جنحت معظم التحليلات العبرية كما الأميركية، إلى التشاؤم حيال التوقعات من إمكان نجاح وزير الخارجية الأميركي كولن باول، خلال زيارته إسرائيل والأراضي الفلسطينية، من تحقيق نتائج عملية على مستوى تنفيذ «خريطة الطريق» للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلى نحو لافت، أجمعت غالبية التحليلات على ان «العقدة» تقف عند رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، الذي يعتمد سياسة التسويف والمراوغة، بحسب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، الذي رأى أيضا ان التاريخ سيذكر الرئيس بوش الابن، إذا ما واصل اتباع النهج الذي يتبعه حاليا مع إسرائيل على انه الرئيس الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بأرييل شارون فدفع الدولة العبرية على الاعتقاد بأنها قادرة على الحصول على كل شيء وساهم بالتالي في تدمير الدولة العبرية... ورأى ياعيل غفيرتس في «يديعوت أحرونوت»، انه يتحتم على الولايات المتحدة التوضيح هذه المرة عما إذا كانت تنوي العمل كقوة عظمى وفرض النظام الحقيقي... لقد حضر باول وسيغادر والاختبار يكمن في من سيخلفه للقيام بالعمل... ومن جانبه، عكيفا إلدار في «هآرتس»، نعى مهمة باول ورأى انه لم يسبق أن فقد الأمل بنتائج خطة سلام كما هو الحال مع «خريطة الطريق»... وقال انه عندما يتضح ان «الإرهاب» الفلسطيني كان مجرد عذر للحكومة الإسرائيلية لكي تقوّض اتفاقات أوسلو فلن يأخذ تجديد العنف أكثر من ساعات قليلة... واللافت أيضا ما نقله ألوف بن في «هآرتس»، عن مستشار سياسي أميركي جمهوري، رافق باول، ويجري استطلاعات للرأي هو فرانك لانتز. إذ حذر هذا الأخير من انه بعد الفوز الأميركي في العراق، فقد بات الوضع الإسرائيلي أكثر هشاشة. مضيفا ان الرأي العام الأميركي، لم يعد ينظر إلى إسرائيل، كما كان يفعل سابقا. موضحا ان غضب الأميركيين من العالم العربي، يتبدد فهم يريدون معاودة أعمالهم كما في السابق، ولذلك فهم سيلومون أي خطوة إسرائيلية من شأنها الإساءة إلى الوضع الأميركي في الشرق الأوسط. لكن جون هوبيرز في موقع شبكة «كنائس الشرق الأوسط للسلام»، كان أكثر واقعية، وضع يده تماما فوق الجرح حين اعتبر ان الدعم الأميركي للقضية الصهيونية كان السبب الرئيسي في توسع ما وصفه بـ «الصهيونية المسيحية» التي تصور الفلسطينيين على انهم «وحوش».
وبدا لـ «توماس فريدمان» في مقاله في «نيويورك تايمز»، انه بعد ما سمعه من أخبار، فإن الرئيس بوش الأب، لن يوصف بعد الآن بأنه أكثر الرؤساء الأميركيين المؤيدين لإسرائيل. موضحا ان التاريخ سيذكر الرئيس بوش الابن، في حال استمر في اتباع النهج الذي يتبعه حاليا مع إسرائيل، على انه الرئيس الذي ارتبط ارتباطا وثيقا برئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، فدفع إسرائيل، على الاعتقاد بأنها قادرة على الحصول على كل شيء من مستعمرات وازدهار وسلام وديمقراطية وساهم بالتالي في تدمير الدولة العبرية شيئا فشيئا. وإذ لفت إلى ان بوش الأب، كان مستعدا ليقول لإسرائيل، وللوبي اليهودي بعض الحقائق المؤلمة عن حرب الخليج الأولى، ومنها ان تمدد المستوطنات سيؤذي إسرائيل على المدى الطويل، شدد على ان بوش الابن، يمر في مرحلة حساسة في الوقت الحاضر. إذ انها المرة الأولى التي يكون للفلسطينيين رئيس وزراء هو أبو مازن، ووزير مالية هو سلام فياض، ورئيس أركان هو محمد دحلان. وهم أشخاص بحسب فريدمان، يفهمون ويعون جيدا كم ان استراتيجية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، باللجوء إلى «الإرهاب» وإجراء حوار مزدوج مع إسرائيل، قد أساءت للشعب الفلسطيني كثيرا. وقال فريدمان، انه على رغم ان نجاح أبو مازن، ليس مضمونا خصوصا ان عرفات والموالين له، مازالت لديهم سلطة كبيرة، رأى انه لابد من أن يؤمن أبو مازن الأمن لإسرائيل، كما انه لا بد لشارون أن يساعد أبو مازن، فيقدم له مساعدة عبر تحسين الوضع الفلسطيني المعيشي، وتفكيك بعض المستوطنات. واعتبر فريدمان، انه مع إزالة أكثر الأطراف تهديدا لإسرائيل، أي النظام العراقي، من المتوقع أن يغتنم شارون، الفرصة ويسعى إلى تحسين الأوضاع. لكن فريدمان، أسف لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، يعتمد سياسة التسويف والمماطلة. مشددا على ان شارون، يعتمد قاعدة يتم اعتمادها كثيرا في سياسة الشرق الأوسط وهي: «كيف أساهم في التوصل إلى تسوية وأنا ضعيف؟؟ ولم أُسهم في التوصل إلى تسوية بما انني قوي؟». وختم فريدمان، بالقول انه في حال ضاعت الفرصة المتاحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هذه المرة، فسينتهي حل الدولتين. وسيتخلى العالم العربي عن مسيرة السلام، وستحتفط إسرائيل بالأراضي الفلسطينية، وسيسيطر الأصوليون في المعسكر الفلسطيني. مشددا على انه بسبب كل هذه الأمور، يؤمل أن يستمع بوش الابن، لنصائح بوش الأب.
ورأى داني روبنشتاين في «هآرتس»، ان فرصة أن يستخدم رئيس الوزراء الفلسطيني القوة مع «حماس» و«الجهاد الإسلامي» ضئيلة للغاية. وإذ لفت إلى تكرار أبو مازن، ضرورة وقف الانتفاضة العنيفة، والعمل وفقا للقانون، رأى روبشتاين، ان مشكلة هذا الأخير، ليست وجود الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي يفرض عليه بعض الأمور. فمشكلة أبو مازن، هي انه لا يملك القوة السياسية لمواجهة «حماس». وختم بالقول ان الإسرائيليين الذين يتوقون كي تنشأ حرب أهلية بين الفلسطينيين، ستخيب آمالهم. وعلى العكس، فعليهم أن يتوقعوا سلسلة اجتماعات بين أبو مازن و«حماس» بهدف التوصل إلى تسوية. وفي خبر تحليلي، لاحظ روبنشتاين، ان ظن الوفد الفلسطيني برئاسة رئيس الوزراء الفلسطيني أبو مازن، قد خاب بعد لقائه وزير الخارجية الأميركي كولن باول. ونقل عن أحد المسئولين الفلسطينيين قوله ان هذا الاجتماع كان مضيعة للوقت. وقال روبنشتاين، ان الشعور الذي ساد بين أعضاء الوفد، هو ان هذه الزيارة كانت مجرد خطوة سطحية وان واشنطن، قررت انتظار نتيجة زيارة رئيس الوزراء ارييل شارون للعاصمة الأميركية لترى ما إذ كانت هناك أي فرصة للتقدم في المسيرة السياسية. وأوضح روبنشتاين، ان خيبة الأمل الفلسطينية كانت بشكل رئيسي بسبب عدم إعلان باول، ان إسرائيل قد وافقت من حيث المبدأ على «خريطة الطريق» وبالتالي السير قدما بهدف التوصل إلى إنشاء دولة فلسطينية.
ورأى ياعيل غفيرتس في يديعوت أحرونوت»، ان كثرة انشغالنا في «الجزر والعصي» تصعّب علينا رؤية الغابة: فهل تقود الولايات المتحدة الأميركية عملية سياسية ملموسة أو انها عائدة إلى البيت. واعتبر ان الاختبار الحقيقي لزيارة كولن باول، الحالية إلى المنطقة، لن يكون في مدى تطبيق المطالب التي سيعرضها أمام الطرفين، ولا في الإغراءات التي سيقدمها لدفع العملية إلى الأمام. ولن يكمن في حقيقة مجيئه إلى المنطقة وإنما في ما سيتركه خلفه بعد مغادرتها. فإذا كان الرئيس الأميركي قد خوّله بالإعلان عن تعيين موفد كبير إلى المنطقة ليتولى رئاسة طاقم قوي، فسيتضح ان أميركا، تقصد هذه المرة القيام بـ «العمل». أما إذا لم يفعل ذلك، فهذا سيعني ان الإدارة الأميركية ستعود إلى التلصص والهرب وترك الأطراف تقتل «خريطة الطريق» من دون أن توفَّر لها طرق عملية لتطبيقها. وقال غفيرتس، ان زيارة باول، جاءت لكي تعبر عن الخطوة الأولى لترجمة خطاب بوش، إلى خلاصة سياسية. وإذ لفت إلى ان المنطقة تعج بالوثائق التي غطاها الغبار، وساهم الانتظار المتواصل للأميركيين بخلق عنصر سبب الشلل ومنع الأطراف من مساعدة ذاتها وقيادة حل ذاتي، شدد على انه يتحتم على الولايات المتحدة التوضيح، هذه المرة، عما إذا كانت تنوي العمل كقوة عظمى وفرض النظام الحقيقي هنا. فإذا اتضح بأنها ليست جدية وأن جدول أعمالها يفضل الانشغال في قضايا إيران وكوريا الشمالية والاقتصاد الأميركي وانتخاباتها الداخلية، فسترتكب ظلما كبيرا وتتسبب بالمزيد من الأضرار. لقد حضر باول إلى هنا وسيغادر. والاختبار يكمن في من سيخلفه هنا للقيام بالعمل.
