العدد 2519 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ

جدل الديموقراطية والبرلمانية والمواطنة (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تقرير «التنمية الإنسانية العربية 2009»، وهو آخر تقرير من سلسلة التقارير التي بادر برنامج الأمم المتحدة للمكتب الإقليمي للدول العربية برعايتها منذ العام 2004، جرى تركيز كبير على مفهوم «أمن الإنسان العربي»، الذي يعتبره التقرير مفقودا، وإن كان بتفاوت، في كل البلدان العربية دون أي استثناء.

من بين القضايا التي تناولها التقرير، كانت هناك مسألة المواطنة، والخلط بينها وبين مفهوم الديموقرطية، ونحن بدورنا هنا نضيف أن هناك خلطا كبيرا أيضا بين هذه الأخيرة والبرلمانية.

ويرى التقرير فيما يرى بأن «تيّارا قوميّا قويّا تنامى في هذه الكيانات (العربية) بهدف حجب التنوع في أوساطهم، وصهر التغاير الثقافي واللغوي والديني تحت سلطة واحدة.

ولم تنجح أغلبية البلدان العربية في تطوير الحكم الرشيد ومؤسسات التمثيل القادرة على ضمان المشاركة المتوازنة لجميع الفئات وتحقيق العدالة في توزيع الثروة بين مختلف الجماعات، واحترام التنوع الثقافي».

باختصار يحاول التقرير أن يقول إن مفهوم «المواطنة» قد صادرته التطورات التي عرفتها البلاد العربية بعد مرحلة طرد القوى الاستعمارية.

من جهة ثانية يثير التقرير، الكثير من التسؤلات، لعل أهمها وأكثرها حضورا في «الذهن العربي» هو: ما هي أوجه العلاقة بين مجموعة من التعبيرات التي باتت تسيطر على الفكر السياسي العربي المعاصر، وعلى وجه الخصوص الأكثر شيوعا بينها من نمط: الديمقراطية، البرلمانية، المواطنة؟ وبالتالي أي من تلك المفاهيم ينبغي أن تحظى بالأولوية في سلم العمل السياسي العربي من أجل تحقيق المجتمع العربي (القطري أو الإقليمي) الأكثر عدالة وتمثيلا للشعب؟

لربما احتاج الأمر للتمييز بين هذه المصطلحات ودرجة أولوياتها، العودة إلى الأصول، والانطلاق من التعريفات الأولى. فجذر الديمقراطية يعود إلى الدولة الإغريقية عندما عرفها إفلاطون على أنها (ديموس كارتوس) فالمقطع الأول يعني «الشعب» في حين يعبر الثاني عن «السيادة». أي أن النظام الديمقراطي هو ذلك النظام الذي تتمظهر فيه سيادة الشعب بكل أشكالها، بما يعني مساهمة الشعب، وبشكل مباشر، أو غير مباشر، في صياغة القوانين والتشريعات ومراقبة التقيد بها، وضمان سلامة تطبيقها على الجميع.

هذا على المستوى السياسي، أما الديمقراطية على المستوى الاقتصادي، فجوهرها تنظيم العلاقة، بشكل عادل بين العمال وأصحاب العمل بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية.

باختصار يقول المبدأ الأساس للديمقراطية إن الشعب هو، دون سواه، مصدر السيادة، على أن تمارس هذه السيادة عن طريق ممثلين منتخبين، يتم انتخابهم بشكل دوري. ومن ثم فإن هناك علاقة تكامل طردية بين سيادة الشعب وحريته في اختيار ممثليه.

ولعل التطورات التي عرفتها الأنظمة الديمقراطية، وعلى وجه الخصوص الأوروبية منها، دعت الكثير من الفلاسفة إلى إعادة النظر في المفهوم الإغريقي للديمقراطية، ومن بين هولاء المفكر الفرنسي آلان تورين، الذي ينقل عنه الكاتب الكويتي عقيل يوسف عيدان تحديد للديمقراطية على أنها «ثقافة، أكثر مما هي مجموعة من المؤسسات والتدابير الإجرائية. إنها ثقافة تنظّم الحوار بين الثقافات المختلفة وتقوم بدور التوفيق والجمع والدمج بينها، يستدعي تنفيذها التقيد ببرامج تربوية تولي أكبر الأهمية للاعتراف بالآخر، والاعتراف بالفروقات والاختلافات، هذا الاعتراف الذي يقوم على المساواة باعتبارها المسألة المركزية والدائمة لكل الأفكار والسياسات الديموقراطية».

وكما رجعنا إلى أصول نشوء الديمقراطية ، نعود إلى تاريخ تكوين مفهوم البرلمانات، والتي يرجعها البعض إلى تعبير مشتق عن اللغة الفرنسية، وتعني «الكلام» (Parlement). لكن، وكما تطور مفهوم الديمقراطية، كذلك كان الأمر بالنسبة للبرلمان، حيث وجدنا، مؤخرا، بروز الكثير من التعابير، بل وحتى النظم الدالة عليه في القاموس السياسي. فبتنا نسمع بمصطلحات مثل «المجلس التشريعي» أو «الجمعية التشريعية»... إلخ.

لكن، وعلى الرغم من الأصول الفرنسية للكلمة، فإن أول نظام برلماني عرف النور، هو البريطاني في القرن الثالث عشر، ومنه انتقلت البرلمانية إلى أوروبا في القرن السابع عشر. وتعززت مكانته كسلطة تشريعية، في أعقاب الثورات التي عصفت بالأنظمة الإقطاعية في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، وكان هدفها الأساسي الحد من السلطات المطلقة التي كانت تتمتع بها الأنظمة الملكية القائمة حينها.

وقبل الانتقال إلى المواطنة، كي نتوقف عندها مطولا، نظرا للأهمية التي، باعتقادنا، باتت تحتلها في خارطة علاقات الساحة السياسية العربية، على الصعيدين القطري والإقليمي، لابد من لفت نظر القارئ، إنه بخلاف ما قد يتوهم الكثير منا بالعلاقة التكاملية الإيجابية الراسخة في أذهاننا، بين «الديمقراطية» والبرلمانية، فقد بدأت بعض الطروحات في الفكر السياسي الغربي التي تشير إلى بدء مرحلة من التناقض بين التعبيرين.

وعلى الرغم من خلافنا مع كل ما جاء به فكر الفيلسوف الألماني اليمين المدافع عن النازية، كارل شميث في نقده للفلسفة الليبرالية في القرن الماضي، لكنه استطاع في بعض كتاباته، الإشارة إلى افتقاد البرلمانات الغربية إلى قاعدتها الأخلاقية والفكرية الأمر الذي شل من قدراتها الليبرالية، وحولها إلى أداة من أدوات تعطيل الديمقراطية وتطورها في الدول الغربية. ولذلك نجد شميث في كتابه «أزمة البرلمانات» الذي ترجمه إلى العربية، فاضل جتكر، وأصدره معهد الدراسات الإستراتيجية بالعراق، يرى، كما يرد في الكتاب، بأن «الصراع بين البرلمان والديمقراطية حقيقة واقعة، وأن مفاهيم الديمقراطية، والليبرالية، والفردية، والقومية، التي تستخدم، جميعا بالارتباط مع مفهوم البرلمان الحديث، بحاجة أن تُميَّز بوضوح لتكف عن أن تكون مجرد شعارات».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2519 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً