضيلة أمر بديهي في أساس تكوين الإنسان، لكن الإنسان حين يخطيء معاينة الفضيلة يظن الباطل حقا والشر فضيلة».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2521 - الجمعة 31 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ
السودان
انا محتار يقال ان حريتك تنتهي عند انتهاك حرية الاخرين ؟؟؟
لماذا كل الضجة نحن مسلمون ديننا واعرافنا تحد من حريتنا بل و تامرنا. هل ننتهي ام نتعلق بحبال حقوق الانسان
لماذا جلدت لبنى؟؟ ( ابو لما)
الاسباب الحقيقية للتحرش بالصحفية لبنى الحسين وتقديمها للمحكمة بسبب البنطال من قبل جنود اوباش هى مجرد مسرحية فصولها الفعلية تكمن فى تطرق الاخت الصحفية فى مقال كتبته عن صناعة غاز الايثانول فى السودان وهو ملف فى منتهى الخطورة وهذه فرصة لصحيفتكم الموقرة التحدث الى تلك الصحفية وكشف المستور عن هذا الملف ، لكن الاخت اثارت ضجة فى موضوع اظن من العيب التطرق له واثارته على الملا ناسية ات ما يصيبها من المجتمع اشد واقذع من الاربعون جلدة وكلنا يعلم ان كل ما يظهر جسد المراة محرم لكن بعض الناس تكابر عن علم 0
إذا كانت بعض الدول العربية تنتقد الكيان الصهيوني فإن ممارسة بعض الدول ضد مثقفيها ورواد العلم أكثر تصهينا
إن ما يقلق بعض الدول هو تنامي رواد العلم والمثقفين وإن ممارسة بعض الدول للقمع الذي يواجهه حملة العلم والرواد من الباحثين أكثر من الجهلاء ، وأن الشعارات المرفوعة ضد محو الأمية وغيرها من الشعارات الداعمة للتنمية المستدامة ما هي إلا لكسب ود المنظمات الدولية بل يعاني بعض من أبناء الوطن العربي للقمع المتنامي في حقوقهم المشروعة في تبوأ المناصب التي تليق بهم ولو تطرقنا للأمثلة اليومية لما إنتهينا يرجى متابعة مقالات لبنى لتكشف وتفضح المستور وهذا غيض من فيض...
رغم توقيع العديد من الدول العربية على ميثاق حقوق الانسان والعهدين الدوليين إلا أن لا زالت بعض المؤسسات داخل تلك الدول تجلد مثقفيها وروادها وإن تطرقنا إلى الأمثلة فلن ننتهي
نشكر للأستاذ عبيدلي على موضوعه القيم ،،، ,هذا ما يعانيه بعض أبناء الوطن العربي وبالأخص الفئة التكنوقراط من جلد وعسف متامي في حقوقهم التي كفلها الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية وأن الوضع القائم يشمل بعض المؤسسات فهناك وأد متنامي لرواد العلم والمثقفين لأنهم في الواقع يشكلون خطرا أكثر من الجهلاء ، لذا فإن هنالك العديد من الدسائس الكيدية تحاك ضدهم في وضح النهار ومن قبل خفافيش الليل وهناك تخوف من أنصاف المتعلمين والذين يتبوأون مناصب أعلى مما يستحقون من رواد العلم وحملة الدكتوراه والباحثين .
حرية التعبير
الاخ الاستاذ عبيد العبيدلي
تحية طيبة..
سعدت اليوم أيما سعادة بهذا المقال الرصين حول قضية الصحافية الزميلة لبنى، والقضية برمتها تتعلق بحرية التعبير وإذا قرأت آخر مقالات الزميلة لبنى ستجد انها فصحت الحكومة السودانية بتجاوزاتها الانسانية التي فاقدت حد الوصف، وقد كشفت للعالم الزميلة لبنى ان النساء في السودان يجلدن يومياً امام مرأى المتسوقين لأتفه الاسباب، لكن مشكلة لبنى تكمن فيما كتبته من مقالات ظن السودانيين في الآونة الاخيرة يطبعونها ويوزعونها على القراء لما فيها من مصداقية. خالد ابواحمد
لبنى إسم موسيقي رومانسيي وفي النفس الوقت ينم عن شخصية قيادية
لربما من محض القدر أن يتم إسم ( لبنى ) مخلدا في التاريخ ... الإسم رائع وشخصياته على مرر السنين أروع فمنذ السنين الماضية وفي عبق التاريخ ترنم بهذا الإسم لينم عن الحب والصفاء وفي العصر الحديث لينم عن الشخصيات التي ترنمت بحقوق الإنسان ... طوبي لهم... لبنى إسم نقش في قلبي ، فهو ليس صفحة كتاب وانطوت وليس بكلمات قد قيلت وتوارت لكن تناغم هذا الإسم ظل محفوار في وجداني وكياني... ( لبنى )