لكن ألوف بن في «هآرتس»، كشف انه خلال لقاء شارون مع باول، التقت مجموعة من الناطقين باسم الحكومة الإسرائيلية بمستشار سياسي أميركي جمهوري يجري استطلاعات للرأي هو فرانك لانتز. فلفت بن إلى ان الأخير حذر من انه بعد الفوز الأميركي في العراق، بات الوضع الإسرائيلي أكثر هشاشة. مضيفا ان الرأي العام الأميركي، لم يعد ينظر إلى إسرائيل، كما كان يفعل سابقا. موضحا ان غضب الأميركيين من العالم العربي، يتبدد فهم يريدون معاودة أعمالهم كما في السابق، ولذلك فهم سيلومون أية خطوة إسرائيلية من شأنها الإساءة إلى الوضع الأميركي في الشرق الأوسط. وشدد لانتز، على ان معظم الأميركيين يكرهون شارون، ويعون بأن لا إسرائيل، ولا الفلسطينيين يريدون السلام. لكنه أضاف ان الأميركيين يريدون السلام الآن. وهم لا يهتمون لما إذا كانت إسرائيل ستضحي للحصول على السلام أم لا. لذلك اعتبر ان إصرار إسرائيل، على الاحتفاظ بمصالحها، سيكلفها رأي الشعب الأميركي. وأضاف لانتز، ان الأميركيين لا يريدون أن يعرفوا ما إذا كانت ستحل الديمقراطية في إسرائيل، بل يريدون أن يعرفوا متى سيتم تفكيك المستوطنات، ومتى سينتهي الاحتلال، ومتى ستعترف إسرائيل بدولة فلسطينية. كما انهم يريدون معرفة في أي وقت سيوقف الفلسطينيون «الإرهاب» ومتى يطردون عرفات، ويبدأون بتعليم أولادهم الكف عن كره إسرائيل. أما في ما يتعلق بزيارة باول، للاجتماع بالإسرائيليين والفلسطينيين، فرأى بن، ان هدف الزيارة الرئيسي كان ليبرهن دعم الأميركيين لرئيس الوزراء الفلسطيني أبو مازن. كما انه يريد أن يكون لقاء شارون بأبو مازن، هادئا.
من جانبه، عكيفا إلدار في «هآرتس»، لاحظ انه لم يسبق أن فقد الأمل بنتائج خطة سلام كما هو الحال مع «خريطة الطريق». وتوقع انه بعد أيام قليلة على بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي، سيبدو جليا ان الخريطة لا تملأ الثغرات الموجودة بين الطرفين بشأن عدد من المواضيع الرئيسية. وتوقع إلدار، أيضا ألا تتخلى الدولة الفلسطينية الجديدة عن شرق القدس وعن سيطرتها على الحرم الشريف، أو عن اللاجئين الفلسطينيين. وقال إلدار، انه عندما يتضح ان «الإرهاب» الفلسطيني كان مجرد عذر للحكومة الإسرائيلية لكي تقوض اتفاقات أوسلو، فلن يأخذ تجديد العنف أكثر من ساعات قليلة. وأضاف الكاتب العبري، ان طلب شارون، بدء المفاوضات مع الفلسطينيين بعد تخليهم عن حق العودة، هو دليل على انه يعي جيدا مخاطر الدخول في نفق يؤدي إلى فوضى عارمة. معتبرا انه لا حاجة للتفكير كثيرا للمعرفة بأن ما من قائد فلسطيني سيقبل بأن يتم التخلي عن حق العودة، مقابل الحصول على 40 في المئة من الأراضي الفلسطينية. وختم بالقول، ان شارون، كان مصيبا في التطرق إلى مسألة اللاجئين في هذه المرحلة، فهو بهذا الموقف، أخرج موضوعا حساسا للغاية من الحوارات عند السعي إلى التوصل إلى اتفاق نهائي. لكن إلدار، أقر أخيرا ان خطة السلام، لا تعني أن يفرض طرف واحد رأيه حتى ولو كان هو الطرف الأقوى.
وتحدث جون هوبيرز في موقع شبكة «كنائس الشرق الأوسط للسلام» على الانترنت، عن الصهيونية المسيحية. ولاحظ انها باتت حركة قوية جدا في الولايات المتحدة. واعتبر ان الطريقة الوحيدة لمواجهة هذا التحرك، تكمن في عرض حقيقة ما ألحقته من أذى بأشخاص فقدوا منازلهم وحياتهم حتى. موضحا ان الدعم الأميركي للقضية الصهيونية كان السبب الرئيسي في توسع هذا التحرك وتسببه بكل المآسي التي تسبب بها. وختم بالقول: انه لابد من إضفاء الصفة الإنسانية على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وبمعنى آخر إعطائه وجها بشريا، وكل ذلك بهدف الإثبات بأن الفلسطينيين ليسوا «وحوشا» كما يظهرهم الصهاينة المسيحيون. معتبرا ان أي خطوة لإثبات هذا الأمر ستكون خطوة جديدة على الطريق الصحيح
العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